رسميا لم يفز من اليسار فى انتخابات 2015 سوى عضو واحد هو عبد الحميد كمال، عن دائرة السويس، والذى نال أصوات "السوايسة" ليمثل اليسار عن حزب التجمع فى البرلمان الجديد، فيما يرى البعض أن هناك عددا يصل إلى العشرة من المحسوبين على اليسار المصرى بصفة عامة، إلا أننى أرى فى هذا محاولة لتبيض وجه الخسارةاليسارية فى انتخابات برلمان ما بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو. ورغم جواز تفسيرات اليساريين بشأن خروج مرشحيهم من المرحلة الأولى بدرجة صفر، والخروج من المرحلة الثانية بنتيجة هزيلة، الأسباب عديدة، منها سيطرة رأسمال المال السياسى وأحزاب رجال الأعمال على العملية الانتخابية، أو بسبب عزوف نحو 75% من الناخبين عن المشاركة، إلا أن كل هذا وغيره ما هى إلا حجج تعبر عن فشل وتعبير عن ضعف سياسى. من المهم أن يعترف اليسار، كل اليسار، بهذا الفشل ليصحح من مساره، والكف عن تعليق أسباب الفشل على الأخرين، صحيح أن إمكانيات اليساريين والأحزاب اليسارية لا تقارن بالأحزاب الأخرى، والمرشحين الأغنياء، إلا أن اليسار يحصد وبشكل مباشر حالة التشرذم التى يعانى منها من سنوات ومنذ تأسيس الحزب العربى الناصرى، والتى اتسعت أيضا بعد ثورة 25 يناير، والتى أسفرت عن تغيير مملوس فى اليسار، وخصوصا حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى، وشهد انشقاقات غير مسبوقة. ويمكن القول أن تأثير ثورة 25 يناير وحتى ثورة 30 يونيو، كان أكثر وضوحا على التجمع واليسار من الناحية السياسية، أكثر من تأثيرها على مصر ذاتها، فلم تشهد أى قوى سياسية، ما شهده اليسار من تغييرات، طبعا إلى الأسوأ، من حيث الانقسامات، والخلاف الداخلى، بل وصل الأمر إلى الإعلان عن تحالفات وتكتلات لتوحيد قوى اليسار، وظلت شعارات دون أن تخرج إلى حيز التنفيذ. وحال اليسار هنا يسرى على مختلف فصائله، بما فى ذلك الناصريين الذين اختفى حزبهم، والشيوعيون الذين اتخذوا من الفيس بوك، مجالا للنضال، والدعاية، ولا يختلف حال التجمع عن ذلك، والذى يدور فى حلقة مفرغة، ليس من الآن منذ ابتعاد زعيمه ومؤسسه المناضل الأستاذ خالد محى الدين، شفاه الله وعافاه، والحال أيضا لا يختلف عن الأحزاب التى خرجت من عباءة التجمع، وحالها لا يخفى على أحد من الوهن والضعف. التشخيص مهم جدا، لنعرف لماذا وصل اليسار إلى مستواه الحالى، والذى ترجمته نتائج انتخابات برلمان 2015، واعتراف اليسار واليساريون بنقد الذات مسألة مهمة لبداية الإصلاح، والانخراط فى الحياة السياسية، خصوصا أن نفس التبريرات التى تقال عن فشل انتخابات 2015 يساريا، هى التى سمعناها على مدى سنوات عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، الكلمات لم تتغير "رأس المال السياسى، عزوف الناخبين، حالة البلاد الاقتصادية والاجتماعية"، إلا أن هذه المرحلة اختفت كلمات "التزوير، ونفوذ السلطة، ومرشحى الحزب الحاكم، والوزراء". ومن الملاحظ أن اليسار بمفهومة الأوسع، من قوميين، اشتراكيين، ناصريين، شيوعيين، تجمعيين، وتقدميين، تحولت رموزهم الجديدة والقديمة، من النضال والتواجد فى الشارع، إلى منظريين، ومحللين، عبر الفضائيات، ووسائل الإعلام، وانغمس الجميع فى النضال "الفضائى"، ونسوا أو تناسوا التواجد فى الشارع، لتزداد الهوة بينهم وبينهم صوت الناس. وهل لنا أن نقف على مزيد من نقد الذات أيها السادة اليساريين، أو قل نحن أيها السادة اليساريون، فماذ جرى لحزب التجمع، فالواقع يقول إن ثورة 25 يناير التى وقف معها وتبناها الحزب، قد مزقت أول قطعة من جسده، بعد حالة انشقاق هزت كيانه، من خلال تأسيس تيار التجديد الاشتراكى، وذلك بعد الثورة بأقل من شهر. ولأن الانشقاق اليسارى ثقافة قديمة فى جسده وفى أبنائه، منذ تأسيس حزب التجمع، فلم تمر شهور على تأسيس تيار التجديد الاشتراكى، إلا وانشق عن حركة الاشتراكيين الثوريين، مؤسسا حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، فى الربع الأخير من 2011، لتستمر حالة الانشقاق اليسارى، لينشق الحزب الوليد هو الآخر، بخروج تيار التجديد الاشتراكى وتأسيسه لحزب العيش والحرية، وهو أين؟ لا أحد يعرف؟!. وفى إطار الاستعدادت لانتخابات برلمان 2015، سمعنا عن تأسيس "تحالف اليسار" من أحزاب التجمع والتحالف الشعبى والاشتراكى المصرى والشيوعى لخوض الانتخابات، إلا أن الانتخابات جرت وخرج اليسار صفر اليدين، ولم نسمع هذا التحالف، والذى يبدوا أنه ذهب مع الريح، وضاع كحالة الضياع اليسارى وسط الانشقاقات. نتائج الانتخابات لا تحتاج إلى شماعات لتعليق الضعف اليسارى عليها، فهناك من هم أقل تجربة من اليسار وحققوا تواجدا فى البرلمان الجديد، وقد آن الأوان، أن يرفع اليساريون شعار"يا يسار مصر اتحدوا"، قبل الاختفاء الكلى.