من الأمور الملاحظة والجديرة بالإشارة إليها ، تزايد اهتمام المثقفين بالمؤتمر المزمع عقده في مايو القادم ، حيث تزايدت الأفكار والمقترحات والتصورات حول هذا المؤتمر إعداداً،وتنظيماً ، وما ينبغي أن يكون محور اهتمامه من قضايا. وهذا الاهتمام إن دل علي شيء فإنما يدل علي الإدراك الواعي من جانب مثقفي مصر بخطورة اللحظة التي يعيشونها ، وتعيشها الثقافة بمفهومها الواسع والشامل لكل الأنساق والمنظومات والمجالات . وفي هذا السياق نطرح بعض الرؤي والأفكار ، التي تتكامل مع ما طرح حول هذا المؤتمر الذي نري أهمية - بل وضرورة- عقده في هذه اللحظات الحاسمة من تاريخ الأمة . ويتلخص ما نود طرحه في الآتي : 1- أن يكون هذا المؤتمر ذا صبغة قومية بمعني أن تشارك فيه مختلف المؤسسات والهيئات ذات الارتباط بالمجالات الثقافية ،إبداعا وإنتاجا ،وتلك المهتمة ببناء الإنسان وتكوينه، وتشكيل وعيه ، وفي القلب منها المؤسسات التعليمية والإعلامية. 2- أن يتم التناول للثقافة من منظور الأبعاد الزمنية الثلاثة : الماضي والحاضر والمستقبل، من منطلق الترابط والتلاحم بين هذه الأبعاد وضرورة النظر إليها ، علي أنها تشكل امتداداً راسياً متصلا تتوالي فيه الأحداث ، وتندفع للأمام متوجهة نحو المستقبل ، فثقافة الماضي تفعل فعلها في ثقافة الحاضر، وهذه بدورها تحدد ثقافة المستقبل. 3- إنه في تناول ماضي الثقافة فإنه يجب علينا تحليل هذه الثقافة ، استهدافا لتحديد ما بها من ايجابيات يمكن الإفادة منها، ومن سلبيات يمكن تجنبها ، بل ومواجهتها . ومن قبل ومن بعد تحديد مدي تأثير الماضي في حاضر الثقافة التي نعيشها. 4- إنه في تناول حاضر هذه الثقافة فإنه يجب علينا التناول وبكل موضوعية عشرات المجالات وفي القلب منها : - واقع تخلف مجالات الثقافة ومؤسساتها والظروف والتوجهات التي تعمل من خلالها. - الوضع الثقافي في الأقاليم وفي القري وفي النجوع والأحياء الشعبية. - عملية الاختراق الثقافي من جانب التيارات الدينية والإيديولوجية للمؤسسات التعليمية والدينية وفي القري والكفور والنجوع. - المؤسسات التعليمية بكل منظوماتها ومناهجها، ومعلمين ومتعلمين . - ميديا الإعلام بكل ألوانها وأنواعها وتوجهاتها. - مدي اختراق السياسة والاقتصاد للثقافة . - وضع المثقفين في النقابات والهيئات ومؤسسات المجتمع المدني. 5- كما أنه في تناول حاضر هذه الثقافة علينا أيضا التناول وبكل موضوعية للعديد من القضايا وفي القلب منها : - الأبعاد الثقافية للخطاب الديني . - الأبعاد الثقافية لممارساتنا الاجتماعية وحياتنا اليومية. - قضايا اللغة العربية والهوية الثقافية . - قضايا المواطنة والوحدة الوطنية من منظور ثقافي. - مدي تقبل الثقافة السائدة للعلم والمعرفة ، وأهم المعوقات التي تحول دون وجود ثقافة علمية في عصر العلم والتكنولوجيا. 6- وأخيرا علينا ونحن نخطط لمستقبل هذه الثقافة أن نأخذ في الاعتبار - وكما سبق ان اشرنا- كيف يمكن الإفادة من ثقافة الماضي ، وما قد يكون هناك من جوانب ايجابية في ثقافة الحاضر، وفي الوقت نفسه كيف يمكن تخفيف أخطار وخطايا ماضي الثقافة وحاضرها. كما يجب علينا التوصل إلي توصيات محددة تتصف بالإجرائية والعملية، وتحويل هذه التوصيات إلي سياسات واستراتيجيات يتم تبنيها من جانب المؤسسات التشريعية والتنفيذية ، حتي تتحول من مجرد توصيات وسياسات إلي واقع ملموس في مختلف الميادين والمجالات والمؤسسات المعنية بهذا الأمر. وفي الختام علينا أن ندرك أننا نعيش وبكل المقايسس ردة فكرية، إن لم يكن وضعا ثقافيا كارثيا . ولا خلاص لنا من هذا الوضع إلا بالمواجهة الحاسمة لكل أشكال الجمود والتخلف والتي تحاول الارتداد بنا إلي الوراء قرونا طويلة، لا في عصور الحضارة والازدهار، وإنما إلي عصور الجمود والتخلف، وهذا لا يمكن قبوله في عصر العلم ومن قبل ومن بعد لا يليق بمصر التاريخ والحضارة.