قد يعتقد البعض أن أفلام المقاولات هي كل الأفلام الرديئة المنخفضة التكاليف السيئة التنفيذ . ولا يبتعد هذا الاعتقاد كثيرا عن الحقيقة ولكنه لا يفسر المصطلح بالدقة الكافية . كانت عبارة أفلام المقاولات قد انتشرت في الثمانينات وارتبطت تحديدا بأفلام كثيرة أغرقت السوق ليونس شلبي وسعيد صالح وسمير غانم وغيرهم من نجوم الصف الثاني . كان هؤلاء النجوم قد أصبحت أسماؤهم معتمدة لدي الجماهير في أسواق الخليج ، مع أن شعبيتهم في مصر كانت في حالة تراجع . وأصبح هناك مجموعة من المنتجين المحترفين الجاهزين لتنفيذ هذه الأفلام في أقصر وقت ممكن وبالميزانية المحدودة التي يدفعها هذا الموزع أو ذاك . وبصرف النظر عن المستوي الرديء لهذه الافلام إلا أن وجودها كان له بعض الجوانب الإيجابية . ومنها علي سبيل المثال توفير فرص عمل لكوادر الصناعة من صغار الفنانين والفنيين ، فأتاح لهم العمل فيها مصدرا للرزق وفرصا للتمرس من الواجب توافرها لأي صناعة لها اقتصادياتها وأسواقها وكوادرها التي تحافظ علي بقائها وتواصلها. في السنوات القليلة الماضية عادت أفلام المقاولات ولكن بشروط جديدة وبملامح مختلفة بعض الشيء . تدور حكاية أوحكايات فيلم (عايشين اللحظة ) حول مجموعة من الشباب وبطولة مجموعة من الوجوه الجديدة علي عادة أفلام المقاولات الجديدة . وتنطلق الأحداث من عدد من المصادفات التي تتشكل من خلالها شبكة العلاقات الواهية بين الشخصيات . فبعد أن تنجو خريجة الإعلام الشابة سلمي - راندا البحيري- من الموت تحت عجلات سيارة المذيع المشهور شادي - إيساف- تقع بينهما مشاجرة فاترة . والغريب أن الشابة الطموحة للعمل الإعلامي لا تتعرف علي شخصية المذيع مع أنه مشهور . وعلي الرغم من أن هذا اللقاء كان بإمكانه أن يصنع ثمرة علاقة ، إلا أن المخرجة المؤلفة تصمم علي السير في طريق المصادفات فيلتقي شادي وسلمي مصادفة ثانية في نفس الليلة . ولكن الغفلة تصيب البطلة كما تصيب كل العاملين في الفيلم فلا تتذكر البطل أيضا في هذا اللقاء ، وكما لوكانت المشاهد تظهر في الأفلام دون أن تهدف لتنمية العلاقات أوتصعيد الأحداث . شبكة المصادفات وتعود سلمي إلي بيتها لتدير مؤشر التليفزيون فتفاجأ بشادي أمامها يقدم أحد برامجه في مشهد خبري وبارد ولا يسهم بأي شكل في تدعيم صورة البطل كمذيع ناجح بل ربما يزيد المشاهد نفورا منه . ثم تكتشف سلمي مصادفة أيضا أن شادي هوحبيب صديقتها المقربة . وتتوالي المصادفات لتعمل البطلة في نفس القناة التي يعمل فيها البطل . ولكي تكون هناك عقدة علي أساس ان لكل فيلم عقدته وعلي كل فنان أن يعقد جمهوره نكتشف أن صديقة البطلة دنيا - إيناس النجار - فتاة متحررة لأنها عاشت في فرنسا عشر سنوات وأنها كانت علي علاقة بكريم - ياسر فرج وهوصديق شادي . ولأن الدراما الضعيفة تنتقل من الأصول إلي فروع الفروع فإن لكريم هذا شقيقة بريئة وساذجة هي جيسي - ميار الغيطي التي يظل يشغلها سؤال لا يشغل