رئيس الوزراء يجري حوارا أبويا مع تلاميذ مدارس كرداسة.. صور    النواب يحيل 5 مشروعات قوانين للجان النوعية لدراستها    «المشاط»: تخصيص 118 مليار جنيه لمشروعات التنمية البشرية والاجتماعية بموازنة 2024-2025    محافظ الجيزة يواصل لقاءاته الدورية مع المواطنين ويوجه بحل الشكاوى    تغيير حدود الدخل لحجز وحدات الإسكان الاجتماعي ضمن مبادرة "سكن لكل المصريين"    لهذا السبب..محافظ الدقهلية يستقبل السفير كريستيان برجر ووفد الاتحاد الاوربى    الخارجية الإيرانية: لا مكان لأسلحة الدمار الشامل في عقيدتنا الدفاعية    مصدر في حماس لقناة الشرق: لن نعين خليفة للسنوار حتى إجراء انتخابات داخلية مارس المقبل    وزير الخارجية يبحث مع نظيرته السويدية التصعيد المتسارع بالمنطقة    الخارجية الإيرانية: عراقجي سيزور البحرين والكويت اليوم    على خُطى الأسد.. يامال يواصل التألق مع برشلونة وينافس ليونيل ميسي    بينيا: قدمنا مباراة رائعة أمام إشبيلية.. وخبرة تشيزني كبيرة    مصرع شقيقين صدمهما قطار خلال محاولة عبورهما السكة الحديد بالعياط    المشدد لبائع قتل زميله بسبب الخلاف على مكان فرش الفاكهة بالقليوبية    اختلت عجلة القيادة.. إصابة 5 أشخاص نتيجة انقلاب سيارة في الشيخ زايد    محاكمة المتهمين بسرقة أجهزة التابلت من مخزن التربية والتعليم| بعد قليل    نقوش جدران معبد إسنا تكشف أسرار المصريين القدماء خلال العصر البطلمي    شئون الأسرى: ارتفاع عدد حالات الاعتقال لأكثر من 11400 فلسطيني منذ 7 أكتوبر 2023    في ذكرى ميلاد حسن الأسمر أيقونة الطرب الشعبي.. تعرف على أبرز المحطات في حياته    بالفيديو.. استشاري جهاز هضمي: الدولة نجحت في القضاء على فيروس سي بأياد مصرية    التابعي: السوبر الأفريقي أخفى عيوب الزمالك    إعلام فلسطيني: الاحتلال الإسرائيلي يقتحم بلدة بيت فجار جنوبي الضفة الغربية    ليفربول يرصد 50 مليون يورو لضم جول كوندى مدافع برشلونة لخلافة أرنولد    مدير الكلية البحرية الأسبق: العالم غير أنظمته الصاروخية بعد نجاح مصر في إغراق المدمرة إيلات    المرور تحرر 29 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    إخماد حريق داخل منزل فى العياط دون إصابات    استبعاد محاكمة المتهمين بسرقة أجهزة التابلت المملوكة للتعليم من محكمة جنح أكتوبر    الأربعاء، انطلاق فعاليات المؤتمر السنوي للدراسات العليا في العلوم الإنسانية بجامعة بنها    وكيل تعليم الدقهلية يتابع انتظام الدراسة بمدارس طلخا    حسام البدري ينصح كولر بمشاركة هذا الثلاثي ضد الزمالك    منها مواليد برج العقرب والقوس والجوزاء.. الأبراج الأكثر حظًا في 2025 على الصعيد المالي    الشمس تتعامد على وجه رمسيس الثانى غدا بمعبده الكبير بمدينة أبو سمبل فى أسوان    رحلة فيلم رفعت عيني للسما من مهرجان كان إلى دور العرض    كم مرة تقرأ سورة الإخلاص