الفيلم استغل التسامح الرقابي فأطلق المخرج العنان لكاتب السيناريو والحوار ليشنف آذاننا بحوارات جنسية حول العلاقات بين الرجل والمرأة أغلب مشاهد الفيلم تم تصويرها في أماكن ضيقة للغاية صالحة لممارسة الجنس مثل فراش الزوجية، والكباريه بكل عوالمه والبانيو وحمام السباحة إذا كانت هذه هي الأماكن الرئيسية التي دارت فيها أغلب أحداث الفيلم، فإن الحوار الذي تم تبادله فيها مصنوع من أجل الهدف الرئيسي لإخراج الفيلم. وهو إحداث أكبر قدر من الشحن الحسي عند المشاهد تنحصر الأماكن التي تدور فيها أحداث فيلم .. أحاسيس.. في أفق ضيقة للغاية.. صالحة لمارسة الجنس أو كشف أكبر قدر من المباح به رقابياً، وهي: فراش الزوجية، وكباريه بكل عوالمه، وبانيو للاستحمام عقب الفعل الجنسي، وحمام سباحة، وأحياناً مائدة يجلس حولها شخصان يتكلمان في الغالب حول العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة. وأري أن أبدأ الحديث بهذه النقطة الأخيرة، حيث امتلأ الفيلم بهذه الأحاديث الجريئة، حول الضعف الجنسي تارة، والبرود تارة أخري، وعدم ترك الشفاة للزوج كي يقبلها كما يحل له تارة ثالثة، والأكثر هو الحديث عن نساء قذرات يمكنهن أن يفعلن مع الرجال فوق الفراش، مالا تمارسه الزوجة، ابنة الناس. هذا التناول هو الأكثر إثارة لدي البعض، ولعل ذلك يذكرنا بالجرأة التي اتسم بها فيلم «المغتصبون» لسعيد مرزوق 1989، حيث أن التعبيرات الجريئة التي جاءت في التحقيقات كانت أكثر إثارة للشهوة وللغريزة من مشاهد اغتصاب،كما أن الكثير من البشر يثارون للنصوص الجريئة المكتوبة أكثر من المشاهد المكشوفة، ولعل الدكتور أشرف حسن، يعرف ذلك جيداً، رغم أنني لا أعرف ماذا يرمز حرف الدال هنا، هل هو الطب، أم الدرجة العلمية، لذا فقد امتلأ الفيلم بمثل هذه الحوارات ولعل المتفرج يذكر قصة فيلم «النعامة والطاووس» لمحمد أبو سيف، الذي ظلت الرقابة تمنعه لسنوات طويلة، ثم اكتشفنا أن جرأته في الحوار الذي يدور بين امرأة متزوجة تعاني من البرود وطبيبة نفسية، وفي فيلم «أحاسيس» لهاني جرجس رأينا مثل هذه المشاهد حين تذهب الزوجة سلمي، التي ظلت تستمتع فوق الفراش لأنها تتخيل أن حبيبها الذي هجرها إيهاب هو بديل متخيل عن زوجها، وقد استمر هذا الأمر سبع سنوات علي الأقل. وفي مثل هذه الحوارات يمكن للكاتب أن يقول الكثير مما لديه، دون أن تعترضه الرقابة، ولا شك أن مثل هذه العبارات تشبع الكثير من مشاعر الحرمان، في الصالات السينمائية المليئة بالثنائيات من شباب في مراحل علاقات متباينة يستمتعون، وهم يتلامسون، حين يسمعون الطبيبة النفسية تردد، بين ما يدور من حديث بالغ الجرأة: «الست مهما كانت مديرة أو غفيرة لازم في السرير مع جوزها تكون ست بجد».. ولك أن تتخيل ماذا تعني «ست بجد» هذه. إذن فالمكان الأول هنا، موظف جيداً في الفيلم، لكشف جميع الأحاسيس والشعائر الجنسية، مجرد دائرة، وحولها طرفان، يتحدثان عن الجنس، وقد تكرر مثل هذا المشهد كثيراً في الفيلم، أي أن المكان هنا فرض نوع الحوار فبدا أشبه بفراش ساخن، مثل أغلب الفراش في الفيلم. هذا الفراش المتعدد جمع نماذج متباينة من الثنائيات التي لديها العديد من المشكلات، أو من التسهيلات المتعلقة بالممارسة بين رجل وامرأة، سواء بشكل شرعي أو غير ذلك، ونحن في الفيلم أمام ثلاثة رجال وأربع نساء والعلاقات بينهم، أشبه بسلاسل مربوطة معا فأحمد زوج سلمي يمارس الجنس مع امرأته، وهي تتخيله حبيبها إيهاب، والزوج بدوره علي علاقة مع امرأة أخري، سواء في فراشها، أو في حمامات السباحة، وفي أماكن أخري، وكذلك العلاقة بين مجدي وزوجته وبين زوجات يقمن بخيانة أزواجهن.. كل هذه العلاقات تنحصر في الفراش في المقام الأول.. وفي الفراش، فإن الفعل «بديل للكلام» وتبدو الأفعال مليئة بالبرود، وعدم التواصل أحياناً، وهي ساخنة في أحيان أخري، والبشر في هذا المكان- الفراش- متلاصقين في المقام الأول، حتي أن علت مشاعرهم السخونة أو البرودة، وهناك إيحاء بأن بعض النساء، خاصة غير المتزوجات يفعلن مع الرجال كل ما هو جريء ومقرف من الأوضاع. المكان الثالث البارز في الفيلم، له ارتباط واضح بالفراش، وهو البانيو، وما يجري فيه ونحن لم نر المكان هنا كفعل للمارسة، ولكنه مغتسل