انتقد تقرير حقوقي إدارة المجلس العسكري للمرحلة الانتقالية نظرا "لتعدد حالات إحالة المدنيين للقضاء العسكري وصدور أحكام عسكرية ضدهم". ورصد التقرير الذي أصدره اليوم مركز هشام مبارك للقانون بالتعاون مع حركة "لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين" وقائع المحاكمات العسكرية لبعض المدنيين خلال الفترة التى تولى فيها المجلس العسكري أمور البلاد منذ فبراير 2011, وحتى أغسطس الماضي من خلال رصد بعض الأحداث والتظاهرات والاعتصامات، وتعرّض بعض العمال، والصحفيين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم لمحاكمات عسكرية في تلك الفترة. وقالت الناشطة الحقوقية أمل بكري ل "المشهد":" المجلس العسكري استخدم المحاكم العسكرية والقضاء العسكري لتثبيت سلطته الناشئة عقب توليه إدارة البلاد في فبراير الماضي، فانتشرت قوات الشرطة العسكرية في المناطق المختلفة من أنحاء البلاد و من ثم أحيل آلاف من المدنيين أمام المحاكم العسكرية بدعوى مواجهة حالات الانفلات الأمني والبلطجة". وأضافت : "كما استغل المجلس العسكري سلطاته التشريعية ليصدر بعض المراسيم ويعدّل بعض القوانين التى تساعد على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وهو فى ذلك يسير على نهج مبارك فى وضع تشريعات سيئة السمعة". وتابعت : "خلال الفترة التى يرصدها التقرير أصدر المجلس العسكري المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2011 والمعروف إعلاميا بمرسوم حظر الإضرابات، كما أصدر المرسوم رقم 45 لسنة 2011 الذي ادخل تعديلات على قانون القضاء العسكري ليحمي أفراد القوات المسلحة حتى ولو كانوا خارج الخدمة من المسائلة والملاحقة أمام القاضي الطبيعي، وجعل التحقيق فى جرائم الكسب الغير مشروع من اختصاص القضاء العسكري فقط ". وقال الناشط الحقوقي أحمد راغب :"إحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية كانت أحدى أدوات الرئيس السابق حسني مبارك فى تطبيق العدالة الانتقائية والاستبدادية الخاصة بنظامه والتى شملت بجانب المحاكم العسكرية، استخدام حالة الطوارئ لمحاكمة بعض السياسيين، وتسييس النيابة العامة، وحماية مجرمي النظام من جلادي التعذيب والفاسدين من ناهبي أموال الشعب ". وأضاف " من هنا تأتي خطورة استخدام المجلس العسكري للمحاكمات العسكرية للمدنيين كأحد أساليب وأدوات الفترة الانتقالية، لانها ستؤدي إلى إعادة إنتاج العدالة الانتقائية التى أسسها نظام مبارك، وستقضي فى الوقت ذاته على الأهداف التى قامت من أجلها ثورة 25 يناير من عدالة وحرية وكرامة إنسانية لجميع المصريين، وقد تكون بداية لنظام أسوء من نظام مبارك فلم يكن يتصور البعض من المشاركين والمشاركات في الثورة أن يخضعوا للمحاكمات العسكرية ظنا منهم بأن تلك المحاكمات العسكرية هي لمواجهة الانفلات الأمني والبلطجة و التي يحاول (فلول) النظام من خلالها الانقضاض على الثورة ". وتابع راغب : "لم يقتصر الاستخدام الواسع للمحاكمات العسكرية على ضخامة أعداد المدنيين المحالين للمحاكمات العسكرية وإنما أيضا التنوع الجغرافي حيث شهدت محافظات السويس والإسماعيلية والإسكندرية وقنا وأسيوط والغربية محاكمات عسكرية للمدنيين على نطاق واسع، وعلى الرغم من إعلان المجلس العسكري فى رسالته رقم 68 على شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك باقتصار المحاكمات العسكرية على جرائم البلطجة والاغتصاب والإعتداء على رجال الأمن، إلا أن فريق إعداد التقرير رصد تنوع فى المدنيين المحالين للمحاكمات العسكرية ففضلا عن المتظاهرين والمعتصمين فى التظاهرات السياسية التى شهدتها مصر خلال تلك الفترة، فقد خضع العمال للمحاكمات العسكرية وكذلك بعض النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان فضلا عن اللاجئين وطلبة الجامعات وغيرهم ". وأشار إلي أن " الفقراء هم ضحايا المحاكمات العسكرية فعلى الرغم من الاهتمام الإعلامي بقضايا النخب السياسية والنشطاء قد لعب دورًا فى إبراز قضية المحاكمات العسكرية للمدنيين وخطورتها، إلا أنه من زاوية أخرى له تأثير سلبي على قضايا السواد الأعظم من المدنيين المحالين للمحاكم العسكرية وهم الفقراء واللذين عادة ما يتم التعامل معهم بشكل تمييزي وطبقي" . وطالب التقرير السلطات المصرية باتخاذ عدة إجراءات للتعامل مع قضية إحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية منها ماهو عاجل ويتعلق بالمرحلة الانتقالية ومنها ما هو آجل ويرتبط بانتخاب مؤسسات الدولة الشرعية، حيث طالب المجلس العسكري بالتوقف وفورًا عن إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية وإحالتهم لقاضيهم الطبيعي أمام القضاء العادي، والإعلان عن أعداد المحالين لمحاكمات عسكرية من المدنيين والتهم المنسوبة إليهم والأحكام الصادرة بحقهم وأن يقوم رئيس المجلس العسكري بوصفه له صلاحيات رئيس الجمهورية أن يصدر قرارًا بإلغاء الأحكام الصادرة من المحاكم العسكرية ضد المدنيين، على أن تتم إحالة جميع القضايا لقاضي تحقيق يتم تعيينه بقرار من وزير العدل للتحقيق فى هذه القضايا، ويصدر أمره إما بحفظ القضايا أو إحالتها لمحاكمة أمام القضاء العادي، مع حفظ حقوق المتضررين من المحاكمات العسكرية فى التعويض . كما طالب المجلس العسكري وبوصفه سلطة انتقالية ومؤقتة التوقف عن اصدار مراسيم لها قوة القانون لتعديل التشريعات لتغليظ العقوبات أو تعديل إجراءات قانونية، وترك هذه التعديلات التشريعية للسلطات التى سينتخبها الشعب، وإلغاء المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2011 والمعروف إعلاميا بمرسوم حظر الإضرابات والذي صدر فى غيبة من مؤسسات الدولة المنتخبة وأن يتم تعيين قاضي تحقيق بقرار من وزير العدل تكون مهمته التحقيق فى الانتهاكات التى ارتكبها أفراد الشرطة العسكرية أثناء فض الاعتصامات والتظاهرات التى شهدتها مصر خلال الفترة الماضية. وحدد التقرير اجراءات لما بعد المرحلة الانتقالية تخص مجلس الشعب حيث طالبه بأن يقوم بتعديل قانون القضاء العسكري رقم 25 لسنة 1966 وخاصة المواد المتعلقة باختصاص القضاء العسكري بمحاكمة المدنيين واقتصار اختصاص الأخير على الجرائم التى لا يتصور إلا أن يرتكبها العسكريين، وكذلك إلغاء المادة 48 من القانون سالف الذكر والتى تعطي للقضاء العسكري وحده تحديد اختصاصه وأن تضمن اللجنة التأسيسية لوضع دستور جديد وجود نصوص دستورية تمنع إحالة المدنيين لإي أنظمة قضائية استثنائية وخاصة القضاء العسكري.