نجاح موقع "فيس بوك" للتواصل الاجتماعي، دليل قوي علي التأثير التحولي، الذي يفرضه الانترنت الحر والمفتوح علي المجتمع والتجارة. كما أن ظهور الشبكات الاجتماعية، مثل "فيس بوك"، ساهم في تكوين المرحلة الرئيسية الثانية من شبكة الإنترنت، عن طريق وضعها كمنصة للتفاعل الاجتماعي، فللمرة الأولي، سمحت مواقع الشبكات الاجتماعية للمستخدمين بإنشاء هويات شخصية علي منصات كبيرة من أجل التواصل والتشارك مع الآخرين. وبفضل الدهاء في التسويق والتصميم، اشتعلت شرارة "فيس بوك" كالنار في الهشيم، وبات هذا الموقع الاجتماعي هو الأول بين طلاب الجامعات، وفي وقت لاحق بين الجمهور الواسع. نمت قدرة "فيس بوك" وتأثيره علي التواصل في شبكة تجمع الملايين من الناس المتصلين مع بعضهم بعضًا، فخلقت زخماً لا يمكن وقفه، وينافس كل الشبكات الاجتماعية الأخري. يدل نجاح "فيس بوك" علي قوة الإنترنت كقوة للاتصال الاجتماعي، والتي تحولت، علي مدي السنوات القليلة الماضية، إلي وسيلة تغيير اجتماعي وسياسي فعالة للغاية. هذه السلطة الجديدة تعكس ملامح رئيسية عدة، أهمها الديمقراطية، وذلك لأن كل شخص في العالم الحرّ لديه حق في الوصول إلي شبكة الإنترنت، كما أتاحت للفرد قدرة نشر أفكاره، واستخدام "فيس بوك" كمنصة لقوة الأفكار الشخصية، وليس للفئات التقليدية، لأن شبكة الإنترنت تتيح نشر الملايين من الأفكار في سرعة الضوء. كما هزت قدرة "فيس بوك" الأنظمة الديكتاتورية، التي اعتبرت أن الموقع الاجتماعي يهدد وجودها، ومن غير المستغرب أن الأنظمة القمعية حاولت منع نشاط شبكة الإنترنت من أجل تضييق الخناق علي المعارضة. هذا الضغط والجذب بين هياكل السلطة القديمة والمجتمعات الرقمية سوف يستمر لبعض الوقت، لكن أصحاب الرؤية الرقمية المثالية - أمثال مؤسس موقع "فيس بوك" مارك زوكربرج - يقف التاريخ إلي جانبهم. في هذا السياق، اعتبرت صحيفة ال "تايم" أن ارتفاع موقع "فيس بوك" في الآونة الأخيرة كظاهرة ثقافية واجتماعية، عكس ظهور الإنترنت كأداة اجتماعية وسياسية قوية إذ استخدم المعارضون في تونس ومصر موقع "فيس بوك" كمنصة، لم يسبق لها مثيل، للتواصل وتنظيم الاحتجاجات ضد الحكام المستبدين، الذين استولوا علي السلطة لعقود عدة. كما لجأ النشطاء في الولاياتالمتحدة إلي الشبكات الاجتماعية لإطلاق حركة "احتلوا وول ستريت"، التي ركزت الاهتمام الوطني علي عدم المساواة في الدخل، وجعلتها القضية المركزية في الانتخابات الرئاسية لعام 2012 . وفي الآونة الأخيرة، ساعدت الحملة الالكترونية علي شبكة الإنترنت ضد تشريع لمكافحة القرصنة في الكونجرس الأمريكي، علي إقناع العشرات من النواب في سحب دعمهم.ويبدو أن شبكة الانترنت آخذة في الظهور كقوة اجتماعية وسياسية قوية في حد ذاتها، كما أن الشبكات الاجتماعية، مثل "فيس بوك" وتويتر، هي الصمغ الذي يمسك هذه القوة ويجمعها. في الوقت عينه، يدل نجاح موقع "فيس بوك" في المجال التجاري، علي قوة شبكة الإنترنت كمنصة لبناء الأعمال الناجحة بصورة عشوائية من الألف إلي الياء، وأيضاً وسيلة للشركات في التعامل مع العملاء الحاليين، والتواصل مع عملاء جدد. تحتوي نشرة الاكتتاب العام لموقع "فيس بوك" علي أرقام مذهلة، توضح القدرة الهائلة للخدمات، وقدرات الأعمال والتعامل مع المستخدمين. وتمتلك الشركة الآن 845000000 مستخدم نشط شهرياً - أو ما يقرب من نصف مستخدمي الإنترنت، الذين يقدّرعددهم ب 2 مليار شخص في العالم. ووفقاً لصحيفة ال "تايم" فإن الشيء الرائع هو أن "فيس بوك" مجرد "خدش سطحي لإمكانياته التجارية، لكن هدفها ليس المال"، فمن الواضح أن زوكربرج لا يسعي إلي الربح المادي. في هذا الإطار، قال "نحن لا نطلق الخدمات لكسب المال، بل نريد كسب المال لبناء أفضل الخدمات"، مشيراً إلي أن موقع "فيس بوك" تم تصميمه لتعزيز ما وصفه ب "مهمة اجتماعية