لم أحاول أبدا أن أحدد بالضبط الزمن الذي يجب أن يستغرقه منهج كامل في فن كتابة السيناريو ولكن بالتخمين أقول بأنه يتراوح أحيانا بين ثلاثة أيام بطولها وثلاث سنوات كاملة.. والأرقام تكون علي أساس قدرة استيعاب التلميذ، ما الذي يعرفه بالفعل وتجربته السابقة في الكتابة والفرص التي أتيحت له للتعليم والاستعداد والقدرة في الدرس ونمط العمل ودرجة الكفاءة المطلوبة.. وبالطبع فإن الفيلم الروائي الطويل بالحوار ولوازمه التقنية هو نوع عمل السيناريو الذي لا يتطلب أطول وقت فقط في الإعداد والكتابة ولكن الأطول والأقرب في دراسة المهارة الضرورية المطلوبة.. ومن ناحية أخري يتطلب الفيلم التسجيلي القصير فترة أقل في السيطرة علي تقنيات سيناريو التصوير وبالطبع تستغرق الكتابة الفعلية وقتا أقل. لا أريد أن أفترض بأن كتابة الأفلام التسجيلية هو عمل سهل علي العكس أنها تتطلب قدرا كبيرا من الخيال والإبداع وغالبا أكثر مما تتطلبه الأفلام الروائية، فهي تتطلب إلي حد كبير معرفة متخصصة أو بحثًا.. ولكن الجزء التقني الخالص فيه أسهل من الفيلم الروائي الطويل. يتطلب الفيلم الروائي جهودا عظيمة في تخيل الشكل لأنه يكون غالبا علي أساس موضوع يميل بسهولة إلي أن يكون باعثا علي الملل، فعندما تحدد نقطك فيجب عليك أن تستحوذ علي جمهورك وتمتعه. ويتطلب الفيلم التسجيلي أيضا إبداعا أكثر لأنه غالبا ما يكون قليل التكلفة وليس لديك الإمكانات المتوفرة للفيلم الروائي الطويل. ومع كل هذا فإن كتابة الفيلم التسجيلي أكثر سهولة من الفيلم الروائي الطويل. وهناك أسباب كثيرة لذلك ولكن السبب الأساسي أنه في حالة الفيلم الروائي يجب كتابة كل شيء قبل التصوير في حين أنه في حالة الفيلم التسجيلي فإن كل ما «يمكن» كتابته غالبا ما تكون مجرد ارشادات لما هو مطلوب لأن الكثير جدا يتوقف علي الظروف والمكان وزمن المشهد المزمع تصويره وما هو متاح وما هو عملي. في مثل هذه المشاهد يستطيع الكاتب فقط أن يحدد ما يجب تصويره وما هو في ظنه يهدف إليه. وكثيرا جدا مما قد يضعه الكاتب يترك للمخرج والمصور والمونتير. هناك فرق إلي أي مدي سوف يظل هذا الاختلاف بين الفيلم الروائي ومعظم الأفلام التسجيلية؟ إنه من الصعب أن نحدد إلي متي؟ ولكن الاختلاف سيظل هناك. ومع ذلك فإن كتابة الأفلام التسجيلية هو فرع مهم جدا في الكتابة السينمائية. وإنني أكرر بأنه ليس عملا سهلا وكلما عرفت أكثر من حرفة السيناريو فإن ذلك من الأفضل خاصة أن العديد من السيناريوهات التسجيلية تتطلب مشاهد يجري تصويرها بشكل أقل أو أكثر من مثيلاتها في الأفلام الروائية. وبالرغم من أنني أقول إنه في أغلب الأحوال يستطيع كاتب السيناريو أن يقوم بالتلميح فقط إلي ما يريده فهناك حالات عديدة حيث يستطيع خياله أن يتحرك بشكل سريع ويسمح للصعوبات التي قد تواجه المخرج والمصور فيعطي صورة واضحة ومفصلة لما يريد أن يراه علي الشاشة. والعديد من السيناريوهات التسجيلية يجري كتابتها بهذا الشكل. ذلك لأنه أحيانا يكون لدي المخرج نفسه مثل هذه الصورة الواضحة لما هو مطلوب وكل ما يحتاجه هو كلمات قليلة بحيث يكون لبقية العاملين في الفيلم فكرة عن المشهد المطلوب، ولكن حتي في مثل هذه الحالة فإن كلمات قليلة عن مشهد مهم قد تسبب نتائج خطيرة. وأنا أعرف حالة حيث تركت إحدي وحدات التصوير مكانا قصيا دون تصوير أحد المشاهد لأنه لم يكن هناك سوي سطرين أو ثلاثة فقط في السيناريو في وصفه ولذلك تم الاستغناء عنه. يحدث هذا النوع من الكتابة غالبا لأن كاتب السيناريو التسجيلي لا يحصل علي أجر كاف أو ربما يجب أن أقول إنه لا يحصل علي قدر يصل إلي ما يحصل عليه كاتب الفيلم الروائي الطويل.. ومع ذلك فقد شاهدت سيناريوهات تسجيلية تستحق نصف ثمنها. القاعدة العامة ويصدم المنتجون أحيانا حينما أتناقش معهم وفقا للقاعدة العامة بأنه كلما دفعت له أقل شغله التفكير في إيجار بيته وفي فاتورة الكهرباء ومصاريف مدارس أولاده وكلما أصبح حريصا علي إنهاء العمل بسرعة والبحث عن غيره. ذلك لو كان يعمل بالقطعة وليس يعمل وفقا لعقد سنوي.. فأخبروني قائلين: «يجب أن يكون الكتاب أكبر من ذلك فما الذي يفوق الفن سوي الفن نفسه؟ إن الشخص الحريص الحقيقي لا يقيس الزمن أو الذهن لأنه قلق بالنسبة لمستقبله». حسنا إنني أخشي أنه سوف يكون وسوف يفعل. يمكن لاعتراضي علي سبيل الافتراض أن يتم تطبيقه علي جميع العاملين وينشغل رجال الاقتصاد ويخبرونا بأن الأجور العالية سوف تؤدي بنا إلي التضخم ولكن لن يؤثر هذا في رأيي. فإذا اتهموني بأنني أرغب في تدليل كاتب السيناريو فلن أعترف بهذا فقط ولن أدافع عنه فقط ولكن إذا نخسوني فسوف أدافع عنه فإن لم يتم كتابته في سيناريو التصوير هو أساس نجاح الفيلم أو فشله. وبشكل مسلم به فإن المخرجين والفنانين والمصورين والمونتيرين يستطيعون أن يفعلوا الكثير لمداواة الفشل في السيناريو وإعلاء جوانبه الجيدة، ولكن مع ذلك فإن للسيناريو الأهمية الأولي وأكثر من ذلك فإنه من أرخص الفترات في إبداع الفيلم ويجب أن يتذكر نجلاؤنا بأن كاتب السيناريو القدير يستطيع إذا لم تكن الأشياء جيدة بشكل كاف هنا فإنه عندئذ يحزم آلة كتابته ويطير إلي مكان آخر حيث يجد فيه معاملة أفضل. رغم مسألة الأجر هذه وحقوق المؤلف قد لا تكون أمورا حيوية بالنسبة للقراء إلا أنها مسألة تدخل في الصميم. ونصيحتي لكل كتاب السيناريو هو الالتحاق باتحاد مناسب والنضال من أجل أجر أفضل وليس هذا شيئا سيئا. ففي الواقع إنه تقريبا شيءٌ جيد وغالبا ما يكون كريما إلي حد ما ولكن هنالك تفاوت مغبون وفي المقارنة بما يتم دفعه من أتعاب للمخرج وبين كاتب السيناريو نجده كبيرا. إذا كان لديك ميل نحو الأفلام التسجيلية فلا تجعل هذه النقاط تمنعك. هناك مجال متسع مفتوح لك أكثر من كاتب سيناريو الفيلم الروائي وعلي كل فإن العمل أقل تحررا من الوهم. فإذا كان لديك الاعتقاد بأن الأفلام التسجيلية تستحق كثيرا من التفكير والصبر والإبداع في فترة إعدادها فإن من الطبيعي أن يشجعك الإحساس بأهمية هذا العمل الذي تقوم به. في الواقع فإن هذا الإحساس بأن الأفلام التسجيلية قصيرة أو طويلة هي الجديرة بالاهتمام من صناع الأفلام البارعين حيث نتج عن ذلك الإبداع الجميل للعاملين في مجال أفلامنا التسجيلية. إنهم لم يعانوا بالتأكيد من عقد النقص ولكنهم تهللوا وتحمسوا وفقا لإحساسهم بالتفوق. «وإذا كانت عقدة التفوق تنبع من عقدة نقص مكبوتة فإنني لا أستطيع أن أقول إن نظريات الصراع عن عقد النقص والتفوق دائما ما تثير حيرتي. ويحتمل أن تكون بسبب إحساس بالنقص في فهم شراح هذه النظريات». إن عقيدة التفوق هذه قد لا تكون موقفا متزنا. إنها تستطيع أحيانا أن تثير الضيق قليلا لرجال الاستوديو الذين يمكن أن يكونوا أنفسهم أفضل بقدر أقل. ولكن من الممكن أن تتحقق من خلال ما تثيره من دفع للعمل الذي أنجزه أمهر المتحمسين التسجيليين. ومهما كانت الأسباب فإنني أظن أننا يجب أن نقدم الامتنان لهم وقد يضايق المتعصبين عندما لا نتفق معهم ولكنهم بالتأكيد هم الناس الذين يجعلون الأمور تسير. طريقة عكسية للتعليم قمت في زمني بتعليم بعض كتاب السيناريو الناجحين في حرفتهم ودخل ثلاثة منهم إلي عالم الفن بواسطة طريقة عكسية في تعليمهم في البداية المونتاج. قام أحدهم بإعادة مونتاج فيلم عالمي من سبع بوبينات كنت أعده للسوق البريطاني. وعندما أنهي العمل قمت بإبداع فيلم آخر له. قلت له: «إنني أريد منك أن تلف كل بوبينة من الفيلم من البداية إلي النهاية ولا شيء بالنسبة لكل تغير في وضع الكاميرا خلال الفيلم. إعط لكل واحدة رقما مسلسلا ودون مسافة الكاميرا بالتحديد. مثل لقطة عامة، لقطة عامة متوسطة، لقطة متوسطة، لقطة قريبة متوسطة، لقطة قريبة وهكذا.. وسجل أيضا ما تقوم به الكاميرا وعما إذا كانت ثابتة طوال اللقطة. وهذا يعني إذا تحركت حركة بإن أو أفقية أو تراجعت أو صف الخلفية واكتب تقريرا عن الحدث». قام صديقي بهذا بطريقة جيدة للغاية مستخدما علي الأقل ثلاثمائة صفحة. وقمنا بعد ذلك بطبع تتابعه علي الآلة الكاتبة. وعندما رآه صاح متعجبا: «معقول؟ إنه بالضبط أشبه بسيناريو». «بالتحديد.. هذا هو بالضبط ما كنت أهدف إليه». هذا هو ما أجبته بزهو المعلم.. واستطردت قائلا: «لقد كتبت سيناريو. بالعكس.