من آن لآخر يوجه هجوم شديد اللهجة للبرامج التليفزيونية الليلية أو برامج التوك شو بحجة أنها تركز علي السلبيات وكل ما يسيء للوطن من فساد وجريمة وعشوائيات وأن المشاكل التي يتم عرضها شديدة الخصوصية ومناقشتها ينبغي أن تكون من خلال القنوات المحلية، حتي أن أحد الأشخاص أطلق دعوة من خلال موقع الفيس بوك لمقاطعة هذه البرامج لأن من شأنها العمل علي «إذلال المصريين في الخارج» كن بالطبع مقدمي برامج التوك شو لهم رأي آخر فيرون أن برامجهم تكاد تكون صوت المعارضة الوحيد في الشارع المصري وأن مسألة الإساءة لسمعة مصر أصبحت موضوعا قديما ومستهلكا وكل طرف يفند وجهة نظره ويدافع عنها وهو ما نحاول عرضه في هذا التحقيق، من خلال استعراض آراء الإعلاميين ومقدمي برامج التوك شو. خصوصية د. درية شرف الدين الإعلامية ورئيس القطاع الفضائي سابقا لا تنكر ان هذه البرامج الليلية اليومية أصبحت وسيلة لنقل نبض الشارع المصري ووجد من خلالها منفذا للحديث عن همومه ومشاكله وعلي الجانب الآخر تمثل عامل ضغط علي الحكومة هذا علي النطاق المحلي، أما علي المستوي الخارجي فتقول: «لدي تحفظ علي هذه البرامج في هذا الجانب وهي أن هناك بعض المشاكل التي لها خصوصية شديدة للغاية وبالتالي يكون مكانها الطبيعي في الإعلام المحلي والقنوات الأرضية وليس علي شاشات الفضائيات وللأسف القنوات المحلية لا تقوم بواجبها في هذا المجال وغير واعية لدورها في مواجهة الإعلام الفضائي الخاص، لذلك اتمني أن تراعي هذه البرامج هذه المسألة وتتجنب التركيز علي المظاهر السلبية مثل الأماكن شديدة الفقر أو الأماكن التي بها مظاهر العجز الشديد لأن كل دولة بها مشاكل من هذه النوع وبها من هم تحت خط الفقر لكن يتم مناقشتها من خلال الإعلام المحلي كنوع من محاكمة للمسئولين وسعيا لحلها ومسألة وجود خطوط حمراء في تليفزيون الدولة فهي مسألة عفا عليها الزمن وبدأت تختفي تدريجيا خاصة مع انتشار الفضائيات. د. درية دعت القائمين علي هذه البرامج إلي تطبيق المعايير المهنية باستمرار وعدم الاعتماد علي التسخين والمبالغة. النائب محمد أبوالعينين صاحب قناة كليوباترا ينتقد هذه البرامج ويتهمها بالمبالغة وتهييج الرأي العام قائلا: هناك بعض المذيعين يسعون للهجوم بشكل مبالغ فيه ويضخم من أهمية الخبر حتي يكتسب مزيدا من الشعبية والجماهيرية وبالتالي تحقيق المكاسب المادية للبرنامج وهذا يؤثر بالطبع علي صورتنا في الخارج سواء في العالم العربي أو خارجه بل وتؤثر داخليا علي الاستثمار والسياحة لذلك نطالب بتقديم الوقائع في حجمها الطبيعي دون مبالغة أو إثارة وعندما تخطئ الحكومة تقول لها إنها اخطأت وفي نفس الوقت إذا وجدت عملا وجهدا يبذل تقول للحكومة أحسنت لأن هذا يصيبنا كمسئولين بالاحباط. ملاحظات وليست انتقادات د. سامي عبدالعزيز - الأستاذ بإعلام القاهرة -له بعض الملاحظات علي بعض برامج التوك شو ومقدميها فيقول: «بعض التقارير تأخذ طابع السخرية والمبالغة بحيث تعطي الحدث أكثر من حجمه الطبيعي كذلك هناك بعض من مقدمي التوك شو لا يفصلون صفاتهم الشخصية عن دورهم كمقدمين ويبرزون مشاعرهم الخاصة بالإضافة إلي أن المساحة الزمنية