قَطْرَةٌ من تِرياق قدْ نُخْطِئ فى حقِّ آحادِ الناس، وقدْ يقعُ ذلكَ دونَ قصد، ونحن إذْ نفعلُ ذلك تقتضى المروءةُ والنُّبْلُ والصِّدقُ مع النفس أنْ نعْتذرَ إلى مَنْ أسَأْنَا إليه، وأنْ نردَّ عنهُ الإساءةَ .. وإنْ لم نفعلْ يظلّ الذنبُ قيداً فى أعناقِنا إلى يومِ أنْ نلقَى الله ..فيقتصُّ له منا .. فكيفَ إذا أخطأنا فى حقِّ نبى معصوم ؟ كيفَ إنْ تواطأتْ أقلامٌ بل وعلماءُ وفقهاء على ظُلمِ نبى رفعَ اللهُ قدرَه، حتى وإنْ كانتِ الإساءةُ بلا قصدٍ، أو ناتجةً عن انحرافٍ لُغَوى استمْرَأَهُ عددٌ من الفقهاءِ أو غُمِّى عليهم ؟ .. هذا الخطأُ التَّاريخى فى حقِّ نبى هو نموذجٌ لما يجبُ تنقيتُهُ من كتبِ التُّراثِ والفقهِ الإسلامى... عنْ نبى اللهِ لوطٍ .. أتحدَّث .. هذا النبى الكريمُ الذى رفعَ اللهُ ذِكْرَهُ فى كتابهِ الخالد :[ولوطاً آتيناهُ حُكْماً وعِلْماً ونجَّيْنَاه منَ القريةِ الّتى كانت تعملُ الخَبائِث، إنَّهم كانوا قومَ سَوْءٍ فاسقين وأدْخَلنَاهُ فى رحمتِنَا إنَّهُ منَ الصَّالحين] .. نبى اللهِ لوطٌ عليه السلام هو ابنُ أخِى إبراهيمَ عليه السلام، آمنَ به وهاجرَ معهُ إلى أرضِ الشّام.. قال اللهُ تعالى عنْ إبراهيم :[فآمنَ لهُ لوطٌ وقالَ إنِّى مُهاجرٌ إلى ربِّى ،إنَّهُ هو العزيزُ الحكيم ..] فلما قدمَ لوطٌ إلى أرض الشام بعثه اللهُ إلى أهلِ قريةِ [ سدوم ] على شاطئِ البحرِ الميّت .. جاءَ يدعوهم إلى عبادةِ اللهِ الواحد وينهاهُم عنِ الفاحشةِ الرَّهيبة التى لم تكنْ فى أسلافِهم، ألا وهى إتيانُ الذُّكْرَان ومجافاةُ الفطرةِ بتركِ النساء ..[ولوطاً إذ قال لقومِهِ :أتأتونَ الفاحشةَ ما سبقَكُم بها منْ أحدٍ منَ العالمين ..] .. الخطأُ الكبيرُ الذى وقع فى حقِّ هذا النبى الكريم هو إطلاقُ لفظة لوطى على مَنْ يفعلُ الشذوذ الجنسى من الرِّجال .. إلحَاقُ ياءِ النَّسَبِ باسمهِ الكريم للدلالةِ على مَنْ يرتكبُ هذا الفعلَ الشائن، هو نوعٌ من الغَبَنِ الشديد لنبى منْ أنبياءِ الله .. رسولُنا الكريمُ محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم الذى أوتِى جوامعَ الكَلِم ذكرَ لنا فى الحديث : [ لعنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوط .. ] ولم يقلْ مثلاً : لعن الله كلَّ لوطى .. وحاشاه أنْ يقولَ ذلك ..لكنَّ بعضَ الفقهاء اشتقوا من اسمِ لُوط : اللِّوَاط واللُّوطِيّة والمتلَوِّط وغيرها !! وحاول البعضُ تأويلَ هذا النسب، وهذا واللهِ ظلمٌ لوتعلمونَ عظيم .. نحنُ حين ننْسِبُ إلى المسيحِ عليه السلام، نقولُ : مسيحِى،يعنى ذلك أنهُ يتبعُ ديانةَ المسيح .. بهذا القياسِ السليم فإنَّ اللُّوطِى بالنَّسَبِ إلى لوطٍ عليه السلام هومَنْ يتبعُ ديانةَ لوطٍ ويقتفِى طريقتَهُ فى مواجهةِ هذا الشذوذ، وليس هو الشاذّ كما ينتشرُ بين الناس .. وتجدرُ الإشارةُ إلى أنَّهٌ لم يردْ فى القرآنِ الكريم أنَّ قومَ لوطٍ كانوا يلُوطُونَ أو يتلاوطون .. بل سمَّى فِعْلَتَهُم بالفاحشة أو إتيانِ الذُّكْرَان أو إتيانِ الرجال، وقدْ راجعتُ المعاجمَ العربية، واستقرَّ يقينى أنّ لفظةَ لُوْطٍ مشتقةٌ منْ الجِذْر[ لَوَطَ ] بمعنى الإلصَاق والإلْذَاق وتستخدمُ بمعنى إصلاحِ حَوْضِ الماء، وشاهدُ ذلك ما وردَ منْ حديثِ النبى صلى اللهُ عليه وسلم : [ .. ثم يُنفَخُ فى الصُّورِ فلا يسمَعُهُ أحدٌ إلا أصْغَى، فيكونُ أوَّلُ مَنْ يسمَعُهُ رجلٌ يَلُوطُ حوْضَ إبِلِه ] يعنى يُلْزِقُ الطينَ بعضَهُ ببعضٍ حتى يحوطَ الماءَ جيداً .. وبهذا نفهم أنَّ لوطاً عليه السلام له مِنْ اسْمِهِ نصيبٌ يناسبُ عِلَّةَ قومِه، فإذا كانَ اللَّوْطُ هو إصلاحُ مَحَلِّ الماءِ وموضِعِه، فإنَّ لوطاً عليه السلام أرادَ أنْ يُصلِحَ موضعَ ماءِ الرِّجال بأنْ يضعَ الرَّجلُ ماءَهُ فى المرأة التى هى مَحَلُّ الحَرْثِ وموضعُ الوَلَد.. وتلكُمْ هى فِطْرةُ اللهِ التى فَطَرَ النَّاسَ عليها ..إذنْ فاللُّوطِى هو المُصْلِح .. وعذراً نبى اللهِ لُوْط .. عليكَ سلامُ الله. [email protected] من العدد المطبوع من العدد المطبوع