وفد من جامعة عين شمس في زيارة لجمعية المحاربين القدماء    مدير التأمين الصحي بالشرقية يتفقد وحدة الكلى بمستشفى المبرة    إعلان الكشوف النهائية للمرشحين بنقابة الصحفيين الفرعية بالإسكندرية اليوم    ضمن مبادرة "بداية جديدة".. لجنة أزمات بيت العائلة المصرية بأسيوط تنظم ندوة ترسيخ الهوية الوطنية    البورصة المصرية تستهل تعاملاتها بتباين جماعي لكافة المؤشرات    طاقة الشيوخ توافق على خطة عمل دور الانعقاد الخامس    كيف حدد القانون شروط التمويل العقارى    الإسكان تكشف تفاصيل ملف مصر لجائزة أفضل مشروع سكني عربي    رينو تكشف عن سيارتها 4 E-Tech Electric الكهربائية    وزير الدفاع اللبناني: نتمسك ببقاء القوات الدولية في الجنوب    40 قتيلا وجريحا بضربة روسية على إدلب السورية    اتحاد الكرة: مكافأة خاصة للاعبي منتخب مصر.. وسنتأهل إلى كأس العالم    حصاد محمد صلاح في الدورى الإنجليزى قبل الجولة الثامنة.. 8 مساهمات تهديفية    وفاة شخص وإصابة 12 آخرين في تصادم على "صحراوي الواحات"    السكك الحديدية تسلم قائد قطار للشرطة بعد ثبوت تعاطيه المخدرات    تحرير 5 محاضر ل«مخالفات تموينية» في حملات على أسواق قلين بكفر الشيخ    تجديد حبس عامل متهم بالتحرش بطفلة في بدر    تعيين أحمد غنيم رئيساً تنفيذياً للمتحف المصري الكبير    وفاة والد الفنان مصطفى هريدي.. والجنازة في المهندسين    "المال الحرام".. أحمد كريمة يرد على عمر كمال والأخير يعلق    من هو رئيس المخابرات العامة الجديد خليفة عباس كامل؟    جامعة سوهاج تستضيف خبيرًا عالميًا في جراحات القلب    تداول 12 ألف طن و730 شاحنة بضائع بموانئ البحر الأحمر    المندوه يحفز لاعبي الزمالك والجهاز الفني قبل السفر للإمارات    موعد مباراة الأهلي وسيراميكا في كأس السوبر المصري    «إنت بتأذي ابنك».. رسائل نارية من شوبير إلى ياسر ريان    التابعي: الأهلي يخسر أمام سيراميكا في هذه الحالة.. ورحيل زيزو عن الزمالك "مرفوض"    أحمد عيد يطير إلى المغرب للانضمام لمعسكر المصرى استعداداً للموسم الجديد    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    الري تطلق الحملة القومية "على القد" للحفاظ على المياه    محافظ أسيوط يتفقد مدرستي الجامعة الثانوية بنات والجامعة الإعدادية المشتركة    وزير الري يلتقي مدير مكتب مصر ببرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية    "صرف الإسكندرية" تعلن حالة الطوارئ استعدادًا لأول نوة    بالمستند... التعليم: مهلة أخيرة لتسجيل بيانات الحقل التعليمي حتى 20 أكتوبر    أخوة وشراكة.. آخر مستجدات تطوير العلاقات الاقتصادية المصرية السعودية    البنتاجون: أوستن ناقش مع نظيره الإسرائيلي خطوات معالجة الوضع الإنساني في غزة    محمد هنيدي يكشف أسرار مشواره الفني مع أنس بوخش    حفلات ال"ويك إند".. ريهام عبد الحكيم وتامر عاشور وأحمد سعد ومدحت صالح بالأوبرا وحمزة نمرة بأمريكا    قائد الحرس الثوري الإيراني يتوعد إسرائيل في جنازة عباس نيلفروشان: الوعد الصادق 2 مجرد تحذير    انفوجراف.. الأزهر للفتوى: تطبيقات المراهنات الإلكترونية قمار محرم    خبير: هجمات 7 أكتوبر أدت لتصدع نظريات الأمن والردع الإسرائيلي    بالمستند.. التعليم توجه المديريات بصرف 50 جنيهًا للحصة لمعلمي سد العجز    توقيع الكشف الطبي على 1260 حالة بالمجان خلال قافلة بمركز سمالوط    وزير الصحة: اعتماد البرنامج