حتى صبيحة الجمعة فقط وبعد أقل من أربعة أيام من الحادث المريع الذي هز مصر بمقتل 16 عسكريًا على حدودنا الشرقية غيلة في نهار رمضان المبارك تم تدير 150 نفقا في سيناء وملاحقة المئات من البدو والمتحصنين في الجبال بتهمة الإرهاب والتورط أو الاشتباه في التورط في عمليات إرهابية على أرض مصر. في عملية انتقامية سريعة للثأر لدماء شهداء الواجب على الحدود وتحت شعار تطهير سيناء من بؤر الإرهاب، البعض سماها حرب الفجر والبعض أطلق عليها عملية نسر، هجمات عسكرية بالغاز والاباتشي والقنابل المضيئة والمدرعات، وملاحقة لعناصر مسلحة يزيد عددها على 2000 عنصر على علاقة بتنظيمات إرهابية داخلية وخارجية حسب ما صرح مسئولون في الأجهزة الأمنية، وإن كانت هذه الأرقام غير دقيقة على الإطلاق لأن السلاح في سيناء معقل التهريب منذ الثمانينيات ينتشر بشكل مريب في منطقة خارج السيطرة الأمنية بموجب اتفاقية كامب ديفيد المجحفة لأمن مصر والمصريين. وإن كان هناك فارق بين الاتجار في السلاح والتورط مع تنظيمات إرهابية بهدف القيام بعمليات إرهابية داخل او خارج مصر او تهريب التسلاح عبر الأنفاق للمقاومة الفلسطينية، تلك ثلاثة أسباب وظروف مختلفة بوجود فيها السلاح في سيناء منذ زمن دون رقيب، حتى استشرى الأمر وأصبح خارج السيطرة تماما. فإن كان الأمر ونقصد تهريب السلاح للمفاومة الفلسطينية في غزة والأراضي الفلسطينية يتم تحت سمع وبصر السلطات المصرية وبمباركة سرية دعما لإخواننا المصريين، وان كانت الأنفاق وصل عددها الى اكثر من 1200 نفق تركت جميعا بمعرفة السلطات المصرية تؤدي عملها للتنفيس عن الشعب الفلسطيني المحاصر فإنه حان الوقت لاتخاذ إجراءات واتباع سياسات واضحة وليست عشوائية في السيطرة على الحدود بعيدًا عن حروب العصابات التي تتم هناك ويتم التكتم عليها لتورط البعض فيها او عدم رغبة السلطات للتورط فيها خدمة للفلسطينين والتى يستفيد منها المهربون أكثر من غيرهم لأنهم يبيعون ما ينقلونه عبر الأنفاق بأسعار مضاعفة لإخواننا تحت الحصار. هذه الأنفاق التي نشرت السلاح على الجانبين فتحت الباب ايضا لعناصر متشددة وماجورة للدخول والخروج بحرية واغتيال الامنين على ارض مصر، السؤال هنا هل أفاق النظام الآن بعد اغتيال حراس الوطن غيلة، وهل حملاته العسكرية العشوائسة في دروب سيناء وربوعها وجبالها هي الحل، وما الدلائل على تورط الآلاف من سكان سيناء في عمليات إرهابية وإن كان الاتجار في السلاح عموما منتشرًا بين البدو في سيناء فإن الكل يعلم ان التورط في عمليات إرهابية شيء مختلف وملاحقة المدنين يجب أن تتم على أسس وباستصدار قرارات من جهات مختصة وليس ملاحقة عشوائية للسكان بالغاز والمدرعات والاباتشي تحت شعار التطهير. نفس ما حدث في الصعيد منذ اكثر من عقدين عندما لاحقت الأجهزة الأمنية بعض الجماعات الإرهابية واستخدمت العنف الأعمي في الملاحقة كحرق مزارع القصب والقصف العشوائي للمزارع والمناطق السكنية والمأهولة وغير المأهولة، هذه السياسة التي تعتمد على رد الفعل لم ولن تنجح في اجتثاث جذور الإرهاب بهذه الطريقة، ليس الهدف السرعة في القضاء على اكبر عدد من المشتبه بتورطهم بعمليات إرهابية بقدر ما هو تحديد هذه العناصر ومعرفة ارتباطاتها الداخلية والخارجية بعيدا عن الفرقعات الإعلامية التي تهدف الى اسكات الراي العام واشغاله بل إبعاده عن الحقيقة أحيانا. مواجهة الإرهاب تحتاج إلى سياسات دقيقة ومعلنة وليس ردود أفعال وقتية تنتهي بظلم أكبر مما بدأت من أجله، بدو سيناء عانوا كثيرا من الإهمال والتهميش والآن يدفعون ضريبة إهمال النظام أمن هذه المنطقة ويحملونهم أخطاء ثلاثة عقود من الاتفاقات التي فرغت سيناء من التنمية والأمن وحولتها إلى ساحة تهريب للسلاح والمخدرات تصول فيها التنظيمات الإرهابية المسلحة دون رقيب.