نشرت رواية أمريكية للكاتبة (سوزان كولينز) بعنوان «ألعاب الجوع The hunger games » والتي دارت أحداثها في المستقبل حول برنامج ينتمي ل"تليفزيون الواقع" يكون أبطالها 24 شاباً وفتاة من 12 مقاطعة أمريكية ويكون هدفهم قتل بعضهم البعض الي أن يبقي فائز واحد في النهاية. واستطاعت الرواية تحقيق مبيعات خيالية مما دفع الكاتبة لكتابة جزئين آخرين من الرواية وهم Catching Fire وMockingjay وفي العام الماضي بدأت شركة Lionsgate الأمريكية الشهيرة تصوير فيلم ألعاب الجوع The Hunger games المأخوذ عن الكتاب الأول ليخرجه (جاري روس) صاحب الفيلم الشهير Seabuscuit الذي انتج عام 2003 وبدأ عرض الفيلم عالميا في نهاية مارس الماضي ويحقق ايرادات استثنائية ليصل لدور العرض المصرية بعد أسبوع واحد من عرضه بأمريكا. بلد متخيل تدور أحداث فيلم (ألعاب الجوع) في المستقبل في بلد متخيل باسم (بانيم) بعد تدمير أمريكا الشمالية الذي يسكن سكانها في بانيم الآن. وبانيم عبارة عن الكابيتول التي يسكن فيها الاغنياء وعلية القوم وهي المدينة المركزية التي تحتوي علي الادارة ومؤسسة الرئاسة. وبانيم محاطة ب12 مقاطعة يسكنها العمال والفقراء وفي كل عام يتم اختيار شاب وفتاة من هذه المقاطعات ليتنافسا في لعبة الموت التي يشاهدها الجمهور علي الهواء مباشرة وتسمي بHunger games ألعاب الجوع، وفي هذه اللعبة يكون هدف المتسابقين هو قتل بعضهم البعض ليبقي شخص واحد منهم حيا في النهاية ليفوز بالجائزة الكبري. ونفهم أن اختيار ال12 مقاطعة هو شكل من أشكال العقاب بسبب تمرد قاموا به قبل عقود أدي الي تدمير المقاطعة رقم 13، ونتابع في الفيلم "كاتنيس" (جينيفر لورينس) الشابة التي تقرر أن تأخذ مكان أختها الطفلة في اللعبة بعدما تم اختيار اسمها في القرعة لتذهب هي و"بيتا" (جوش هاتشيرسون) ليمثلا المقاطعة 12 في اللعبة ويذهب معهما مدربهما السكير "هاميش" (وودي هاريلسون) الذي فاز من قبل في المسابقة. وعندما يصلا للكابيتول يجدا الشهرة والأضواء في انتظارهما الأمر الذي يربك "كاتنيس" بينما يتعامل معهما "بيتا" بذكاء شديد منذ اول لحظة فيخترع قصة حب بينه وبين كاتنيس كي يستحوذ علي اهتمام الاعلام والجمهور. ونري اهتمام الاعلام والبرامج التليفزيونية بهذه المسابقة الدموية والذي يتشابه كثيرا مع تغطية الاعلام لمتسابقي برامج حقيقية مثل American Idol أو ستار أكاديمي. ثم تبدأ المسابقة الفعلية والتي تستمر أسبوعين ويذهب ال 24 متسابقاً الي الغابات ليتنافسوا ويبدأوا في القتال وتحاول بطلتنا _التي تجيد الرماية بالأقواس والتكيف مع حياة الغابات_ أن تحافظ علي حياتها أكثر مما تحاول أن تقتل الآخرين وتتوالي الاحداث علي نحو مثير لا أريد أن أفسد متعة مشاهدتها هنا لمن لم يشاهد الفيلم بعد. توحد الشخصية اعتمد سيناريو الفيلم كما هو حال الرواية التي ترويها البطلة علي مبدأ التوحد مع الشخصية فأنت تتابع القصة من وجهة نظر كاتنيس من البداية للنهاية اللهم الا بعض المشاهد التي نري فيها وجهة نظر مشاهدي البرنامج من مناطق مختلفة أو مشاهد أخري لصناع البرنامج انفسهم وتدخلاتهم في الأحداث. ولم يتعرض السيناريو لمعظم المتسابقين الآخرين الا الذين تحتك بهم كاتنيس بشكل مباشر. منطق التوحد مع الشخصية هو أيضا ذات المنطق الذي اعتمد عليه (جاري روس) في تنفيذه للفيلم فالفيلم معظمه مصور بالكاميرا المحمولة المتنقلة وينجح ببراعة شديدة أن يضع المتفرج مكان البطلة حتي أنه في أحد المشاهد وعندما يحدث انفجار يصيبها بضعف سمعي مؤقت يسمع المتفرج ما تسمعه هي. كما