العلمي لمؤتمر السكان والتنمية من المجلس الصحي المصري    رئيس جامعة القاهرة يوجه بسرعة إنجاز الأعمال بالمجمع الطبي للأطفال    جدول ترتيب هدافي دوري روشن السعودي قبل انطلاق الجولة السابعة    صرف الإسكندرية: رفع حالة الطوارئ استعدادًا لأول نوة    نتنياهو يوافق على مجموعة أهداف لضربها داخل إيران    وزير الري يشهد إعداد مشروع إقليمي في مجال التحلية للإنتاج الكثيف للغذاء    تقسيم ذهب الأم بعد وفاتها: الأحكام الشرعية والإجراءات    طرح البرومو الرسمي لفيلم "آل شنب".. وهذا موعد عرضه    بايدن يقدم مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا ب 425 مليون دولار    هل يجوز تأدية صلاة الفجر بعد شروق الشمس.. الأزهر يوضح    5 أدعية نبوية للحماية من الحوادث وموت الفجأة.. بعدانقلاب أتوبيس الجلالة وقطار المنيا    أول تعليق من نجوى كرم بعد أولى حلقات «Arabs Got Talent».. ماذا قالت؟    عاجل.. تركي آل شيخ يعلن عودة يوسف الشريف للدراما بعمل درامي ضخم    إصابة 6 أشخاص فى حادث تصادم سيارة بتوك توك في أسوان    قوى خفية قد تمنحك دفعة إلى الأمام.. توقعات برج القوس اليوم 17 أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حينما اجتمع علماء الأزهر وتصدوا لثورة الشيخ علي عبدالرازق
نشر في القاهرة يوم 14 - 08 - 2012

يقف المثقف الثوري مواجها الخطر الذي يحوم حول بلاده وأشد أنواع الخطر هو ذلك الانصياع الفكري وراء التقاليد التي باتت باهتة تعرقل عملية النهضة وذلك الميلاد الجديد الناشئ أولا عن الإصلاح الذي لا يأتي إلا من خلال رؤية نقدية لتلك القضايا الشائكة التي تحيط بمجتمعه وتصيبه بالتأخر، حتي إذا ما وجد آفة ذلك اعتزل حتي يتم مبحثه وسط التفكير والبرهان ولم يلبث حتي يخرج علي مجتمعه بنتيجة ربما كانت في بادئ الأمر صادمة ،لا محالة، لما تسببه من انقلاب علي ما هو معروف؛ فصعب هو الرفض للتقاليد والموروثات خاصة التي تمس الدين ويدافع عنها المعطلون والمتعصبون في كل عصر، وتحتاج إلي جهد وإيمان عميق بالثورة والنهضة التي يريدها المثقف الثوري. استطاع الشيخ علي عبدالرازق أن يواجه المجتمع المصري والإسلامي في القرن العشرين بمبحث يعد من أهم الكتب التي نشرت في القرن العشرين، واجه خلالها عناء شديدا وصل إلي حد التكفير والفصل بينه وبين زوجته؛ ولحسن الحظ لم يكن متزوجا حينذاك فضاعت عليهم الفرصة فقد كانت جرأة الشيخ علي عبدالرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام" ظاهرة فذة في تاريخ الجامع الأزهر " مما جعل ردود الفعل في مثل هذه الحدة. واعتبر البعض صدور الكتاب أشد وقعا من قرار مصطفي كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة، لأنه مجرد قرار سياسي لم يستهدف العقيدة مباشرة حسب قول بعض الفقهاء ... أما صنيع علي عبدالرازق فقد كان محاولة للتغيير في أصول الإسلام، ومسلماته. فهو أول كاتب مسلم في العصر الحديث يسعي إلي زرع العلمانية في العقل الإسلامي، وفي واقع المسلمين. ولقد كان أهم ما في هذه المحاولة الوحيدة والفريدة، أنها قد جاءت في صورة إسلامية، ومن عالم أزهري، وقاض في المحاكم الشرعية الإسلامية. لذا ظل كتابه "علمنة الإسلام" كتابا تاريخيا. فيعارض "بشجاعة الآراء المستقرة والمتفق عليها، ولا يتردد في مساءلة أفكار كسبت استمراريتها وانتشارها بسبب التفاف غالبية الناس حولها، خاصة العامة ويفرق بين الحقيقة التاريخية والمنطقية، وبين