هى المرة الأولى التى لا تتضارب فيها تصريحات المسئولين ويتم إدارة الأزمة بدرجة عالية من الاحترافية، دون التسرع فى استنتاج الحقائق أو إطلاق الاتهامات جزافاً، فقد أظهر حادث تحطم طائرة مصر للطيران القادمة من باريس إلى القاهرة وعلى متنها 66 شخصاَ بعد فترة قصيرة من دخولها المجال الجوى المصرى فوق البحر المتوسط التزاماً أكبرمن الدولة فى التعامل مع الأزمات بعد أن عانينا سابقاً من التصدى المرتجل وغير المدروس لمعظم الأزمات التى مررنا بها. فور وقوع الحادث،اجتمع الرئيس السيسى بمجلس الأمن الوطنى، وتم تشكيل غرفة لإدارة الأزمة يتابعها رئيس الوزراء وقطع وزير الطيران المدنى شريف فتحى زيارته للسعودية لينضم إلى غرفة العمليات لمتابعة تطورات الموقف، وجاء بيان المتحدث العسكرى سريعاً وحاسماً منذ البداية ليقضى على أى لغط أو شائعات بشأن ما أثير حول تلقى القوات المسلحة إشارة استغاثة من الطائرة المفقودة، حيث تم نفى تلك الشائعات بشكل قاطع ليقطع الطريق على مروجيها، وإن كان هذا النفى لا يعفى المسئول عن وضع تلك الشائعة على صفحة شركة مصر للطيران بمواقع التواصل الاجتماعى دون التأكد من صحة المعلومة أو التنسيق مع القوات المسلحة قبل نشرها، وقد عقد وزير الطيران مؤتمراً صحفياً عالمياً لتوضيح حقيقة الموقف، وجاءت ردوده تحمل درجة عالية من الثقة والاحترافية والمهنية وترفض أستباق للتحقيقات أو ترجيح فرضية على أخرى. أظهر المؤتمر الصحفى عورات الصحافة المصرية وأكد أنها أصبحت بالفعل مهنة من لا مهنة له فبعيداً عن تدنى مستوى تنظيم المؤتمر، جاءت أسئلة الصحفيين تحمل قدراً عالياً من الاستفزاز والسطحية والتكرار، وكأن الظهور التليفزيونى هو همهم الأكبر، وقد دلل هذا المؤتمر على عمق أزمة الصحافة فى مصر واقتحامها من قبل أشخاص لا يمتون للاعلام بصلة، وعلى الرغم من أننى لا أريد الخوض فى ملف نقابة الصحفيين وما يحمله من شجون لمعظم خريجى كليات الاعلام إلا أن هناك ضرورة ملحة لفتح ملف النقابة بشفافية كاملة ومعاملتها مثلها مثل باقى النقابات على أساس التخصص وشطب أسماء من لا ينتمون فعلياً للمهنة دون عمل اعتبارات للواسطة أو المحسوبية أو الشللية، قبل عرض قانون تنظيم الصحافة والاعلام على مجلس الشعب والتصديق عليه. جاء حادث سقوط الطائرة المصرية ليظهر سقوطاً صحفياً تغاضينا عنه وأهملناه فاستفحل وتوحش، كما جاء ليؤكد على ازدواجية المعايير العالمية فى التعامل مع القضايا التى تخص مصر، فعلى الرغم من أن الطائرة أقلعت من مطار شارل ديجول بباريس إلا أننا لم نسمع من يهاجم اجراءات التأمين بالمطار أو مطالبات دولية للتأكد من اتباع فرنسا وسائل التأمين العالمية، أو دعوات عالمية بعدم السفر لفرنسا، بل سمعنا إشادة بالاجراءات الأمنية المشددة التى اتبعتها فرنسا فى تأمين المطارات عقب هجمات باريس فى نوفمبر الماضى، وخرجت التقارير الغربية فى كبريات الصحف لتذكر العالم بحادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء وحادث اختطاف الطائرة المصرية من قبل مختل عقلياً والتوجه بها إلى قبرص، وكأن مصر قد كتب عليها أن تظل تدور فى دوائر مفرغة من الدفاع عن النفس أمام العالم، ومحاولات لا تنتهى للقضاء على الأجواء السلبية المحيطة بنا لإستعادة ثقة العالم فينا واستعادة النشاط السياحى للبلاد من جديد. ولأن الطائرة كانت تحمل أسم مصر، ولأن مصر للطيران ليست مجرد شركة وإنما هى واجهة مصر أمام العالم وإحدى دعائم الأمن القومى، ولأننا جميعاً نعشق تراب هذا الوطن فقد انتشر على الفور على مواقع التواصل الاجتماعى "هاشتاج" بعنوان "مش هأسافر غير على مصر للطيران"، ولمن لا يعرف فمصر للطيران تأسست فى عام 1932 أى أن عمرها يتجاوز عمر العديد من دول المنطقة، وهى ثانى أكبر ناقل جوى إفريقى بعد خطوط جنوب إفريقيا، وحصلت على جائزة أفضل شركة طيران فى إفريقيا عام 2009 إلا أنها أصابها ما أصاب الاقتصاد المصرى فى السنوات الخمس الأخيرة من تراجع تأثراً بتراجع معدلات السياحة، وهو ما يتطلب من القائمين عليها وضع خطة عاجلة لمواجهة ما تتعرض له من هجمات شرسة تهدف للنيل من سمعتها على أن تتضمن هذه الخطة العديد من النقاط، أولها تخفيض أسعار تذاكر الطيران لتصبح أقل من أسعار أى شركة عالمية منافسة نظراً لما يمثله سعر التذكرة من أهمية بالنسبة لأى مسافر، وثانيها اسناد مهمة الدعاية والاعلان عن مصر للطيران لكبرى شركات الدعاية والاعلان العالمية، فقد تفوقت العديد من شركات الطيران الخليجية على نفسها وعلى نظيراتها العالمية من خلال استخدام أحدث التقنيات العالمية فى الدعاية والاعلان، حيث استعانت الخطوط الجوية القطرية بلاعبى فريق برشلونه الأسبانى فى إعلان رائع ومميز يعرض تعليمات السلامة على متن الخطوط القطرية، كما قدمت مضيفات الطيران بالخطوط الاماراتية إعلاناً مميزاَ لشركتهم من داخل المستطيل الأخضر لملعب بنفيكا البرتغالى وسط حضور جماهيرى كبير، فهل شاهد القائمون على السياحة والطيران فى مصر تلك الاعلانات المبهرة وهل فكروا فى الاستعانة بنجوم الكرة العالمية وعلى رأسهم النجم المصرى العالمى محمد صلاح فى الترويج لشركة الطيران الوطنية، وثالثها التواجد بشكل منتظم ومكثف فى جميع مطارات العالم وهو ما يستلزم تنسيق مع وزارة السياحة لتقديم برامج سياحية جذابة. وأخيراً أود الإشارة إلى أننا لسنا أقل تحضراً من فرنسا أو روسيا اللتين قامتا بتأبين ضحاياها، فلماذا لا نقوم بعمل حفل تأبين لضحايا الحادث بالشموع والورود فى مكان مناسب ومحترم ويتم دعوة ذويهم للحضور، فهذا العمل هو أقل تقدير لأرواح الضحايا كما أنه سيؤكد للعالم أننا نحترم المواطن المصرى وأننا لسنا أقل من الغرب إنسانية .. رحم الله شهداء الطائرة وجميع شهداء مصر.