والمعوذتين في اليوم والليلة    «المصري اليوم» تشهد انطلاق 4 قطارات نوم متجهة من «محطة بشتيل» إلى أسوان حاملة عددًا من السائحين الأجانب    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بمركز شباب ميت نما ضمن مبادرة "بداية"    طريقة عمل البان كيك، لإفطار خفيف ومغذي    تعرف علي موعد نهائي السوبر المصري بين الأهلي والزمالك والقناة الناقلة    بحفل جماهيري كبير.. «سعيد الارتيست» يُبهر جمهور الإسكندرية بمقطوعات وجمل فنية ومواويل صعيدية ب«سيد درويش» (صور)    مجلس النواب يواصل مناقشة قانون التعليم والابتكار.. ربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    بمشاركة 150 طالبًا.. بدء فعاليات مبادرة 100 يوم رياضة بكلية التجارة بجامعة جنوب الوادي (صور)    الأرصاد: طقس الإثنين مائل للحرارة.. واضطراب الملاحة على هذه الشواطئ    أسباب الإصابة بهشاشة العظام وأهمية فيتامين د والكالسيوم في الوقاية    وفاة المعارض التركي فتح الله كولن في أمريكا    قتلى في الغارة الإسرائيلية على بعلبك شرقي لبنان    استقرار في أسعار الخضروات اليوم الاثنين 21 أكتوبر 2024 مع ارتفاع ملحوظ في بعض الأصناف    نقيب الصحفيين: لن نفتح باب الانتساب إلا بعد موافقة الجمعية العمومية    وزير الصحة اليوناني يشيد بجهود الدولة المصرية للنهوض بالمنظومة الطبية    محمود كهربا.. موهوب في الملعب وأستاذ "مشاكل وغرامات" (بروفايل)    علي جمعة يكشف حياة الرسول في البرزخ    هل النوم قبل الفجر بنصف ساعة حرام؟.. يحرمك من 20 رزقا    عاجل.. كولر «يشرح» سبب تراجع أداء الأهلي أمام سيراميكا ويكشف موقف الإصابات في نهائي السوبر    ماذا كان يفعل رسول الله قبل الفجر؟.. ب7 أعمال ودعاء أبشر بمعجزة قريبة    المندوه: السوبر الإفريقي أعاد الزمالك لمكانه الطبيعي.. وصور الجماهير مع الفريق استثناء    «هعمل موسيقى باسمي».. عمرو مصطفى يكشف عن خطته الفنية المقبلة    هل كثرة اللقم تدفع النقم؟.. واعظة الأوقاف توضح 9 حقائق    عمرو أديب بعد حديث الرئيس عن برنامج الإصلاح مع صندوق النقد: «لم نسمع كلاما بهذه القوة من قبل»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد رحلة صمت يتحدث: مصطفي درويش وافقت علي تصوير فيلم «المومياء» فاتهموا الفيلم بمعاداة القومية العربية
نشر في القاهرة يوم 22 - 05 - 2012

هزيمة يونيو 1967 جاءت بخبير اقتصادي لانقاذ السينما فإنهم المخرج الإيطالي العالمي روبيرتو روسوليني الذي جاء إلي مصر بدعوة من د.