15 مليار جنيه تقريبا تكبدتها الخزانة المصرية في عامي الثورة على استفتاءات وانتخابات لم تكتب الحياة لأي منها إلا انتخابات الرئاسة وانتخابات مجلس الشورى الذي أفلت بأعجوبة، في حين تكفل العوار الدستوري بالبقية الباقية من الاستحقاقات. كان حريا بتجارب متلاحقة من هذا النوع أن تقنع الجميع بأن الاستقامة الدستورية، والسلامة الاعتبارية للقوانين التي تحكم الممارسات الانتخابية بكل تجلياتها هي الطريق الأقصر والأسلم للوصول إلى مؤسسات ثابتة وقوية، قادرة على أن تتصدى لمحاولات النكوص عليها أو هدمها. وتستعد مصر خلال أيام لمسيرة انتخابات برلمانية جديدة، للوصول إلى مجلس نواب بديل عن ذلك الذي انتخب منذ عام ونصف تقريبا، ولم يصمد للهزات التي استهدفته وتغلبت عليه بسهولة، بفضل ما شاب قانون الانتخابات حينها من مجافاة للدستور. انتخابات مهمة بمقاييس عديدة، لإرساء العمود الرئيس في البنيان المؤسسي والديموقراطي لمصر؛ واستنقاذ حق التشريع المرتهن حاليا في مجلس الشورى؛ انتخابات تخوضها الأحزاب والقوى السياسية، بينما تمر البلاد في منزلق شديد الخطورة، ذهبت معه مذاهب شتى، وتشرذمت الأفكار والتوجهات، وارتفعت بلا خجل نعرات الانفصال. ويتم الاستعداد للانتخابات في أجواء تعاد خلالها صياغة تحالفات جديدة وفك ارتباطات كان الظن أنها راسخة مثل تحالف جماعة الإخوان المسلمين، ممثلة في حزب الحرية والعدالة مع التيار السلفي وجناحه الأكبر حزب النور. وعلى خلفية أزمة إقالة مستشار الرئيس لشئون البيئة، لأسباب يكتنفها الغموض ولا ترقى - وفقا لقيادات حزب النور إلى أن تقيل مسؤلا في مؤسسة الرئاسة، نما ثمة انطباع بأن الإخوان ينأون بأنفسهم عن حزب النور قصدا وتعمدا، ربما لصالح إنشاء علاقات أقوى مع فصائل أخرى داخل التيار السلفي. هل يكون حزب الوطن الذي يقوده الرئيس المستقيل من حزب النور ومعه الحازمون هم البديل الذي فضله الإخوان على حزب النور، توقعا لأن يكون هؤلاء أقدر على تعضيد الإخوان بأداء أقوى في الانتخابات؟ أم أن الأمر يتعلق بخلافات في الرؤى من قضايا عديدة انتهج فيها حزب النور نهجا معارضا للإخوان مثل الموقف من القروض الخارجية ومن الحكومة الحالية وغيرها من القضايا؟ لا يمكن إغفال حقيقة أن جماعة الإخوان تمر بمرحلة خلخلة شديدة من وقع الهجمات الصارخة التي ترزح تحتها من جانب النخبة وقوى المعارضة، وقد أمكن لكليهما حشد حالة من الخوف والرفض إعلاميا وإلى حد بعيد جماهيريا. ساهم ما سبق، مشفوعاً بأداء متهافت، وغياب القدرة على الإقناع، وشيوع حالة من التردد والتراجعات جيئة وذهابا، في أن تؤتي الهجمات التي تعرض لها الإخوان في إحداث شرخ حقيقي بينهم وبين القوى الثورية التي طالما ناصرتهم من منطلق تغليب الرابطة الثورية على كل ما عداها. لا يمكن والحال هكذا توقع أن يحظى الإخوان بهذه المزية مرة أخرى، مما يبقي خياراتهم محصورة بين التأثير الشعبي والحلفاء داخل التيار الديني بعيدا عن النور. في المقابل تخرج جبهة الإنقاذ إلى معترك الانتخابات البرلمانية محملة بآمال كبيرة، أكبر على الأقل من الآمال التي راودتها في الانتخابات السابقة التي خاضتها قبل أن تتوحد تحت لافتة جبهة الإنقاذ. والجبهة التي خاضت معارك ضارية في الأشهر الماضية ضد الدستور ومن قبله الإعلانات الدستورية ثم تطورت إلى الدخول في مواجهات مع المؤسسة الرئاسية ورفض الحوار معها إلا بشروط مسبقة ترى في الانتخابات البرلمانية فرصة حقيقية للتخلص من هينة التيار الديني على مؤسسات الدولة وإعادة صياغة المعادلة بصورة أكثر توازنا.. لا يعني ذلك أن الجبهة تعيش أزهى عصورها، فثمة علائم على انقسامات بين فصائلها ومُضي فصيل أو أكثر في تفاهمات خارج الجبهة.. وليس حزب النور ببعيد عن هذه التفاهمات، فضلا عن أطراف يظن أنها مقربة من المؤسسة الرئاسية، مثل رئيس حزب الغد أيمن نور. ليس في هذا – بداهة - ما يضير، غير أنه يترجم لدى المواطن بعدم الاتساق، علاوة على وجود فصيل متنام من المواطنين يحمل الجبهة - كتفا بكتف مع الإخوان - مسئولية ما يمور به الشارع المصري من عنف وانهيار. كل ما سبق يفترض أن يحصن قانون الانتخابات بسياج منيع من كل محاولات التلاعب التي أحاطت بالنسخة القديمة من القانون، وأطاحت من ثم بالمجلس النيابي السابق. غير أن التعديلات العديدة التي طلبتها المحكمة الدستورية على نسخة القانون تشير إلى وجود نصوص تتعارض مع مواد الدستور ونصوص تتطلب تفسيرا حتى تتسق مع مواد الدستور. يقول أعضاء اللجنة التشريعية بمجلس الشورى الذي أعيد إليه القانون أنهم توخوا أعلى درجات الدقة والالتزام في التعامل مع تعديلات المحكمة الدستورية، إلا أن المجلس، وكأنما يفتش عن مشكلة، لم يعد القانون بعد التعديل إلى المحكمة لتتأكد من أنه صار في صورة لائقة قانونيا ودستوريا. سارع المجلس برفعه إلى رئيس الجمهورية إن شاء أقره وإن شاء أعاده للمحكمة الدستورية. المسألة ليست شكلية، خاصة إذا كان تفسير ما حدث أن المجلس الذي وافق على إدراج تعديلات المحكمة الدستورية ال 11 على قانون الانتخابات رفض البند الخاص بعدم قبول الترشيح إلا لمن أدى الخدمة العسكرية أو أعفى منها،فضلا عن مسألة تقسيم الدوائر التي ما زالت تثير تحفظات، فهل ثمة إصرار على إبقاء بنود أو نقاط خلاف مهما صغرت كفيلة بأن تفجر القانون.