برغم قصر عمرها في عالم الصحافة لكنها تركت تأثيراً وبصمة واضحة في بلاط صاحبة الجلالة فحاولت أن تكون اسماً علي مسمي وهو "البديل". يحسب للبديل اهتمامها بقضايا النساء وأخذ ذلك أشكالا مختلفة منها نشر العديد من الموضوعات المتعلقة ب ( قضايا العاملات -الأحوال الشخصية - التحرش الجنسي ). كما كان هناك تمثيل ملحوظ للنساء في قيادات الصحيفة فعلي سبيل المثال شغلت الكاتبة الصحفية كريمة كمال مواقع مثل الإشراف علي صفحات المجتمع ثم مستشار تحرير للصحيفة وكانت أول صحفية ينشر لها مقال يومي. وقد عكست الدعوة التي وجهها الراحل د/محمد السيد سعيد رئيس تحرير البديل الأسبق في أحد مقالاته للمنظمات النسائية والناشطات للكتابة في البديل هذا التوجه القصدي للنساء وهذا ما أكدت عليه نولة درويش رئيسة مؤسسة المرأة الجديدة وأشارت إلي أنه كان لهذه الدعوة صدي ايجابي وحمست عدداً من الكاتبات هي من بينهن علي نشر مقالات لهن في "البديل" تجدر الإشارة إلي أن الدراسة التي أعدها د/محمد السيد سعيد حول السياسة التحريرية للبديل عند تأسيسها خصص جزءًا منها لكيفية تعامل وتناول الصحيفة لقضايا النساء. تقرير صادر عن مؤسسة المرأة الجديدة أعدته وفاء كمال رصد مضمون صفحة الرأي في جريدة البديل خلال الفترة الزمنية من (1/8/2008) إلي (31/1/2009) وضمت العينة 1046 مقالاً لكاتبات وكُتاب رأي. أشارت الراصدة إلي تطور صفحة الرأي بجريدة البديل و التي مرت بشكلين مختلفين؛ فمنذ صدور العدد الأول للجريدة كانت الصفحة تشمل بريد القراء والكاريكاتير بجانب مقالات الرأي مما لا يتيح المساحة الكافية للمقالات، وبعد ذلك تم تطوير الصفحة فأصبحت تحتوي علي مقالات الرأي والكاريكاتير فحسب، وازداد عدد المقالات بالصفحة، واتضح توجه الجريدة ومسئولي صفحة الرأي باهتمامهم بمراعاة النوع الاجتماعي في دعوتهم لكاتبات للكتابة بالصفحة، ولوحظ أيضا إتاحة الفرصة والحرص علي التنوع لتمثيل أكثر من تيار ووجهة نظر. «التحرش» في المقدمة فيما يخص مشاركة النساء بالكتابة في صفحة الرأي فبلغ عدد مقالات الرأي (166) مقالاً بنسبة تمثل حوالي (16%) من إجمالي عدد المقالات المنشورة خلال فترة الرصد، وعلي الرغم من أنها لم تتعد خُمس ما كتبه الكُتاب الرجال، فقد استطعن ترك بصمة، وتحسين الاستفادة من تلك المساحة المتاحة لهن، فإلي جانب حصول النساء علي فرصة لإبداء رأيهن تجاه قضايا الحياة المتعددة بشكل عام وقضايا النساء بشكل خاص قمن بالرد علي مقالات يكتبها رجال، أي مواجهة الرأي بالرأي وعرض أكثر من وجهة نظر كما اهتم الكُتاب بالرد علي مقالات الكاتبات أيضا. توصل التقرير إلي نتيجة مهمة، وهي أن نسبة مقالات الكاتبات الخاصة بقضايا النساء تبلغ 29% (بواقع 49 مقالاً) من إجمالي ما كتبن، أما نسبه اهتمامهن بالقضايا الاجتماعية الأخري والتي تنوعت مابين سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها من القضايا فبلغت (70%) (117 مقالاً)، ويشير ذلك إلي انخراط الكاتبات في المجتمع، وشعورهن بمسئوليتهن في تغييره، كما يدل علي عدم تقوقع الكاتبات في هموم الدفاع عن قضايا النساء فحسب. وقد استحوذت قضية التحرش علي أكبر نسبة من مقالات الكاتبات الخاصة بقضايا النساء، جاء في الترتيب التالي لها قضية تمكين المرأة، ثم تساوت بعد ذلك نسبة المقالات الخاصة بالعمل مع المقالات الخاصة بالحجاب و أخيراً علاقة الدين بالنساء. وهنا يحسب لبعض الكاتبات خوضهن لمناطق شائكة مثل علاقة الدين والمجتمع بالمرأة