ثروت عكاشة لتأسيس مركز أفلام الحضارية.. بالنصب والاحتيال حافظ علي استقلالية الرقابة وتعاملت بحزم مع رجالات الوزارة وعلي رأسهم الوزير ولم أطع لهم أمرا مخالفا لأحكام القانون الأديب الكبير رشدي صالح هاجم الترخيص بعرض فيلم انطونيو الجميل واتمه بالرداءة فاكتشفا أن وراء الحملة زوجة السيدة اعتدال مختار الرقيبة السابقة احتفل دار توثيق السينما المصرية وبحضور جمع من الأصدقاء الصحفيين والنقاد بالعيد الرابع يعد الثمانين للمستشار مصطفي درويش الرئيس الأسبق للرقابة علي المصنفات الفنية، متعه الله بالصحة ودوام العطاء. ليلتها تحدث «درويش» فأفاض علينا - بروحه الساخرة- ببعض ما لا نعلمه من وقائع وخفايا ذلك الجهاز حديثا منسوجا بخيط من المرارة، استهل حديثه بمولده في الفاتح من مارس عام 28 بحي منيل الروضة، حيث كانت المزارع الخضراء علي امتداد البصر، ذلك قبل أن يلتهمها العمران، تعلم - كأبناء جيله - في المدارس الحكومية، وتخرج في كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول عام 49 وقتها كانت الجامعة تموج بالحركة الوطنية في ظل تعددية سياسية . فن الأطياف وأضاف شغفت منذ حداثتي بفن الأطياف، فقد دأب أبي علي اصطحابي إلي السينما، ومازالت تعلق بذاكرتي بضعة مشاهد مما شاهدته في طفولتي، منها مشهد لأم كلثوم وهي تشدو بصوت ملئ بالشجن «يا طير يا عايش أسير» والمشهد من فيلم «وداد» عام 36 وأذكر أيضا لقطات من جرائد سينمائية - لكل من «موسوليني» و«هتلر» وكل منهما ينفث في شعبه روح التعالي والتعظيم بينما يطأ الطليان بالنعال أرض الحبشة والصومال، وتكتسح جحافل الألمان النمسا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا، وأعتقد منذ ذلك الوقت ترسب في نفسي المقت للنازية والقاشية بكل أساليبها ومظاهرها فضلا عن الجنوح للحرية. - كان من الطبيعي - بعد تخرجي - أن أعين في النيابة العامة وهو الأمر الذي لم يتحقق لماذا؟ لاتهامي بأن لي ميولا يسارية، ربما نبشوا في الأوراق فترة الجامعة، حيث تم احتجازي وشقيقتي الطالبة بذات الكلية - كلية الحقوق - لبضع ساعات ، وحرمنا من دخول الجامعة لمدة ثلاثة أيام، ذلك بسبب حيازتي لنسخة من البيان الشيوعي الذي حرره «كارل ماركس»، و«فريدريك انجنز» وكان مطروحا آن ذاك بين أيادي الطلبة. هيئة الرقابة قامت ثورة يوليو ورأت الدولة إنشاء هيئة رقابية عليا باسم النيابة الإدارية فتقدمت للامتحان أمام المحامي الوطني فتحي رضوان ولكن تم رفض طلبي لميولي اليسارية كيف؟ مرت الأيام وتغيرت الأجواء السياسية ورجحت كفة السوفييت، وتم عقد صفقة الأسلحة التشيكية، وكان مجلس الدولة هو حلم كل من تخرج في كلية الحقوق فتم تعييني بالمجلس عام 55 رقيب بالصدفة كان شغفي بالأفلام والاطلاع علي صناعها معروف للكافة، وقد حدث أن تناطح «محمد علي ناصف» رئيس الرقابة علي المصنفات الفنية مع جهات سيادية، مما تسبب في أزمة فأقالوه وراحوا يبحثون عمن يشغل منصب الرقيب. كانت التعيينات تتم بالمعرفة الشخصية وكان لي صديق يعمل بالنيابة الإدارية هو الشاعر «أحمد لطفي» وكان بالصدفة شقيق زوجة د.