نجح المخرج أيضا في أن يبقي المتفرج متيقظا ومتحفزا طوال الساعتين وثلث الساعة وهي مدة عرض الفيلم. ومن خلال الديكور والملابس نري الفارق الشاسع بين سكان ال 12 مقاطعة الفقراء وبين سكان الكابيتول الأغنياء أصحاب الشعر الملون وواضعي الماكياج الصارخ لتشعر وكأنهم دمي في لعبة سياسية. التمثيل بشكل عام في الفيلم جيد ف (جينيفر لورنس) تقدم دورها باحساس وتفهم عال ربما أكثر من (جوش هاتشيرسون). وبحانب بطليه الشابين يضم الفيلم مجموعة من الممثلين المخضرمين فلدينا (دونالد ساثيرلاند) في دور الرئيس (ستانلي توتشي) في دور مقدم البرنامج (وودي هاريلسون) في دور هاميش و(ويس بينتلي) في دور مدير اللعبة وكلهم ادوا ادوارهم علي مايرام لكن دون تميز يذكر فنستطيع أن نقول إنهم أضافوا للفيلم أكثر مما يضيف الفيلم لمشوارهم الفني. البعد السياسي يصعب جدا قراءة الفيلم دون النظر الي البعد السياسي الواضح به خصوصا بعد الثورات العربية والاحتجاجات التي بدأت تنتشر في شوارع أوروبا وأمريكا والتي حدثت بعد كتابة الرواية. فسكان المقاطعات الفقيرة يعاقبون علي تمرد حدث قبل سبعين عاما من احداث الفيلم وكأن هؤلاء الشباب الذين يؤخذون للعبة كل عام هم تذكرة لكل من يريد أن يتمرد علي النظام فيما بعد خصوصا أنه باستثناء ما فعلته كاتنيس هؤلاء الشباب يؤخذون لهذه اللعبة الدموية عنوة دون ارادتهم. الجانب الاعلامي أيضا تم التركيز عليه في الفيلم وبذكاء شديد فعندما نشاهد المتسابقين وهم يجرون المقابلات التليفزيونية نستطيع أن نتذكر علي الفور البرامج الفنية التي تحاول دائما تقديم حياة المشاهير وخصوصياتهم كسلعة اعلامية حتي وان اختلق بعضها أحيانا ويتجلي ذلك عندما ينصح هاميش كاتنيس بأنها تحتاج الي حب الجمهور حتي يأتيها رعاة يمدونها بالمؤن التي قد تحتاجها أثناء اللعبة. ربما من أهم مشاهد الفيلم وأكثرها مباشرة أيضا هو ذلك المشهد الذي يخاطب فيه الرئيس (دونالد ساثرلاند) مدير البرنامج (ويس بينتلي) فيقول له إنهم "يجب أن يعطوا الناس أملاً دائما فالأمل هو الوحيد الأقوي من الخوف ولكن الكثير من الأمل قد يشكل خطرا!" وهنا يتجلي كيف يتعامل أصحاب السلطة مع الاعلام للتحكم في مشاعر واتجاهات الشعوب فهم يريدون شعوبا ليست خائفة لدرجة تمني الموت لكن خائفة للدرجة التي تجعلها تلجأ للسلطة بينما قليل من الامل قد يكون دافعاً جيداً للانتاج دون أن يضخم هذا الأمل ويتحول الي رغبة جامحة في التغيير. الجمهور يشاهد حياة المشاهير كما يتابع الحروب والمآسي والمجاعات حول العالم لكن كمادة تليفزيونية مسلية يشاهدونها في غرفة المعيشة كما ينتقيها الاعلام وبالزاوية التي يريد أصحاب السلطة نقلها للشعوب حتي وان خانت الحقيقة. فحتي ان نظرنا الي واقعنا اليومي وقارنا بين التغطيات العالمية للثورات العربية بالمقارنة لتغطية احتجاجات دول الغرب سنجد ان هناك عدم انصاف اعلامي واضح. نستطيع أن نقول إن موجات التغيير في العالم أصبحت تؤثر بشكل ما علي صناعة السينما في هوليوود او علي الأقل في اختيار مواضيعها فيأتي فيلم (ألعاب الجوع) بعد فيلم Rise of the planet of the apes الذي شاهدناه العام الماضي والذي احتوي أيضا علي رمزية سياسية واضحة. وفي النهاية يبقي أن أقول إن فيلم (ألعاب الجوع) فيلم جيد وممتع ومثير للتفكير ويأتي وسط اخفاقات هوليودية كثيرة وأفلام مكررة فيصبح مميزا بالمقارنة مع معظم ما يعرض لكن هل سيبقي الفيلم في الذاكرة طويلا؟ وهل ستحقق الأجزاء القادمة من هذه السلسلة الوليدة نفس النجاح الفني والنقدي والجماهيري؟ فللنتظر.