المخصصة للسلبيات أكبر بكثير من المساحة المخصصة للإيجابيات لكن بخلاف ذلك فإن هذه البرامج تعتبر جزءا من الحراك الإعلامي وأداة من أدوات الرقابة ولن تستطيع مصر مواصلة مسيرتها الديمقراطية بدون هذه البرامج التي نعتبرها مجلات تليفزيونية مصورة. موضوع «قديم» كانت هناك آراء متبانية للإعلاميين من مقدمي برامج التوك شو في الفضائيات فيما يخص برامجهم والاتهامات الموجهة إليها. ففي البداية تقول مي الشربيني - مقدمة برنامج بلدنا في قناة «otv» سابقًا- مدافعة عن برامج التوك شو: نحن كإعلاميين وصحفيين نمثل الجانب الغائب وهو المعارضة الحقيقية وصوت الشارع الحقيقي وإن كانت هناك معارضة فتوجد في نطاق محدود سواء في صورة نواب مستقلين أو في صورة أحزاب صغيرة وإذا كان هناك هجوم من جانب بعض المسئولين علي برامجنا فأنا أري أن الكثير من المسئولين المصريين يتقبلون النقد من الإعلام العربي والغربي ولا يتقبلونه من إعلام بلدهم لأنهم تعودوا من الإعلام المصري أن يقول «نعم وحاضر» وتضيف مي الشربيني «إذا كان هناك نوع من الإثارة والتهويل في عرض القضايا فهذا استثناء ونحن لدينا معايير في استعراض الأخبار والقضايا ولا نخرج فيها عن إطار المهنية ونحرص علي استضافة كل أطراف القضية المطروحة للنقاش. أما مسألة أن هذه البرامج تسيء لصورتنا وسمعتنا في الخارج فهو أمر لم يعد مطروحا مع وجود الإنترنت، وإذا تمت مناقشة قضايانا ومشاكلنا الداخلية مهما كانت خصوصيتها بشكل مهني ستكون صورتنا جيدة أيا كان ما نعرضه». الكاتب الصحفي سيد علي مقدم برنامج 48 ساعة يؤكد أن مثل هذه البرامج أصبحت القنوات الشرعية الحقيقية التي تعبر عن هموم الناس وآلامهم ومشاكلهم اليومية في ظل غياب الأحزاب السياسية الحقيقية ومسألة تأثر سمعة مصر بما تعرضه من مشاكل وهموم داخلية فهو موضوع «قديم» ولا تناسب مع العصر الذي نعيشه لأن أي حدث مهما كان مكانه أو توقيته نعرفه خلال دقائق من حدوثه والحريص علي سمعة مصر يحل مشاكلها ولا يخفيها. شريف عامر مقدم برنامج «الحياة اليوم» يؤكد أن الجاليات المصرية التي تعيش في الخارج تتعرف علي أحوال بلدها من خلال برامج التوك شو ويضيف «الرأي القائل بأنه ينبغي» أن «نخبي» و«نداري» بحجة شكلنا وسمعتنا في الخارج فهذا غير منطقي لأنه من المفترض أن الإنسان ينزعج أكثر عندما يري صورته أمام نفسه والصحافة والإعلام بشكل عام يرصدان ما تفتقده المجتمعات وليس ما تملكه المجتمعات وعلي افتراض أن لدينا كوبا نصفه فارغ ونصفه ملآن فمهمتي كإعلامي رصد الجزءالفارغ ومهمة الحكومة أن تملأ النصف الفارغ، كما جاء في تصريح سابق للمهندس حسب الله الكفراوي - وزير الإسكان السابق. اعتذار حاولنا الاتصال بالإعلامي عمرو الليثي - صاحب برنامج «واحد من الناس» والحائز علي جائزة اليونسكو لهذا العام عن البرنامج الذي يقوم علي كشف مشاكل المناطق العشوائية والمعاناة التي يواجهها سكانها في مختلف محافظات مصر وما يصاحب ذلك من مشاهد صادمة بل و«مخزية»، كنا نرغب في معرفة رده علي الرأي الذي يرفض ظهور ومناقشة تلك الموضوعات علي الفضائيات، إلا أنه رفض الحديث معللاً ذلك بانشغاله في تصوير البرنامج.