ثروت عكاشة وزير الثقافة. حدد لي الصديق لقاء مع الوزير وهكذا عينت بالصدفة رئيسا للرقابة علي المصنفات، ولم تكن الصدفة الوحيدة في حياتي، ولا أنكر أن انتابني بعض القلق من انتقالي من السلك القضائي إلي آخر إداري وفي منصب قد يعرض شاغله للكثير من الضغوط والحملات الصحفية، ولكني لا أنكر أيضا أن الحظ كان حليفي علي مدار 84 عاما. انهيار الوحدة توليت المنصب الجديد بعد بضعة شهور من انهيار مشروع الوحدة بين مصر وسوريا، وقد تبعه أن جنح النظام لدعم وزارة الإعلام لعلاج الاثار المترتبة علي كارثة الانفصال، ذلك علي نقيض وزارة الثقافة التي تبنت - سياسة تشجيع الإبداع والانفتاح علي ثقافات العالم. وهنا يحق لكم أن تتساءلوا عمن دفع بمحب للحرية ومؤمن بالتعددية والديمقراطية للسير علي درب الإجراءات المقيدة لحرية التعبير؟ وتنحصر الإجابة عن ذلك السؤال في نقطتين أولاهما تخص ما لمسته خلال اللقاء الأول مع د.ثروت عكاشة من جنوح لتحرير الفنون خاصة السينما من المحظورات، لعتق الجماهير من رق الاستسلام لصندوق عبيط اسمه التليفزيون، يبث الدعاية والإعلام الموجه علي مدار اليوم، وثانيهما ما يخص القانون رقم 43 لعام 55 الذي ينظم العمل في الرقابة، وتنحصر أحكامه في المحافظة علي الأمن والنظام العام والآداب، فأقبلت علي العمل علي أمل أن أتمكن من تطبيق أحكام القانون بمرونة بما يدعم في الأساس حرية التعبير. مسلسل المفاجآت حملت لي الأيام مفاجأة أخري نتجت عن غفلتي عما يمكن أن تلعبه الصحافة في تأكيد شائعات مغلوطة عن شخصي وأيضا عن انتماءاتي السياسية - ونتج عن تلك الغفلة أن أدليت بحديث لصحفي من جريدة «أخبار اليوم» وكان يرأسها التوأم علي ومصطفي أمين دار الحوار بالطبع عن الرقابة وتوجهاتها المستقبلية، وكانت الجريدة شأنها شأن وزارة الإعلام متبنية سياسة الكم ومعادية لسياسة الكيف، وكان كل منهما يتهم وزارة الثقافة باحتضان دعاة اليسار، ومنهم الرقيب الجديد وهو شخصي الضعيف وربما كانوا يستقون انطباعهم من حادث احتجازي لثلاث ساعات أيام التلمذة، ووعيت ما أولاه لي التوأم من رعاية حين أجرت الجريدة في العدد التالي حديثا مع مدير الرقابة السابق «محمد علي ناصف»، حيث تطاول علىّ لدرجة أن اتهمني بالجهل التام بكل ما يتصل بالرقابة. درس لا يقدر بثمن كنت أسير عملي علي هدي مقولة الإمام «أبي حنيفة النعمان» العلم عندنا هو الرخصة عن ثقة أما المنع فكل واحد يحسنه، وقد حدث أن رخصت للعرض العام فيلماً رديئاً بعنوان «خذني بعاري» لمخرج رحل عن دينانا دون أن يذكره أحد، وقد قام بتمويله صاحب مخبز أراد أن يظهر علي الشاشة في مشهد شديد الفجاجة مع السيدة سميرة أحمد، فما كان من د.