سوي فتاة بلهاء وهوكيف تحمل فتاة بدون زواج . ولأن الفيلم لابد أن يقول رسالة اجتماعية فلتكن عن ظلم الآباء للأبناء فوالد ياسر وجيسي ضابط شرطة يفرض في مشاهده القليلة عليهما قيوده ويقمع حرياتهما ويتدخل في أمور مستقبلهما . ولأن كل فيلم لابد أن يكون به شرير فليكن الصديق كريم الذي لا يقدر جميل صاحبه شادي عليه والذي أنقذه من علاقته بالفتاة المتحررة وجعلها تحبه هو! . وإذا لم تعجبك هذه المواقف والعلاقات الملفقة فإنك سوف تستاء أكثر من علاقة كريم بالديلر أومورد المخدرات ماندو والذي سنعلم أن والده قتل علي يد والد كريم في هجوم علي عصابة المخدرات . وهكذا تتوالي المصادفات في الفيلم بلا داع ولا مبرر درامي . ولا تنتظر في النهاية رؤية أووجهة نظر أوحتي إيحاء بموقف أوأي شيء . إنه مجرد فهم سطحي لأصول الدراما واختزال للموضوعات الشبابية في الملابس والإكسسوارات والمفردات الجديدة الغريبة . وربما أراد الفيلم أن يكرر التيمة المفضلة في أفلام الشباب منذ فيلم عاطف سالم (إحنا التلامذة) والتي تطرح رسالة مضمونها أن الشباب ليسوا سبباً في المشاكل ولكنهم يعانون منها .. إنهم مجرد ضحايا لأخطاء الآباء وظروف المجتمع المحيطة بهم . ولكن حتي هذه الرسالة المكررة لا يجتهد الفيلم في تحقيقها عبر بنائه العام أوتفاصيله . وإنما تلمحها في مشاهد محدودة ومتفرقة وبأساليب ركيكة ومباشرة . أجواء خانقة وإذا كانت هذه الافلام يميزها بالفعل أن من يقومون بأدوار الشباب هم شباب حقا تتناسب أعمارهم مع الأدوار التي يؤدونها ، فإن افلام المقاولات في الماضي كانت تتميز بأن من كانوا يؤدون كل الأدوار ممثلين حقيقيين متمرسين ولديهم خبرة وموهبة وحضور . ويحاولون أن يضفوا طابعا من المرح أوحتي الابتسام ، أما عايشين اللحظة فأحداثه محاصرة في الأماكن المغلقة التي تصيب المشاهد بحالة من الاختناق والتي تنبه لها صناع الفيلم متأخرا فقاموا برحلة في الصحراء لم تضف إلي أجواء الفيلم إلا مزيدا من الفقر. وإذا كان صناع الفيلم يعتقدون أن أغاني إيساف هي التي سوف تقوم بالتلطيف والتخفيف من أجوائه القاتمة فإنها مع الأسف تزيد الفيلم قتامة بأداء صوتي متواضع وكلمات باهتة وألحان مضطربة أقرب لأعمال الهواة المبتدئين . وعلي مستوي اختيار الممثلين فهناك إصرار غريب علي منح الممثل غير المناسب فرصة غير مناسبة ففتوح أحمد يلعب دور مدير مكتب مكافحة المخدرات مع أن مظهره أقرب لتاجر المخدرات .. وراندا البحيري تدرس الماجستير مع أن ملامحها أقرب لطلبة ثانوي أوالجامعة علي الأكثر . أما إيساف فقدراته التمثيلية أضعف من قدراته الغنائية بأدائه الفاتر الكسول وأسلوبه المحايد جدا في التعبير والذي يتعارض تماما مع أبسط قواعد فن التمثيل . وعلي النقيض تماما يأتي ياسر فرج وإيناس النجار باعتمادهما علي أساليب المبالغة والافتعال فيتحول وجه كل منهما إلي مايشبه الكرة الكاوتش التي يعاد تشكيلها بالضغط عليها كل لحظة من جهة ليبدو