لجعل العالم أكثر انفتاحاً وترابطاً". وقد وجّهت في السابق انتقادات عديدة ل"فيس بوك" لاقتحامه حدود الخصوصية الفردية، وليس هناك شك في أن شهرة هذا الموقع وانتشاره سوف يتطلب يقظة من قبل هيئات الرقابة والحرية المدنية، والحكومات الاتحادية إذا لزم الأمر. لكن زوكربرج ما زال مصمماً علي جعل الإنترنت أكثر اجتماعية، حتي تقوم بدورها، وجعل المجتمع أكثر ديمقراطية. ويؤكد مؤسس موقع "فيس بوك" أن "الناس تتواصل وتتشارك بشكل أكبر - حتي وإن كان ذلك بين الأصدقاء أو العائلات فقط - فإنه يخلق ثقافة أكثر انفتاحاً، ويؤدي إلي فهم أفضل للحياة ووجهات نظر الآخرين". يشكل انتصار "فيس بوك" دليلاً علي أهمية وجود الإنترنت بشكل حر ومفتوح، فعندما أطلق زوكربرج الخدمة في السنة الثانية من دراسته في جامعة هارفارد عام 2004، لم يتصور أنه بعد 8 سنوات سيقود شركة تستعد للاكتتاب العام مع أكثر من 800 مليون مستخدم وتقييم ب 100 مليار دولار. فمثل هذه النتيجة لم تكن ممكنة، لو لم تكن شبكة الإنترنت المفتوحة بيئة خصبة للابتكار، ففي أقل من عقدين من الزمن، توّجت شبكة الانترنت نفسها باعتبارها واحدة من المنصات التحويلية والاقتصادية والاجتماعية في التاريخ. وبعد سنوات، أنشأت شركات ومواقع مثيرة وجديدة، حصدت مليارات الدولارات، وغيرت الطريقة التي نعيش بها إلي الأبد. وبما أن شبكة الإنترنت أصبحت أكثر اجتماعية، أصبحت المنصات الاجتماعية، مثل "فيس بوك" وتويتر، تتمتع بتأثير أكبر علي السياسة في أنحاء العالم. وأصبح طرح أسهم "فيس بوك" للاكتتاب واحدًا من أهم قصص الأعمال لهذا العام، لكن نجاح الشركة يجب أن يكون أيضاً بمثابة تذكير قوي بضرورة الحفاظ علي الإنترنت كمنصة مفتوحة وحرة وإذا كنا، كمجتمع، نستطيع فعل ذلك، فقد يظهر العديد من أمثال "مارك زوكربرج" في الأعوام المقبلة. يضم "فيس بوك" اكثر من 900 مليون مستخدم نشط يتصل اكثر من نصفهم بالموقع مرة في اليوم علي الأقل. ولو كان "فيس بوك" بلدا لاحتل المرتبة الثالثة عالميا بعد الصين والهند من حيث عدد السكان. وأكثر من نصف مستخدمي الانترنت في العالم يستخدمون "فيس بوك" ويخصصون دقيقة من أصل سبع دقائق يمضونها علي الانترنت، لتصفح هذا الموقع بالذات. وتضم الولاياتالمتحدة أكبر عدد من مستخدمي "فيس بوك" في العالم (169 مليونا +15% في سنة) بحسب شبكة التواصل الاجتماعي التي تفيد ان الهند (51 مليونا، +107%) والبرازيل (45 مليونا +180%) هما مركزا نمو رئيسيين للموقع. ويضم "فيس بوك" ايضا 20 مليون مستخدم في المكسيك و11 مليونا في اندونيسيا (ارقام "كومسكور"). ويحتل "فيس بوك" المرتبة الأولي علي لائحة مواقع التواصل الاجتماعي في البلدان كلها تقريبا مع استثناءات قليلة مثل روسيا حيث يتقدم عليه موقعا "أودنوكلاسنيكي" و"فكونتاكتيه" والصين حيث هو ممنوع. وتتغلب عليه مواقع اخري في اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام وبولندا، بحسب شركة "كومسكور". يذكر أن اصغر اصحاب المليارات في العالم حققوا ثروتهم بفضل "فيس بوك": مؤسس الموقع مارك زاكربرغ الذي احتفل الاثنين بعيد ميلاده الثامن والعشرين وأحد مؤسسيه داستن موسكوفيتز الذي يصغره بثمانية ايام. وحسب الاحصاءات يتم نشر أكثر من 300 مليون صورة علي الموقع يوميا، و أكثر من 488 مليون مستخدم يتصلون بموقع "فيس بوك" من خلال اجهزة محمولة. يشار إلي أن لدي مستخدمي "فيس بوك" 130 "صديقا" كمعدل عام يتتبعون أخبارهم علي الموقع. أما الصفحة الأكثر شعبية علي الموقع هي تلك التي تتواصل فيها مؤسسة "فيس بوك" مع مستخدمي موقعها والتي تضم 66 مليون متتبع. وتتقدم هذه الصفحة علي صفحة خاصة بموقع بوكر تضم 61 مليون متتبع وصفحة موقع "يوتيوب" (57 مليون متتبع) وصفحة مغني الراب إمينم (56,5 مليون متتبع) وصفحة المغنية ريهانا (55,3 مليون متتبع).