ثروت عكاشة إلا أن فاجأني في مهاتفة صادمة يطلب سحب الترخيص يعرض الفيلم، وبناء عليه تلقت الرقابة ضربات موجعة، قوامها إهدار مصالح المنتجين واجهاض جهد صناع الفن السابع، ولكن عملا بالمثل القائل «الضربة التي لا تكسر ظهري تقويني» وعيت درسا لا يقدر بثمن وتعلمت إلا أطلع أمرًا كرئيس طاعة عمياء حتي لو كان وزيرا. ضحية الصراع وفي سياق سلسلة المفاجآت التي حدثتكم عنها فوجئت بالأديب الكبير «أحمد رشدي صالح»، يشن علي حملة شعواء للترخيص بعرض فيلم «انطونيو الجميل» ووصف الفيلم بالرداءة في مقال له بجريدة الجمهورية، وما أثار دهشتي أن الفيلم المذكور خال من كل ما يخدش الحياء، وهو من إخراج «ماورو بولوتيني» أحد كبار المخرجين في إيطاليا والفيلم بطولة النجمين اللامعين «مارشيللو ماستروياني» و«كلوديا كارديتالي» وموضوعه يدور حول التقاليد الصارمة التي تحكم الحياة في جزيرة صقلية في الجنوب من إيطاليا، خلال قصة الشاب الوسيم انطونيو الذي يفشل في أداء دوره ليلة الزفاف فتتفجر الفضيحة وتشاع في كل الأنحاء. احترت في تفسير الدوافع وراء المقال اللاذع إلي أن ادركت أن غضب الكاتب الكبير وراءه غضب زوجته السيدة اعتدال ممتاز الرقيبة السابقة، والحكاية من البداية أنه حال استلامي منصبي طلبت قائمة بالأفلام الأجنبية التي لم يرخص لها بالعرض، ولدهشتي وجدت بينها تحفا سينمائية لكبار الأدباء في العالم وجدت مثلا فيلم «المسيح» أعيد صلبه لكازاتنزاكي و«الجاعة» لماري ماكارثي و«المليونيرة» لبرناردشو فرخصت بالعرض لما لا يزيد علي خمس أفلام، فلم يكن لها مردود غير عادي علي الجمهور. غير أن المقال جاء في توقيت محسوب، ليساهم في الحملة ضد وزارة الثقافة ومنها الرقابة والرقيب، وانهالت علي الأقلام بالنقد بدعوي إساءة استعمال سيف الرقابة واغراق السوق المصرية بأفلام أجنبية مما يهدد السينما كصناعة وطنية. تلاحقت حلقات الحملة لاستنفار مجلس الدولة لإنهاء ندبي حفاظا علي هيبته، ليكون اقصاء الرقيب أحد السهام الموجهة لاشعال الصراع بين الوزارتين، بهدف تصفية وزارة الثقافة، وهو ما تم بأسلوب مبتكر بعنوان «دمج الوزارتين»، كل ذلك ولم يكن قد مر علي عملي بالرقابة سوي أربعة شهور. وعلي الفور هاتفني «عبدالمنعم الصاوي» وزيرالثقافة والإعلام ليوحي إلىّ بإلغاء ندبي، ولكني أجبته إجابة قاطعة بأنني أعمل في وزارة ولا أعمل عند وزير. ويشاء الحظ وبعد أربع سنوات أن يطلبني د.ثروت عكاشة لتولي ذات المنصب في وزارته الثانية. خبرة واستقلالية رجعت للرقابة مزودا بخبرة لا يستهان بها، فحافظت علي استقلاليتها وتعاملت بحزم مع رجالات وزارة الثقافة وعلي رأسهم الوزير، ولم أطع لهم أمرا مخالفا لأحكام القانون، كما اجتهدت لتطوير أسلوب العمل بما يساهم في تطوير السينما المصرية، وذلك بإبداء النصح لصناع الفيلم، وإتاحة المزيد من حرية التعبير، وللحق كنت أحيانا أصيب وكثيرا ما أخيب. كنت أحيانا أصيب كان خير مثال علي فشل سياستي هو موقفي من فيلم «البوسطجي» تحفة «يحيي حقي» وإخراج «حسين كمال» وحقيقة الأمر ليس من صلاحياتي التدخل في العمل السينمائي، ولكني لدي مشاهدة الفيلم - وكنت قد قرأت النص الأدبي - استوقفني في الفيلم اغفال الجانب الروحي لأبطال الفيلم، «جميلة» الارثوذكسية وحبيبها «خليل» البروتستاني غير