محمود الورواري قاص وروائي ومسرحي مصري، يعمل بمجال الإعلام الفضائي منذ عشرين عاما تقريبا، صدر له أربعة عشر كتابا إبداعيا ما بين القصة والمسرح والرواية. وصدر له في الفترة الماضية "حالة سقوط" وهي أول رواية عربية تدور أحداثها في طهران، فضلا عن إثارتها للجدل والنقاش، فكان معه هذا الحوار هل تؤمن بالتخطيط للكتابة؟ وكيف تدير علاقتك بالنص؟ - هناك أجناس أدبية تستوجب التخطيط والتفكير، وأنا أسميها المشاريع الكبيرة مثل الرواية والمسرح، والتخطيط لا يعني القصدية في الكتابة وإنما اختيار شكل الدفقة المكونة للعمل وهي لا يوجد تدخل فيها، وهذه المشاريع تمر بمرحلة حمل ومخاض وولادة واكتمال. وهناك أجناس أدبية القصدية تنسفها كالشعر، فلا يمكن أن أتخيل شاعراً يقول مثلا غدا أكتب قصيدة ، فكما كان يقول نزار: القصيدة تكتبني، أقول أيضا كل الأجناس الأدبية تكتبني. ليست سيرة ذاتية في روايتك الأخيرة "حالة سقوط" يعمل بطل الرواية مذيعا في إحدي القنوات وله العديد من السقطات ويبوح بالكثير بالاعترافات المثيرة وأنت في الواقع تعمل مذيعا، ألم تخش الربط بينك وبينه علي اعتبار الراوية رواية سيرة ذاتية؟ - لو كانت حالة سقوط ، سيرة ذاتية لكنت أشرت إلي ذلك، ولكن هذه رواية. ورواية فقط .. أما اختيار مهنة البطل فهي المهنة الوحيدة التي تلائم طبيعة الأحداث؛ فيتواجد شخص مصري في إيران التي ليس بينهما علاقة دبلوماسية، وهذا الشخص علي احتكاك بالحدث والفعل السياسي ويتنقل بهذه السهولة إلي العراق وأفغانستان، ثم اختيار المبدع لمهنة يعرف أسرارها وخباياها شيء يعطي مصداقية للعمل، ثم لم يأت إلي ذهني هذه الحسابات وهو الربط بيني وبين البطل وإلا كان خاف قبلي نجيب محفوظ وهو يكتب روايته "اللص والكلاب"، لأن "سعيد" كان لصا، وهكذا.. الجنس يمثل هاجسا ملحا لبعض شخوصك ومن ثم جاءت رؤيتك جريئة تكسيرية، هل أردتَ أن تكونْ بنية العمل تكسيرا للأنساق الروائية أم أن الشكل فرض نفسه كضرورة إبداعية؟ - الحالة فرضت نفسها وليس الشكل، هناك حالة سقوط تتعدد دلالتها، تتراوح بين سقوطين إنسانياً وسياسياً، من يكون نتيجة لمن؟ هذا هو الجدل الكبير، حينما يكون البطل سقط أخلاقيا بقيامه بعلاقة جنسية مع حبيبته التي تزوجت في الأردن، فالسؤال الأكبر لماذا لم يلتق مع حبيبته في وطنه والتقاها سرقة في الغربة؟ أما سقوط البطل وجد التي أحبها البطل طاهرة في عمان والتقاها عاهرة في طهران بعد سقوط العراق، هنا يؤكد الراوي وجهة نظره، وقراءته لمعادلة السقوط السياسي والإنساني بمقولة "خلف كل امرأة ساقطة مدينة ساقطة، وخلف كل مدينة ساقطة حاكم خائن". احتمال بسيط أن يؤدي السقوط الإنساني إلي سقوط سياسي ولكن الأكيد أن يؤدي السقوط السياسي إلي سقوط إنساني، الذي اعتبره تكسير للأنساق هو الكيفية التي تناولت من خلالها الجنس، فتناولي هو تناول صوفي للجنس بمعني أن هناك تلاقي الأرواح وليس تلاقي الأجساد. مثلما تتعامل مع التابو الجسدي بشكل جريء تتعامل مع التابو السياسي في روايتك.. فما موقفك من التابو الديني؟ - التابو الديني تناولته وكان حاضرا في الرواية، بالعكس كانت هناك رؤية تنبؤية أكدت الأحداث، أعني تحول السرد من الرصد إلي التنبؤ.. اقصد هنا الموضوع الديني وخصوصا الشيعي السني أكبر تابو في رأي حاليا، ولكن جاء ذلك شفافا غير مباشر، فأكثر قصة حب مؤثرة جاءت بين زهوة السينية ومحسن الشيعي، جاءت بين الفالوجه الباسلة ومدينة الصدر، ثم محاولة الاعتداء علي البطل في حي دولة آباد في طهران بحجة أن البطل سني يكره ويقتل الشيعة، ثم النبوءة في الرواية تمثلت في المقولة "نحن أمام سايكس بيكو جديد يدل من تقسيم في الحدود إلي تقسيم في العقول، شيعي سني، ماروني، بهائي وغيرها". الخيمة تعاملت مع الخيمة رمزيا وقلت "كل خيمة مرهونة بخيبة" لذا ربطها البعض بخيمة غسان كنفاني في راوية "أم سعد" وجملته الشهيرة "خيمة عن خيمة تفرق" ما تفسيرك لذلك؟ - الربط بيني وبين غسان كنفاني أو بني وبين أي كاتب ومبدع هو من حق من يري هذا الربط، الخيمة في حالة سقوط خيمة خاصة مختلفة وجديدة ولم يتناوله أحد، وهي خيمة المطرودين من الفالوجة في ساحة جامعة بغداد، ثم هي خيمة متحدية؛ ففيها قررت الزهوة الزواج من محسن المعوق، وشهدت دمار ما بقي من حلم حين وقع الانفجار في العرس وماتت "وجد" واحترقت زهوة.. وهنا جاءت المقولة التي أعتز بها "في عالمنا العربي كل خيمة مقرونة بخيبة". رغم كون "حالة سقوط" أول رواية عربية تدور أحداثها في طهران ورغم جودة الطرح فنيا إلا أنها لم تحدث الصدي المرجو.. ما تعليقكم وما هي الأسباب من وجهة نظركم؟ - علينا أن نحدد الصدي المرجو، إن كان أعلي نسبة مبيعات فهي لم تحقق وذلك يعود إلي سوء الحظ مع ناشر جديد ، لكن عزائي هو رأي العديد من النقاد والدراسات التي تمت عن الرواية واختيارها ضمن خمس روايات مؤثرة وتدريسها في جامعة حلوان. موت القارئ عندما تكتب هل تفكر في المتلقي؟ وأيهما يهمك أكثر القارئ أم الناقد؟ - الاثنان اهتم بهما الناقد والقارئ لامبدع بدون عمل إبداعي ولاعمل إبداعياً بدون متلقي قارئ، والعلاقة بين القارئ والعمل الإبداعي لا تتضح وتفك شفراتها إلا عبر ناقد نزيه، بالتالي الكل في رأسي وفي اهتمامي، ولكن لا توجد قصدية في تحديد القارئ، لأن هناك قارئاً عاماً مقلقاً، فنحن نكتب لقارئ مجهول أو مغيب الآن، وهناك من يردد لماذا نكتب طالما هناك موت للقارئ؟ أنا أكرر مقولة الأستاذ ادوار الخراط "أنا اكتب لمن يقرؤني أيا كان من يقرؤني". لك تجارب أخري غير الرواية كإصداراتك في المسرح والقصة وتجارب السيناريو .. فلماذا انصرف الورواري عن هذه الأنماط الإبداعية؟ - لدي إصدارات وصلت إلي أربعة عشر كتابا ما بين مسرح وقصة قصيرة ورواية، ولكن هناك جنس لدي قتلوه في الخارج فأجلته في الداخل وهو المسرح، فتوقفي عنه نتيجة إحباط وصل إلي درجة اليأس من الحالة المسرحية المصرية والعربية، وأصدرا لي اتحاد كتاب العرب والهيئة العامة للكتاب نصوصا مسرحية. بالنسبة للقصة فلدي ثلاث مجموعات منشورة، استطيع أن أقول إنني ركزت لمدة خمسة أعوام في القصة القصيرة، وأجريت تجريبا جريئا في الشكل والمضمون، حتي صدرت مجموعة "اجتياح" من دار الآداب بيروت، واعتبرت هذه المجموعة حالة خاصة في القصة القصيرة العربية لدرجة بعض النقاد قال هناك قصة قصيرة قبل اجتياح وبعدها. أي الفنون أحب إليك؟ أو من مجمل أعمالك أي النصوص أقرب إلي الورواري؟ - كلهم أبنائي، أنا محصلة هذه الأعمال وكل عمل حمل شيئا مني من روحي ،ولكن أقول آخر العنقود أقرب، حالة سقوط هي رواية بنت زمنها وبيئتها، هي رواية موسوعية لم تأخذ حقها في الشهرة ولكن أنا واثق ثقتي في الله أنها ستأخذ حقها لأنها استطاعت أن تشمل وتغطي الرقعة العربية بكل سقوطها وأمراضها بلغة خرجت من عباءة الرومي وابن عربي والنفري. ما مشاريعك القادمة؟ - مشاريعي القادمة "سينمائية"؛ فلدي أربعة أفلام روائية كتبتها علي مدار السنوات الماضية، آخرها فيلم "جدي" انتهيت منه مؤخرا وهناك حديث مع عدد من السينمائيين علي تنفيذه، وبمجرد الانتهاء منه كسيناريو وحوار سأبدأ فيه كرواية وهذه سابقة جديدة أن يتحول فيلم إلي رواية رغم أن العرف جري علي تحويل الروايات إلي أفلام.