الآراء السائدة والمجتمع عليها" جاء كتاب الشيخ علي عبدالرازق في فترة عصيبة في تاريخ العالم حيث شهد العالم تغييرات سياسية مع نهاية القرن التاسع عشر، وتحرك التيارات الفكرية مع تلك المتغيرات وأثرت علي الوضع العالمي وظهر في تركيا السيد مصطفي كمال أتاتورك الذي ألغي معاهدة سفير وتوقيع معاهدة لوزان عام 1923 حسب شروطهم ألغيت السلطنة في نوفمبر 1922 وإعلان الجمهورية في تركيا 29 أكتوبر 1923 ورغم أن هذا يعني ضمنا إلغاء الخلافة الإسلامية إلا أن إلغاءها رسميا كان في مارس 1924م، وكان حدثا صاعقا لم يتقبله المسلمون وبدت محاولات بعد ذلك عديدة في الدول العربية لإرجاع الخلافة الإسلامية. وكان السبب الرئيسي والحقيقي وراء سعي الإمارات والممالك الإسلامية آنذاك للخلافة هو طمع ولاة تلك الإمارات وملوك الممالك الإسلامية والعربية لأن تحظي أحدها بهذا اللقب وتلك السلطة المفوضة لذا أقيم " المؤتمر الدائم باسم "المؤتمر الإسلامي العام للخلافة" وأصدر مجلة "الخلافة الإسلامية" كي تدعو لدعوته الرامية إلي مبايعة أحد الملوك والأمراء بخلافة المسلمين، وكان العرش المصري والملك فؤاد واقفا خلف أغلب هذا النشاط ولم يقتصر عمل هذا المؤتمر علي المجتمع المصري، بل تعداه إلي كل المجتمعات التي تدين بالإسلام والذين يتعذر عليهم الاشتراك المباشر في نشاطه كانوا يرسلون إليه وإلي مجلته الرسائل والمذكرات وأحيانا كانوا يرسلون إليه التفويضات وكان القصر يدفع العلماء إلي السعي لتنصيب الملك فؤاد خليفة للمسلمين ؛ حيث نري الأزهر يدعو علماء الدين إلي عقد مؤتمر في القاهرة لبحث موضوع الخلافة الذي قرر أن منصب الخلافة ضروري للمسلمين كرمز لوحدتهم. وأن يجمع الخليفة بين السلطة الدينية والسلطة المدنية. فكان كتاب "الإسلام وأصول الحكم" ضربة مزدوجة إلي الملك والي المؤسّسات الدينية الباهتة. الخليفة جاء كتاب الشيخ علي عبدالرازق مساهمة منه في هذا الحوار. ودارت مشكلة مبحثه حول: هل منصب الخليفة ضروري للمسلمين بل هل هناك نظام الحكم في الإسلام وممن يستمد الخليفة سلطاته من الله أم من الأمة؟ فقد كان "يبحث في الخلافة ويدحضها باعتبارها بدعة تنتسب إلي جوهر الدين الإسلامي في كثير أو قليل، ولكنه إلي جانب ذلك يعرض للحكم الملكي، فيدينه، ويفضح حقيقته الاستبدادية، ويحذر من مغبته علي حياة الناس المعيشية والفكرية علي السواء. علي أن الكتاب فضلا عن ذلك دعوة جهيرة واعية إلي الأخذ بالحياة المدنية المتحضرة التي تقوم علي استلهام روح الفكر العلمي، والخبرة الإنسانية العلمية" ثار حول كتاب الشيخ علي عبدالرازق "الإسلام وأصول الحكم" معارك فكرية، فلم يكن أحد يظن أن ما سيحدثه هذا الكتاب من انقلاب واختلافات، حقا هو يناقش قضية مهمة شائكة لا محالة غير أن دستور 1923م الذي لم يلبث علي تأليفه بضع سنين ينص علي حرية الرأي والتعبير لكن الأمر جري مخالفا لذلك فقد باتت محاكمة الشيخ أمرا جديا في بعض الأوساط . فانقسم المفكرون المصريون في ذلك الوقت بين مؤيد للكتاب وآخر معارض وساخط عليه ومن أهم هؤلاء الساخطين الشيخ محمد الخضر حسين الذي كتب كتابا في الرد علي الشيخ علي عبدالرازق بعنوان " نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم" وفيه انتقد الشيخ علي عبدالرازق وأعلن تغريبه لأن الشيخ علي عبدالرازق تصور تصورين للحاكم في نظر علماء الإسلام، أحدهما - هو مذهب الجمهور في رأيه- يري الحاكم ذا سلطان مستبد. ويبصر