من هذه الممارسة سواء الإحساس بالخطيئة أو التكفير عن ذنب ما، حتي وإن تمت الأمور بشكل شرعي.. وقد ذهبت سلمي كثيراً إلي هذا المكان، وبالغت الكاميرا في تصوير الجزء الأسفل منها، وهي تغتسل بعد الممارسة، كما أن عشيقة أحمد جسدت الدور إيناس النجار، كما ذهبت بدورها للاغتسال، ولا أعتقد أن الإحساس بالخطيئة قد اعتراها وهي تغتسل. وقد اعتدنا أن نري الاغتسال في بعض السينما العالمية كنوع من التطهر وبدا ذلك ملحوظاً في الكثير من أفلام المخرجة الجريئة مارتا ميساروش، حيث أن الاغتسال غالباً مرتبط بأمرين إما التطهر، أو التخلي عن علاقة سابقة، وإعلانا عن الاستعداد لعلاقة إنسانية جديدة، لكن الاغتسال هنا، كان في أغلبه كشف عن مفاتن كل من علا غانم، وإيناس النجار. الأماكن الأخري الرئيسية في الفيلم، هي أكثر اتساعاً، لكنها أيضاً مرتبطة بالمتعة الحسية، الملموسة، مثل الملهي الليلي الذي تكرر ظهوره أكثر من مرة وأيضاً حمام السباحة، الذي ترتدي النساء حوله أسخن البيكيني في السينما المصرية. الملهي الليلي يذهب إليه أبطال الفيلم من الرجال لمشاهدة الراقصات العاريات الكاسيات والغريب أن الراقصات هنا يفتقدن موهبة راقصات السينما اللائي ألفناهن وتتحول أجسادهن إلي بث جنسي ملحوظ، وهو أمر لم تتعامل الكاميرا معه منذ فترة طويلة، وهذا الرقص ممزوج بتناول الكحوليات، ووجود رجال يبحثون عن المغامرة، أغلبهم من الأزواج، وهذا الرقص ممزوج أحياناً بأغنيات ثقيلة علي الأذن من أصوات غير مألوفة رغم أن الشاعر جمال بخيت هو الكاتب، وهؤلاء الراقصات تحولن في جزء من الفيلم إلي عشيقات لهؤلاء الرجال المتزوجين ، وقد مارسن الحب الساخن مع هؤلاء الرجال كنوع من التعويض عن البرود، أو عدم التآلف مع الزوجات. أما حمامات السباحة، الموجودة في الفنادق الكبري، فقد كانت أماكن مناسبة لارتداء مايوهات بيكيني ساخنة، من أغلب بطلات الفيلم، ابتداء بالزوجة سلمي «علا غانم» الذي تعمد الفيلم أن يصورها مشهداً طويلاً غير مبرر، وهي بالبيكيني. وإذا كانت هذه الأماكن الرئيسية التي دارت فيها أغلب أحداث الفيلم، فإن الحوار الذي تم تبادله فيها مصنوع من أجل الهدف الرئيسي لإخراج «أحاسيس» وهو أحداث أكبر قدر من الشحن الحسي لدي المتفرج، بمعني أن الأمر تم بتكثيف ملحوظ، فكأنما النص السينمائي هنا، بمثابة جرعات متلاحقة لإثارة الشهوة، وسواء بالصورة أو بالكلام، كأن تتحدث سلمي إلي صديقتها عن علاقتها بزوجها، قائلة: «ما حستش وهو في عز نشوته، قرب عشان يبوسني». وأيضاً كلام امرأة أنها قد غلبها النوم أثناء الممارسة لكن الزوج لم يحس بأن زوجته قد غابت في النوم وأكمل واجبه الشرعي. وبالإضافة إلي الأماكن السابقة، فإن هناك أماكن أخري، لم تكن رئيسية، مثل السيارات التي جمعت بين امرأة ورجل ومارس الاثنان الحوارات إياها، أي أن الأحاسيس الجنسية كانت هي الأساس، ولم يسمح لنا الفيلم أن نري أي جانب إنساني آخر، رئيسي من أي من هؤلاء النساء خاصة الأمهات فقد غابت مشاعر الأمومة تماماً عند سلمي، التي صار لها ولد وبنت في بيت مستقر إلي حد ما.. ولم تحاول المرأة أن تمارس أمومتها علي الأقل أمامنا. أما المكان الأخير في الفيلم، فهو المستشفي الذي مات فيه إيهاب، وذلك بعد العملية الجراحية التي أجراها في المخ، وقد تحول المكان هنا، إلي ما يسمي بصخب النحيب والبكاء، باعتبار أن الميت هو أعز صديق لمجدي، وهو حبيب القلب لأكثر من امرأة خاصة سلمي، ا لذي عاد الحب بينها وبينه بعد سبع سنوانت من فراق بإباء وشمم ثم بشكل بارد حين أخبرها أن ظروفه الاجتماعية لن تسمح له بالإقتران بها، فقالت بإباء وشمم وبشكل ساذج، «إذا كنت مش عايزني، أنا كمان مش عايزاك». وتركت له المائدة وذهبت كي تتزوج من رجل آخر وكلما مارس معها حقه الشرعي، تصورته حبيبها الذي قالت له بإباء وشمم وكبرياء عبيط: وأنا كمان مش عايزاك. المستشفي أوالمكان الأخير صورها الفيلم كمبكي لكل هؤلاء العشاق وكنوع من الاغتسال بالبكاء، والنواح علي الشاب الذي مات، ولم يشأ أن يتزوج من حبيبته إلاأنه كان مريضاً في المخ، واستمر معه الورم سبع سنوات ونيف. قرأنا فيلم «أحاسيس» فقط من خلال أماكنه التي صور فيها، رغم أن موضوعه يفتح أبواباً عديدة للنقاش والتناول.