في أحد الأفلام السينمائية القديمة، تورط "صلاح فؤاد" في الإعلان عن سلعة وهمية، بسبب صداقته لراقصة كان يستخدمها لإنهاء بعض الصفقات، مقابل إظهارها فى حملة إعلانات قوية كما وعدها من قبل، ومع ضغوط الراقصة، وخطأ غير مقصود، أجبر "فؤاد" على البحث عن سلعة، ترضى الشارع بعد حملة الإعلانات الوهمية، وإلا سقط هو وشركته، فبحث فى دفاتره القديمة ليجد الدكتور المنطوى، راضيًا أو مقهورًا، فاقترح عليه "الفنكوش"، ليكتشف الجميع أنه مجرد "وهم"، لكنه من نوع آخر من أنوع المسكرات، التى بمجرد انتهاء مفعولها تكتشف إنك كنت فى "وهم" مؤقت، تفيق منه على لا شئ.. هل تسبب رئيس مجلس الإدارة في توريط الرئيس عبدالفتاح السيسي، في اختراع "القمة الاقتصادية"؟. مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد "مصر المستقبل"، الذي دعا إليه ملك السعودية الراحل عبدالله بن عبدالعزيز عقب فوز السيسي بالانتخابات الرئاسية ، تحت مسمى "مؤتمر مانحين" لدعم مصر بعد سنوات من الإنهاك بسبب الانفلات الأمني والتوتر السياسي، حوله الرئيس إلى مؤتمر استثماري في المقام الأول، ودعا إليه أكثر من 120 دولة - بينهم 59 دولة أكثر فقرًا من مصر - و25 منظمة إقليمية ودولية إضافة إلى 3500 مستثمر.. وبالفعل أقيم المؤتمر خلال الفترة من 13 إلى 15 مارس، وسط آلاف المشاركين ووعود بمئات الشراكات وصفقات بمليارات الدولارات. تتواصل أحداث الفيلم، وتقف الغرفة التجارية، لصاحب الإعلان الوهمى، بالمرصاد حتى إحضار "الفنكوش"، فهل سيتكرر الأمر مجددًا؟، هل سيقف الشعب هذه المرة حتى تتحقق المشروعات المعلنة والخطط الطموحة؟.. في الفيلم نجح فؤاد في الضغط على الدكتور أيوب؛ حتى ابتكر المنتج الوهمى، والذى جاء عبارة عن "فاندام" بتأثير الخمر يذهب العقل قليلاً يشعرك بسعادة بالغة، حتى إذا ذهب التأثير، تجد نفسك في وهم كبير.. بطبيعة الحال "المؤتمر الاقتصادى"، يشبه "الفنكوش" في التأثير، لكنه يمتلك تأثيرا أطول، قد يمتد لسنوات، تجعلك لا تعلم أين كانت الحقيقة، ربما كانت مسكنات وقتية، فالنتيجة جاءت على هيئة استثمارات تمتد لفترات زمنية بعيدة المدى!. ولكن دعم الدول - وبخاصة الخليج - وكذلك مساندة رجال الأعمال لن يجدي نفعًا مع المواطن البسيط الذي لن يعترف بهذه الاستثمارات مهما كان حجمها، إلا إذا انتهت معاناته والتي يأتي على رأسها "الكهرباء، والإسكان، وغيرها من المشكلات". 72.5 مليار دولار 72.5 مليار دولار هو حجم الاستثمارات والمنح الناتجة عن القمة الاقتصادية - وفق تصريحات محلب - بعد 8 شهور من العمل وإنفاق ما يقرب من 12 مليون دولار استعدادت للمؤتمر - وفق ما قاله حسن فهمي رئيس هيئة الاستثمار - إضافة إلى خطط تأمينية وإشراف 3 وزراء داخلية على عملية التأمين، على التوالي هم: أحمد جمال الدين، محمد إبراهيم، مجدي عبدالغفار. إسقاطات الماضي التجارب في فترة ما بعد "3 يوليو" كثيرة رغم قصر الفترة الزمنية، استثمارات القمة ليست أول ما أعلن عنه، بل سبقها مشروع تدشين المليون وحدة سكنية لمتوسطي الدخل بالتعاون مع شركة "آرابتك" الإماراتية، قبل عام إلا أنه لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن، ومن قبلها كان اختراع جهاز معالجة مرضى الكبد وفيروس سي "جهاز الكفتة"، أيضًا أثبت فشله بعد أقل من بضعة أشهر من الإعلان عنه، كذلك إعلان السيسي عن مشروع استصلاح مليون فدان، وحتى الآن لم يتم البدء فيه، السؤال هل ستتحول مليارات القمة إلى واقع؟ الإجابة تبدو واضحة لمن يريد!. ليس ذلك فقط، لكن مليارات القمة الاقتصادية تذكرنا بكل تأكيد بمشروع "توشكي" لاستصلاح واستزراع 540 ألف فدان في جنوب الوادي الجديد، والذي دشنه الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في 9 يناير 1997 في إطار خطة الدولة لتوسيع رقعة مساحة المعمورة من 5% إلى 25% من مساحة مصر بكل ما يترتب عليه من آثار ديموجرافية واقتصادية واجتماعية، وتم تحديد حينها عام 2017 كموعد للانتهاء من المشروع.. وبنظرة سريعة على حجم المليارات التي تم إنفاقها على المشروع وبضعة الآلاف التي تم زراعتها، وما آل إليه حال المشروع في الوقت الراهن، قد يكون مصير مشروعات القمة معروف بل محسوم بكل تأكيد. نتائج مبهرة حقق نتائج مبهرة.. بهذه الكلمات المقتضبة علق رئيس الوزراء على حصاد 3 أيام للمؤتمر الاقتصادي، في كلمته الختامية، قائلاً: "وقعنا عقود استثمارات مباشرة بقيمة 36.2 مليار دولار واتفاقيات لمشروعات ممولة ب18.6 مليار دولار، بالإضافة إلى 5.2 مليار دولار من صناديق ومؤسسات دولية كقروض مع وزارة التعاون الدولي"، وأضاف "حصيلة المؤتمر 60 مليار دولار"، فضلا عن تعهدات بدعم خليجي - من الكويت والإمارات والسعودية وعمان - قدره 12.5 مليار دولار.. هذه هي الأرقام الرسمية التي أعلنها محلب، إلا أن التضارب في الأرقام ما بين الوزراء وتصريحات المشاركين في المؤتمر لا يزال قائمًا دون تقرير رسمي يكشف حقائق المشروعات التي تم الاتفاق عليها بالفعل على أقل تقدير!. مبالغة الأرقام سؤالاً ملحًا آخر يفرض نفسه، كيف تكون الحصيلة الإجمالية للقمة الاقتصادية 60 مليار دولار، وهناك مشروعًا واحدًا تبلغ استثماراته 45 مليار دولار، فبحسب وزير الإسكان مصطفى مدبولي، فإن هناك مخطط حكومي لبناء عاصمة إدارية جديدة لمصر باستثمارات تبلغ نحو 45 مليار دولار خلال من 5 إلى 7 سنوات؛ لإنشاء 1.1 مليون وحدة سكنية.. وما فاقم من حدة الأمر أن الوزير ذاته، أكد أنه تم توقيع مذكرات تفاهم لإنشاء مشروعات عمرانية متكاملة وسياحية في مدينتي القاهرة الجديدة و6 أكتوبر، بإجمالي استثمارات تصل إلى 13.5 مليار دولار.. أي أن حصيلة مشروعات الإسكان تقدر ب58.5 مليار دولار، فماذا عن باقي المشروعات في القطاعات الأخرى؟، وأيهما صحيح الرقم الذي أعلنه رئيس الوزراء أم الأرقام التي أعلنها الوزراء والمشاركون بالمؤتمر؟ أم أن هناك أيادٍ خفية وراء هذه التضارب وهذه الأرقام الوهمية؟. خبراء اقتصاد، شددوا أن المبالغة في حجم الاستثمارات التى حصلت عليها مصر خلال المؤتمر الاقتصادي، قد ترفع سقف الطموحات لدى الشعب المصري ومطالبه من الحكومة، وهو ما قد يصعب تحقيقه؛ نظرًا لأن نتائج المشروعات قد يكون بعد فترة زمنية تتراوح بين 3 أو 15 عامًا حسب طبيعة المشروع. "المطلوب أكتر" بعد أن أكد محلب بأن نتائج المؤتمر الاقتصادي "مبهرة" ب72.5 مليار دولار، عاد الرئيس ليقول في كلمته الختامية: "مصر تحتاج على الأقل ما بين 200 إلى 300 مليار دولار علشان تتبني"، أضاف: "هذا المبلغ ضروري حتى "يكون في أمل حقيقي ل90 مليون علشان يشتغلوا ويعيشوا بجد"، بل وتابع: "اللي بيتعمل كتير.. لكن المطلوب أكتر".. هل هي نتائج جيدة أم أنها لا تمثل ربع ما تحتاجه مصر؟ أنفرح بما حصدناه خلال المؤتمر أم نحزن على المطلوب؟. تفويض جديد للرئيس التصفيق الحار الذي شهدته قاعة مؤتمر "مصر المستقبل"، ودعم دول الخليج الذي تجسد عبر 12.5 مليار دولار ودائع واستثمارات، وفرحة آخرون بنجاح المؤتمر كأنه "عبور 73"، ما هو إلا تفويض جديد للسيسي لكنه بنكهة اقتصادية هذه المرة، ففي المرة الأولى طلب الرئيس خروج المصريين إلى الميادين لإعطاءه تفويضًا صريحًا بمواجهة الإرهاب، وهذه المرة دعا المستثمرين وزعماء الدول بل ورجال الأعمال لمشاركته في بناء الاقتصاد، حيث إنه راهن من قبل على شرعية استمراره بإصلاح الاقتصاد، فقبل يوم من انطلاق المؤتمر قالت صحيفة "نيويورك تايمز" البريطانية، "أهمية المؤتمر ترجع إلى أن السيسي راهن على شرعيته بالاستمرار في حكم مصر عندما يحدث إصلاحات جذرية على الاقتصاد المصري، الذي بدا منهكا منذ عدة سنوات".. وبعد يوم من انتهاء المؤتمر، قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن المجتمع الدولي دعم الرئيس عبد الفتاح السيسي دعما واسعا لرؤيته الواضحة لمستقبل مصر من خلال المؤتمر الاقتصادي بمنح مصر مليارات الدولارات، وأنه كان بمثابة تصويت للثقة من قبل الشركات والحكومات لمصر. سقطات القمة على مدار 3 أيام مضت، التداخل فيما بين تصريحات المسؤولون كان أهم سقطات بالقمة الاقتصادية، بدايةً من عدد المشاركين في القمة، والذي تعددت الأقاويل فيها ما بين 80 إلى 120 دولة، مرورًا بتكلفة إقامة المؤتمر، الذي تراوح ما بين 100 مليون جنيه وفق رئيس الهيئة العامة للاستثمار وبين 100 مليون دولار وفق مصادر بالهيئة ذاتها، وانتهاءً بحجم وطبيعة المشروعات المطروحة، التي قيل أنه سيتم المشاركة ب35 مشروعًا وباستثمارات تتراوح بين 25 و35 مليار دولار، وجاءت المشاركة بمئات المشروعات. نصيب المحافظات 17 محافظة استفادوا من مشروعات القمة الاقتصادية، وفق خريطة قدمتها وزراة الاستثمار حول المشاريع المطروحة، والتي تنوعت ما بين إنشاء مناطق صناعية وزراعية وسياحية، إضافة إلى تطوير بحيرة ناصر ونهر النيل في أسيوط وأسوان واستغلال المحاجر والخامات البيئية المتوافرة فى الجنوب وسيناء لإقامة صناعات تعدينية متطورة، مع ربط كل المشروعات بشبكة نقل موزعة بين الطرق البحرية والنهرية وشبكات الطرق البرية، مع العمل على تطويرها لتناسب الاستخدام الكثيف الذى تحتاجه هذه المناطق الصناعية. تساؤل أخير! بما أن الإعلان عن مشروعات بل خطط وربما أحلام، حق مشروع للجميع، فإن الاستثمارات المعلنة عبر "القمة الاقتصادية" بكل تأكيد هي حق، ولكن من غير المقبول أن تتوقف تلك الاستثمارات عند كونها اتفاقيات وقعت من حبر على ورق وسط تصفيق آلالاف المشاركين داخل قاعة في مدينة شرم الشيخ.. لذا فما هي ضمانات تنفيذ تلك المشروعات على أرض الواقع خاصةً أن فترات تنفيذها تمتد لعشرات السنوات؟.. رئيس الوزراء صرح بأنه تم تكليف مجموعة وزارية لمتابعة تنفيذ نتائج المؤتمر على مدار الساعة، ولكن هل تتحول تلك التصريحات إلى واقع أم تظل مجرد شو سياسي وربما إعلامي؟، أم يظل "الفنكوش"!. مؤتمر "مصر المستقبل" في شرم الشيخ مؤتمر "مصر المستقبل" في شرم الشيخ