الإسلاميين - في هذا الادعاء، فيقول إن الذي يؤخذ بطريق الاستنتاج أن علي عبدالرازق كون للمسلمين مثلهم، ولما لم يجد في كلام أهل العلم عن الخلافة ما يوافق أو يقارب القول بأن سلطان الخليفة مسمتد من سلطان الله تلمسه في المدائح من الشعر أو النثر، كما استند إلي آراء المستشرق الإنجليزي توماس و. آرنولد أووند كذلك موقف الشيخ علي عبدالرازق من النبي بأنه مبلغ فقط ولم يكن له أي سلطة أخري. واستشهد الخضر حسين ببعض المستشرقين أمثال روبودان وكذلك أدلف فريديريك وغيرهما. ويري محمود أمين العالم "أن كتاب الشيخ محمد الخضر حسين، كان يغلب عليه التملق للملك فؤاد والتأييد لملكه، ولم تكن حجته في معارضة كتاب الشيخ علي عبدالرازق، علي مستوي لائق من التماسك والعمق" . بل يجزم البعض ومنهم الشيخ المفتي محمد بخيت المطيعي أنه علم من الكثيرين ممن يترددون علي الشيخ علي عبدالرازق أن الكتاب ليس له فيه إلا وضع اسمه عليه فقط فهو منسوب إليه ليجعله واضعوه من غير المسلمين ضحية هذا الكتاب وألبسوه ثوب الخزي والعار إلي يوم القيامة وشهّروا به عند العقلاء تشهيرا لا يرضاه لنفسه أي عاقل الأحزاب السياسية كما استغلت الأحزاب السياسية ذلك الموقف فنري حزب الاتحاد مناهضا لفكرة الشيخ علي عبدالرازق -علي الرغم من علاقته بحزب الأحرار الدستوريين الذي كان موجودا آنذاك في نفس الوزارة الائتلافية مع حزب الاتحاد - ومن المعروف أن حزب الاتحاد يضم حوله قوي اجتماعية إقطاعية محافظة غير مستنيرة لا تبتغي سوي الحفاظ علي مكانتها ومكانة مليكها ، ولايعني أن تحالف الاتحاديين مع " الأحرار الدستوريين" وائتلافهم معا في وزارة " أحمد زيور باشا" وتعاونهما ضد "الوفد" يعني التقاء فكريا فكريا وبالذات عندما يتعلق الأمر بعدد من المسائل الخاصة بالتحرر الفكري والاستنارة والإصلاح، بالمعني الذي رسخته مدرسة الأحرار الدستوريين الفكرية في المجتمع المصري منذ ظهور تعاليم الشيخ محمد عبده ولطفي السيد وحزب الأمة... ومن بين هذه المسائل " مدنية السلطة والحكومة" . وعلي الجانب الآخر انتصر حزب الأحرار الدستوريين لهذا الكتاب، واستعانوا بكل نظريات تراث الحرية الليبرالية العالمي في تأكيد حق المؤلف في أن يجتهد ودافع الحزب علي صفحات جريدة " السياسة" -الناطقة بأفكار الحزب- والتي يرأس تحريرها محمد حسين هيكل الذي يؤكد في مذكراته أن الأحداث التي مرت إثر نشر كتاب الشيخ علي عبدالرازق - وكان قد أهداه الكتاب- واستحسنه هيكل وكتب عنه في جريدة السياسة وأثني علي الطريقة البحثية التي استخدمها الشيخ في تناول هذا الموضوع الشائك فهو كتاب لم يتجاوز التدليل علي فكرة اقتنع بها صاحبها، وأورد علي صحتها مختلف الأسانيد. فلو أنه كان مخطئا لكان أكبر جزائه أن يتصدي له من يرد عليه، ومن يفند حججه وأسانيده، ومن يدلل علي أن الخلافة أصل من أول الحكم في الإسلام ولم يتردد هيكل في إثبات رأيه في (جريدة السياسة) وفي الدفاع عنه بكل قوة فهو لايفهم محاكمة رجل من أجل رأيه، وبخاصة إذا كان هذا الرأي موضع نقاش وأخذ ورد . واتخذ حزب الوفد موقفا بعيدا عن السياسة وألاعيبها فعلي الرغم من الخلافات السياسية التي بين الأحزاب إلا أن أصوات مثقفيه ومفكريه تدافع وتنتصر لحرية الرأي وحق علي عبدالرازق في التفكير والتعبير...