أشاركهم التوجس من مقدمات استبدال ديكتاتورية تجذرت بالفساد بأخرى تتدثر بالدين.. ولكني أسأل ماذا يريدون؟ لا أنكر عليهم حالة الإحباط والذهول من إرهاصات الإقصاء واستبعاد حلفاء الأمس الذين تشاركوا عيش الثورة وملحها وأوجاعها .. ولكني أسأل: ماذا يريدون؟ أتفهم الاستياء والغضب من تنمر الأنصار والأتباع على من سواهم والاستقواء بمنصب الرئيس وكأنه رئيسهم وحدهم.. ولكني أسأل: ماذا يريدون؟ أقدر ما يرونه من خطورة تكمن في تحولات سياسية تبدو للبعض حماسية عشوائية أكثر منها مدروسة ومخططة.. ولكني أسأل: ماذا يريدون؟ آسَف معهم على حالة النكران التي عومل بها قيادات الجيش بدلاً من تكريم يستحقه المنحازون للثورة وحماة الدم المصري.. ولكني أسأل: ماذا يريدون؟ ينتابني مثلهم القلق على مستقبل المؤسسة العسكرية وماذا يراد لها من الأعداء ومن ينصاعون لاقتراحاتهم عن غفلة أو ادعاء للفطنة ..ولكني أسأل: ماذا يريدون؟ استبطئ معهم وتيرة تحقيق الوعود المبذولة التي لم ير منها النور إلا اللمم رغم مرور ثلثي مهلة المئة يوم.. لكني أسأل: ماذا يريدون؟ استنكر مثلهم الإسراف في الخطاب الديني بديلاً عن الخطاب الرئاسي واعتلاء منابر المساجد وحدها والذي قد يساء فهمه من شركاء الوطن.. ولكني أسأل: ماذا يريدون؟ يزعجني كما يزعجهم غير ذوي الصفة الذين استباحوا لأنفسهم حق الإدلاء بالتصريحات السيادية وكأنهم ولاة أمورنا وأسأل مثلهم من منح هؤلاء الحق في الحديث باسم الدولة والرئاسة.. ولكني أسأل: ماذا يريدون؟ أرفض مثلهم وبشدة أن يجمع الرئيس في طبقه كل الصلاحيات التنفيذية والتشريعية بدعوى استكمال صلاحياته الرئاسية.. ولكني أسأل: ماذا يريدون؟ لاتريحني مثلهم ضبابية ملامح السياسة الخارجية والتأرجح بين الإقدام في المياه الوعرة تارة والإحجام والرجوع سريعًا تارة أخرى.. ولكني أسأل: ماذا يريدون؟ يؤرقني كما يؤرقهم استمرار التبعية السياسية للسيد الأمريكي والسكوت عن الاتهامات المباشرة بأن ما يتخذ من قرارات في كل شأن مصري مازال يتم في كنف هذا السيد.. ولكني أسأل: ماذا يريدون؟ اعترض بكل ما أوتيت من قوة على الهجمة الشرسة على حرية الإعلام وابتلاع الصحافة القومية بغرض إعادة استئناسها وترويضها على الخضوع والولاء للمالك الجديد.. ولكني أسأل: ماذا يريدون؟ يدهشني مثلهم سرعة نفاذ صبر الرئيس على منتقديه رغم أنه ألزم نفسه بمقولة: "إن جانبني الصواب فقوموني"، واستحداث تهمة العيب في الذات الرئاسية.. ولكني أسأل: ماذا يريدون؟ تستفزني وإياهم ظاهرة كتائب الشتامين الإلكترونيين الذين يصبون حمم غضبهم ويستخدمون أقذع الألفاظ وأحط الاتهامات ضد معارضي الرئيس.. ولكني أسأل: ماذا يريدون؟ يفزعني معهم الركون لجوقة محترفي الإفتاء السياسي الهوى الذين يكفرون ويهدرون دماء من يمارس حقه في التظاهر ذات الحق الذي مارسه الرئيس وأنصاره من قبل- ويخرجونهم من الملة.. ولكني أسأل: ماذا يريدون؟ لا أستسيغ مثلهم الإفراج الإجمالي عن القتلة ومن ثبتت عليهم جرائمهم بأحكام قضائية لمجرد انتمائهم لتيارات دينية، وأخشى أن يعيثوا في البلاد إرهابًا.. ولكني أسأل: ماذا يريدون؟ أترقب بجزع معهم الهجمة المقبلة والتي أتوقع أن تنال من المحكمة الدستورية أو بعض رموزها ورموز القضاء ككل.. ولكني أسأل: ماذا يريدون؟ نعم. ماذا يريد من دعوا لمليونية إسقاط الرئيس وإسقاط الإخوان؟! وليتهم أسموها مليونية لهان الأمر. هم يطلقون عليها " ثورة 24 أغسطس" ماهذا الهزل؟ هل الثورات أشواط في مباراة تنس تتلاحق لا يفصلها فاصل؟ وهل هان المسمى حتى استباحه كل من أراد أن يعلن عن اختلافه أو معارضته؟ أحقًا كانوا يريدون إسقاط الرئيس المنتخب انتخابًا حرًا بعد مضي شهرين فقط على انتخابه؟ تلك سابقة لم يُسمع بها من قبل. ولايمكن استساغتها إلا لسبب جلل لايقل عن ضلوع في خيانة عظمى مثلًا أو لانعدام الأهلية تمامًا أو لخروج عن جميع ثوابت الأمة. فهل الحال كذلك؟ نتفق على أن قائمة المآخذ التي يحملها أغلبنا على الأداء الرئاسي إلى الآن طويلة ومخيبة للآمال. هي أخطاء لابد من التصدي لها وعدم السكوت عنها والدعوة بقوة وحسم لتصحيحها. لابد للرئيس أن يبرهن أنه حقًا رئيسٌ لكل المصريين. من المهم أن يشعر كل فصيل أنه جزء أصيل وهام من المنظومة وأن انتماء الرئيس لتيار أو جماعة لايمنحها بحال أفضلية أو ميزة على من عداها من التيارات أو الجماعات. لابديل عن الوضوح والشفافية في التعامل مع الشعب. لا جدال أو فصال في أن الأولوية القصوى هي لمصر وشعبها ومن بعدهم يأتي الأشقاء والأصدقاء والأحباء. وإذا تعارضت المصالح فالأمر لابد أن يكون محسومًا.. مصر أولاً ..لا نقبل بحال التفريط في المكسب الوحيد الذي حققته الثورة إلى الآن وهو حرية الرأي والتعبير وكسر حاجز الخوف. ولكن لايجوز أن يكون سبيلنا لتحقيق كل ذلك هو الثورة على من أتت به الثورة وإلا عدنا ثانية للنفق المظلم الذي ما كدنا نخرج منه. أعلم أن هناك من لايريد لمصر أن يستقر لها جنب على متكئ مريح. يريدونها أن تظل تتقلب على جمر الاضطرابات والقلاقل وتلهث وراء أعداء حقيقيين أو متوهمين.. رأس النظام السابق ثم الفلول ثم المجلس العسكري ثم الإخوان ثم وثم. قد لا يتعمد الداعون لما يسمى بثورة 24 أغسطس هذا لكن دعوتهم تخدم المتربصين بمصر. ثم إن دعوتهم هذه انطلقت قبل وقوع متغيرات سياسية هامة أطاحت بلاعب أساسي هو المجلس العسكري الذي ربما راهنوا عليه، فعلى من يراهنون بعد غيابه؟