البوسطجي المسلم ذلك بسبب الرعب من المحظورات الرقابية، وقد كان لاختلاف ملة الحبيبين وضع القسيس شروطا تستلزم تأجيل القران وبالتالي التعجيل بالكارثة فجاءت الخاتمة غاية في الوحشية - ما أزعج يحيي حقي نفسه والتمس من المخرج تخفيفها - حيث يعمد الأب سكينة في قلب ابنته «جميلة»، فتطلق صرخة مدوية. كانت التعليمات الخفية - الخاصة بعدم المساس بالدين - أقوي تأثيرا علي المخرج من نصيحتي المتواضعة ليبقي علي رهافة الفيلم. وبين صعود وهبوط سارت بي الأيام حتي وجدت نفسي فجأة طائرا لأول مرة في حياتي إلي باريس ومنها إلي مهرجان «كان». وكان الوقت قبل أيام من حرب يونية ولكن من يعلم الغيب؟ سافرت بترشيح من المخرج «أحمد بدرخان» مقرر لجنة المهرجانات وتأييد من رئيس اللجنة «نجيب محفوظ» بهدف الاطلاع علي ما وصل إليه فن السينما من رقي وعمل دراسة مقارنة مع الأفلام المصرية، واقتراح وسائل الارتقاء بها وحقيقة الأمر لم يكن علاج السينما المصرية سرا وكان يتلخص في تحرير الإبداع. انقاذ المومياء بدعوة من د. ثروت عكاشة جاء المخرج الإيطالي «روبيرتو روسيلليني» لتأسيس مركز أفلام الحضارة، فدعا المخرجين لتقديم أفكار لعمل أفلام تتناول تاريخ مصر العريق، وتقدم بالفعل ثلاثة مخرجين هم توفيق صالح ويوسف شاهين وشادي عبدالسلام، لكن «روسيلليني» لم يتحمس إلا لموضوع شادي غير أن «شادي» بات مهددا بعدم تنفيذ الفيلم لأن استمرار «روسيلليني» كان مشكوكا فيه بعد زلزال الخامس من يونية إضافة أن د. عبدالرازق حسن الخبير الاقتصادي الذي عُين لإنقاذ السينما - خلال رئاسته لشركة الإنتاج لم يكن مقدرا لقيمة فيلم «شادي» الفنية، ورأي من وجهة نظره أنها تكاليف بلا عائد والتفت إلي رأس المشروع «روسيلليني» ووجه إليه الاتهام بالإحتيال والنصب، وتعقب الفيلم في الرقابة لوقف الترخيص بتصور الفيلم، لأن احتمال فشله - علي حد قوله- لا تحتمله الخزانة فأجبته بأن احتمالات الفشل ليست من الموانع الرقابية وأسرعت بالترخيص لفيلم «شادي» وهو الأمر الذي أثار حملة تشكيك في وطنية الرقيب واتهام الفيلم بمعاداة القومية العربية. أزمة الفيلم الأمريكي احتشدت الجماهير من جميع الأنحاء لرفض قرار التنحي، فدعا د. ثروت عكاشة لاجتماع لجنة التنسيق لمناقشة الموقف من الفيلم الأمريكي وقد انحاز غالبية الأعضاء لقرار المنع باستثناء ثلاثة أعضاد هم «سعد كامل» و«أحمد رشدي صالح» و«مصطفي درويش» وفي إطار المفاجآت المعتادة هاتفني السيد الوزير في اليوم التالي محذرا من منع الفيلم الأمريكي ما يعني عدم الاعتداد برأي الأغلبية، ولم تمر ساعات إلا وتصدر صفحة الأهرام الأولي خبر منع عرض الفيلم الأمريكي، ما أثار الذعر في نفوس مديري شركات التوزيع، فاتصلوا بي مستفسرين عن تاريخ التنفيذ فطمأنتهم بأن الرقابة هي الجهة الوحيدة المنوط بها الإجازة أو الحجب، وأن الرقابة حتي ساعتها لم يصدر عنها مثل ذلك القرار. كان اليوم إجازة أسبوعية لكن استدعيت علي وجه السرعة للقاء