وجسدها، وإن جاء هذا بنسبة صغيرة ومن أجرأ تلك المقالات واحد بعنوان (علي كل لون يا فتوي .. والمرأة هي الخاسر الأكبر) والذي تناول ما يسمي بموسم الفتاوي وإجابات الشيوخ علي المتسائلين "بإجابات تظلم المرأة وتدخل الشيوخ أنفسهم في خصوصيات يجهلونها"ومقال آخر بعنوان (الطفولة حين يجري اغتيالها في مصر) يتحدث عن ظاهرة تحجيب الفتيات في سن الطفولة. هناك أيام خلت فيها صفحة الرأي تماماً من الأقلام النسائية وبلغت نسبتها حوالي (19%) من إجمالي أيام النشر وهي نسبة كبيرة، ولم تتساو ولو لمرة واحدة خلال الفترة الزمنية للعينة عدد مقالات الكاتبات والكتاب بالصفحة نفسها. أما فيما يخص المقالات التي تتناول قضايا النساء بصرف النظر عن جنس كاتبها فجاءت علي النحو التالي: لم تتجاوز نسبة المقالات التي تتناول قضايا النساء 7.5% (76 مقالاً) من مجموع المقالات بشكل عام، منها حوالي 5% (49 مقالا) كتبتها نساء والتي جاءت في معظمها منصفة للنساء، وما يقل عن 3% كتبها رجال. وتعتبر هذه النوعية من المقالات بمثابة نقطة مضيئة توحي ببعض الأمل، حيث تعاملت تلك المقالات مع قضايا النساء باعتبارها جزءاً من قضايا مجتمعية ولم تتحدث عنها بشكل منفصل. وكما ذكرنا أن مقالات الكاتبات التي تناولت قضايا النساء تكاد تكون جميعها منصفة للمرأة، وجاءت منصفة أيضاً معظم مقالات الكُتاب التي تناولت قضايا النساء إلا أن بعضها جاء سلبيا. ما يلفت النظر أن نسبة تناول الرجال لقضايا التحرش الجنسي والاغتصاب بشكل عام جاءت مرتفعة إلي حد كبير، ويشير ذلك إلي أن الكُتاب الرجال يتفاعلون مع قضايا النساء المرتبطة بجسد المرأة وشرفها أكثر مما يتفاعلون بالكتابة مع القضايا التي تتعلق بعقل المرأة (مثل المشاركة السياسية). جرأة وعمق أظهر رصد صفحة الرأي بجريدة البديل جرأة بعض الكاتبات في مناقشة القضايا التي تمس النساء، وقدرتهن علي التعبير عن الموضوع بعمق ومصداقية؛ فلم يكتفين بالحديث السطحي، بل قمن ببلورة أفكارهن، وسعين إلي تقديم أساليب للمعالجة، ومن هنا تتضح أهمية كتابة النساء عن قضايا النساء فهن أقدر من يتحدث عن تلك القضايا حيث إنهن جزء منها، ويعانين من تبعاتها. "طرح قضايا النساء علي جدول أعمال الرأي العام من منظور نسوي حقوقي وإثارة الجدل البناء حول قضايا النساء" كان ذلك هو سبب اتجاه إحدي الكاتبات للكتابة بصفحة الرأي وتخصيص مقالاتها لقضايا النساء؛ كما توصلت إلي تصور عن صفحة الرأي وتجربة كتابتها بها وهو "ازدياد الأصوات النسائية في صفحة الرأي ومنهن من تطرح آراء من منظور حقوقي نسوي، وتزايد أصوات الرجال الذين يتناولون قضايا النساء وهو مكسب لا يقدر بثمن". كذلك، فإن انتهاج الجريدة أسلوب التشجيع علي تضمين النساء والأصوات التي تدافع عن حقوقهن قد شجع بلا شك مزيداً من الرجال علي الخوض في هذا المجال، ومشاركة النساء همومهن، والسعي إلي توصيل آراء منصفة، ويعد ذلك في حد ذاته من أهم النقاط الإيجابية التي تستحق الانتباه إليها والبناء عليها. اللافت للنظر أن الجمهور كان يتفاعل أكثر مع مقال لكاتب وليس لكاتبة رغم أن كليهما طرح نفس القضية وقد وضح ذلك من خلال ردود القراء علي الموقع الإليكتروني للجريدة. في النهاية أوصي التقرير بأن تعرض كاتبات صفحة الرأي تجربتهن ورؤيتهن في الكتابة، وما أضافته إليهن،حتي يتسني لغيرهن الاستفادة من تجاربهن وتصورهن فيما يخص الكتابة حول قضايا النساء وغيرها من القضايا ربما يكون حافزاً لأخريات غيرهن علي خوض التجربة.