ورأوا في محاكمته والحكم عليه مسألة سياسية نسجت خيوطها أصابع السراي التي تعبث بالدستور، لا مسألة دينية، كما حاول أن يصورها البعض غير أن سعد زغلول، زعيم الوفد، كان شديد التعصب ضد الكتاب وناقما علي مؤلفه وما فيه من آراء بل وصف الشيخ علي عبدالرازق بأنه "جاهل بقواعد دينه، بل والبسيط من نظرياته،وإلا كيف يدعي أن الإسلام ليس مدنيا، ولا هو بنظام يصلح للحكم" . قضية سياسية دينية تحول بذلك كتاب " الإسلام وأصول الحكم" إلي قضية سياسية دينية شغلت الرأي العام والخاص في مصر وخارجها وزاد منها اشتعالا تناول بعض كتّاب الثورة المضادة، الرجعيين، الكتاب بشكل عدواني فجّ فنري رشيد رضا يكتب محرضا " أنه لا يجوز لمشيخة الأزهر أن تسكت عنه... فإن المؤلف ... رجل منهم، فيجب عليهم أن يعلنوا حكم الإسلام في كتابه... لئلا يقول أنصاره أن سكوتهم عنهم إجازة له أو عجز في الرد عليه" ، وتقرر اجتماع هيئة كبار العلماء برئاسة شيخ الأزهر محمد أبو الفضل وحضور 24 عالما كي تناقش أمر الشيخ علي عبدالرازق واجتمعت بصفة تأديبية بمقتضي المادة 101 من قانون الجامع الأزهر والمعاهد الدينية العلمية الإسلامية رقم 10 لسنة 1911 في دار الإدارة العامة للمعاهد الدينية يوم الأربعاء 12 أغسطس 1925 ونظرت في التهم الموجهة إلي الشيخ وكتابه وقدمت عرائض وقع عليها وتضمنت أن الكتاب المذكور يحوي أمورا مخالفة للدين، وللنصوص القرآنية، والسنة النبوية وإجماع الأمة وتجلت ثورة الشيخ علي عبدالرازق في رفضه لتلك الهيئة التأديبية - رغم حضوره لها وطلب ألا تعتبر الهيئة حضوره أمامها اعترافا منه بأن لها حقا قانونيا، كما رد علي كل التهم الموجهة له في مذكرة أعدها فتلاها عليهم وبعد الفراغ من تلاوتها أرفقت في المحضر وحفظت ورأت الهيئة في نشر الكتاب أمرا يتنافي مع كرامتها، ولذلك حكمت بإخراجه من زمرة هذه الهيئة، وألزمت السطلة المدنية ، تنفيذا لحكمها، فتنظر في فصله من منصبه في القضاء الشرعي. كان عبدالعزيز باشا فهمي، رئيس حزب الأحرار الدستوريين هو وزير الحقانية، وهو الوزير المسئول عن علي عبدالرازق، وكانت أسرة عبدالرازق من الأساطين التي يعتمد عليها حزب الأحرار الدستوريين، فأقل حقوقها علي رئيس الحزب أن يحميها في حدود القانون. وهذا ما اتجه إليه الرجل بكل نزاهة وأمانة واحترام للقانون لهذا الغرض شكل لجنة لتنظر الموضوع، ولتشير عليه فيه. فلا يجوز في نظام الدولة أن يفصل موظف من وظيفته إلا بحكم من مجلس التأديب المخصوص أو بقرار من مجلس الوزراء. ولا يمكن أن يفصل مجلس الوزراء موظفا إلا إذا طلب الوزير الذي يتبعه هذا الموظف فصله وبين أسباب ذلك للمجلس. فالقانون لا يقتضي فصل القاضي الشرعي الذي حكم بإخراجه من زمرة العلماء لم يكن للمجلس أن يفصله إلا أن يحيي باشا إبراهيم رئيس الوزراء بالنيابة، كان يلح عليه كل يوم فصل الشيخ علي عبدالرازق إلا أن الوزير يتأني في ذلك ، وأحال الموضوع إلي قلم قضايا الحكومة لإبداء الرأي فأقيل عبدالعزيز فهمي من الوزارة، وتأزم الموقف في حزبه وسرعان ما استقال زميلاه الآخران في الوزارة . وكشفت هذه الأزمة عن صراع جاد داخل حزب الأحرار الدستوريين نفسه بين مؤيد للكتاب ومعارض إلي أن تم فصل الشيخ. ودارت علي صفحات المجلات آراء العديد من الكتاب من أمثال سلامة موسي في الهلال الذي دافع عن حرية الرأي والتعبير وكذلك نجد مجلة
المقتطف وغيرها . لقد مارس الشيخ علي عبدالرازق ثورته الخاصة يدافع عنها ويؤجج سبلها العقلية حتي صار نموذجا يحتذي به ومثقفا ثوريا ينهض بمجتمعه من الظلامية إلي التنوير.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.