الوجه أقرب للتشوه مع انكماش الحواجب والخدود والرموش والشفتين وانفراجهم بين كل لحظة وأخري وكأننا نشاهد فيلم كارتون . وربما يبدوأكثر الممثلين اجتهادا في هذا الفيلم هومحمد البحيري والذي تمكن برغم ضعف خبرته من أن يعبر عن الملامح الشريرة للشخصية بأسلوب هاديء ليؤكد فشل ياسر فرج بأدائه القديم والمتوحش للشر الذي مازال يصمم علي تكراره من فيلم لآخر دون أن يجد المخرج الذي يروضه أويردعه . أما ميار الغيطي فهي تملك إمكانيات جيدة وتعبر في أدائها عن فهم صحيح لفن التمثيل واستعداد للأداء السينمائي الهاديء الذي يعتمد علي الاقتصاد في التعبير خاصة في اللقطات القريبة، ولكنها مازالت في حاجة إلي التعاون مع مخرج متمكن من إدارة الممثل وتوجيهه وضبط انفعالاته وإتاحة الفرصة له للتعبير بأسلوب سليم يكشف عن موهبته ويتيح له توظيف أدواته بأسلوب واع يتناسب مع طبيعة الموقف والشخصية . صورة مسطحة علي مستوي الصورة تسيطر التكوينات المسطحة والفارغة من أي عمق تماما كالدراما التي تخلوا شخصياتها من أي أبعاد وتتوالي أحداثها دون أن تعمق أوتفسر أو تطور بعضها البعض . إن الفراغ في صورة الفيلم يعبر بشكل واضح عن فراغ مضمونه وأفكاره وحكاياته وافتقاده لأدني درجات الفهم السليم لأساليب سرد الحكايات أوتحقيق المتعة الفنية والتسلية للمشاهد بأقل قدر ممكن من الجاذبية . وأيضاً يفتقد المونتاج للحساسية المطلوبة ويفشل في إنقاذ السيناريومن الغرق في ترهلاته واهتمامه بكل ما هوهامشي علي حساب كل ما كان بإمكانه أن يكون في صلب الموضوع والشخصية والأجواء المعبرة . فكانت المشاهد التي تخلوا من الدراما والمعلومات تطول بلا داعي ، بينما كانت المشاهد التي تستلزم التمهل والتأمل تنتهي سريعا . وهي مسألة تتعلق أيضا بإيقاع المخرجة وأسلوب رسمها للحركة وأداء الممثل و أسلوبه البطيء في الحركة وتقطيع الجمل بدون توجيه أوتعديل. لا أري في وجود أفلام المقاولات أوالأفلام الرديئة شيئا معيبا للسينما المصرية كما يعتقد البعض ، فهذا هو شأن أي سينما كبيرة لها أسواق وجماهير متنوعة وعليها أن تلبي طلبات وأذواق وأسواق جماهير مختلفة . ولكن أري أن من الواجب أن تتحقق في هذه الأفلام الحدود الأدني من الشكل الجذاب للفيلم بالمفهوم التجاري البسيط وأن تكون فرصة حقيقية لظهور مواهب جديدة فعلا في مختلف مجالات العمل الفني والسينمائي بدلا من أن تكون ساحة لشباب النوادي وموديلات عروض الأزياء . وإذا كانت الفت عثمان في أول أعمالها كمؤلفة وثاني أعمالها كمخرجة بعد (الحكاية فيها منه) تعتبر أن أفلام المقاولات هي مجرد محطة البداية لها أونقطة انطلاق لتحقيق طموحات أكبر فعليها أن تعي أن السيناريو علم له أصوله وقواعده . وأن بناء السيناريو يجب أن ينطلق من فكرة محددة وواضحة وليس عبر تفاصيل تتراص بشكل متجاور لتشكل في النهاية رؤية عشوائية يفسرها كل من يشاء تبعا لمفهومه إذا استطاع أن يواصل متابعة الفيلم حتي نهايته.