الوزير في مكتبه فأسرعت للقاء ممنيا النفس بسماع موسيقي لفاجنر وماهلر لكن فوجئت به يصوب إصبعه إلي صدري متهما لي بالعمالة لأمريكا، وهي تهمة تكفل اعتقالي، شرحت له الأمر بهدوء ولم أصدق نفسي وأنا راجع إلي بيتي حرا طليقا ولم أصدق نفسي مرة أخري حين أحاطني الوزير بثقته وكلفني بالسفر إلي أوروبا والمعسكر الشرقي لسد الثغرة التي خلفها حجب الفيلم الأمريكي، وكان الوزير وخلال لجنة التنسيق قد أعلن في الصباح قرار منع الفيلم الأمريكي والانجليزي وأيضا الألماني. ولكن الأحوال لا تدوم إذ ما إن قضيت مهمتي وعدت إلي أرض الوطن، حتي تعرضت لحملة تخوين أعقبتها حملة تكفير. كنت قد أعدت نفسي لزيارة تشيكوسلوفاكيا بالقراءة عن السينما التشيكية، وفور وصولي طلبت مشاهدة فيلم «غراميات شقراء» للمبدع «ميلوش فورمان» وقد فاز ذات المخرج لاحقا بأوسكار مرتين عن تحفتيه: وطار فوق عش الوقواق وأماديوس. وكان الفيلم يتضمن مشهداً لبطلي الفيلم وهما عرايا في شحته للعرض في نادي السينما المقرر افتتاحه عام 68 إلا أن الوزير اصدر قرارا بمنع عرض الفيلم لتدني مستواه الفني ودفاعا عن اختياري لم أقف ساكنا بل أرسلت ملفا كاملا من مقالات نقدية تشيد بالفيلم ومبدعة، لكن أحداً لم يطلع عليه وما أثلج صدري أن نجحت في عرض الفيلم للصحفيين في نادي النقابة. لم تثمر رحلتي إلي الاتحاد السوفييتي آن ذاك إلا فيلم «المدرس الأول» للمخرج آندريه ميخالوكوف كوزنتشالوتسكي، وقد رأيت أن افتتح به نشاط نادي السينما، ولكن الوزير وقد عين نفسه رقيبا منع عرض الفيلم ثم أجازه بعد أربعة أسابيع وأعتقد أن سبب المنع كان مشهدا رائعا للبطلة وهي تنزل عارية إلي البحر لتتطهر بعد ليلتها الأولي مع أحد ملاك الأرض الذي تزوجها بالاكراه ظنا منه أنه يملك الأرض ومن عليها. وفي ختام فترة رئاستي الثانية للرقابة تلقت الإدارة فيلم «المتمرودن» تحفة «توفيق صالح» الذي قدره النقاد واحدا من أحسن مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية، وقد رخصت للفيلم بالعرض عملا بمبدأ حرية التعبير، إضافة للصدق في التنبؤ بالكارثة المحتملة وأخيرا لعدم خطورة عرضه عرضا عاما، وحدث أن ألغي انتدابي وعدت إلي منصبي في مجلس الدولة عدت وأنا مطمئن علي «المتمردون» وجاءت الإدارة الجديدة لتعمل مقصها بالحذف والتشويه في الفيلم والأمر العجيب أن أعاد الفيلم الأمريكي للعرض في الصالات بعد ثلاثة شهور من الحجب ودون أن يدري أحد من رجالات وزارة الثقافة بمن فيهم نجيب محفوظ رئيس مؤسسة السينما. والآن يرضيني شرف الاجتهاد لفرض حرية التعبير وتقدير الإبداع وتعدد مصادر استيراد الأفلام وفتح النوافذ أمام أعمال مستوحاة من الأدب العالمي لكبار المخرجين ونجوم لامعين، والآن أواصل متعة المشاهدة ومتعة الكتابة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.