أى قارئ حصيف لكتاب "المخابرات والسياسة الخارجية للولايات المتحدة" لابد وان يتساءل: كيف تقع المخابرات الأمريكية بكل نفقاتها الهائلة وشبكات عملائها فى كل هذه الأخطاء الرهيبة مثل عدم منع هجمات 11 سبتمبر 2001 التى مرغت الكرامة الأمريكية فى الرغام؟! أسئلة من هذا القبيل ستتوالى اثناء قراءة الكتاب على الرغم من ان مؤلفه ربما بحكم الانتماء سعى قدر الامكان للدفاع عن المخابرات الأمريكية معتبرا ان ادارة الرئيس السابق جورج بوش ظلمتها كثيرا وحملتها اخطاء لم ترتكبها. ويبرهن الكتاب على ان مؤلفه صاحب قلم واسلوب بقدر ما يمتلك من معلومات غزيرة وخبرات عريضة فى مجال المخابرات ولعل هذا الكتاب الجديد يكتسب المزيد من الأهمية لأن مؤلفه، بول بيلار، كان المسؤول الاستخبارى الأمريكى الأبرز عن منطقة الشرق الأوسط اثناء احداث جسام مثل هجمات 11 سبتمبر وغزو العراق. والكتاب الجديد لبول بيلار بمثابة استنطاق جاء بعد طول انتظار لأحوال وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قبل هجمات 11 سبتمبر 2001 وغزو العراق عام 2003 باعتبار ان هذه الوكالة الشهيرة بالاختصار "سى.آى.ايه" توصف كثيرا بأنها اقوى جهاز مخابرات فى العالم. والكتاب يتضمن حقائق مزعجة للأمريكيين حول مسار الأمور داخل وكالة المخابرات المركزية وابلاغها ادارة الرئيس جورج بوش الصغير خلافا للحقيقة مثل ان نظام الرئيس العراقى صدام حسين يمضى بلا هوادة فى صنع اسلحة دمار شامل ومن بينها اسلحة نووية. وإذا كان جورج تينيت مدير وكالة المخابرات المركزية قد وجد نفسه كما يقول المؤلف تحت ضغط مستمر من الرئيس جورج بوش للتأكيد على ان نظام صدام حسين يصنع اسلحة دمار شامل فان السؤال : "لماذا لم يقدم تينيت استقالته بدلا من الانصياع لرغبات الرئيس وممارسة التضليل وفبركة المعلومات واختلاق الأكاذيب لتبرير رغبات بوش فى غزو العراق؟!". وقد يكون الأكثر ازعاجا للأمريكيين ملاحظات بيلار على تعامل الادارة والكونجرس مع الاخفاقات الاستخبارية معتبرا ان التغيير الذى طرأ بعد هذه الاخفاقات اتسم فى كثير من الأحيان بالشكلية ومجرد تغيير الأسماء والمسميات دون التوغل بما يكفى عند جذور الفشل. غير ان بول بيلار يلفت فى كتابه ايضا الى ان الكثير من الأمريكيين لا يعرفون حقيقة المهام الأصيلة للمخابرات وما الذى ينبغى ان تفعله لحماية الأمن القومى الأمريكى كما ينبه الى ان جهاز المخابرات قد يتحول احيانا الى كبش فداء لأخطاء جسيمة ارتكبتها القيادة السياسية او الحكومة. وهذا هو الكتاب الثالث فى مجال المخابرات والأمن القومى لبول بيلار الذى عمل على مدى 28 عاما فى مجال تحليل المعلومات بأجهزة المخابرات الأمريكية وتقلد عدة مناصب هامة فى مجال الأمن القومى حتى اصبح مسؤولا عن منطقة الشرق الأوسط.