عندما كنت تري عم محمد كامل رحمه الله لأول مرة تصاب بالدهشة والإعجاب، فلديه ذاكرة حديدية نادراً ما ينسي، وعندما تتعامل معه يترك لديك انطباعا طيبا، وتشعر بأنك تعرفه منذ زمن بعيد، وشاهدته من قبل كثيرا، دفء الحوار وتدفق المشاعر الإنسانية لديه يزيلان الحواجز والمسافات، يتحدث ببساطة وتلقائية وحب فتنفذ كلماته إلي القلب مباشرة وتكتشف أنه مثقف ولديه رؤية نقدية وذائقة فنية غاية في العذوبة والثراء، وهوقارئ جيد متابع لأهم الأحداث الثقافية والأدبية،.. ويعرف الكثير مما يدور علي الساحة وفي الكواليس.. لا تنتهي حكاياته المثيرة النادرة، وتجده شلالا هادرا من الحكايات، ودائما لديه المزيد والموثق بالأشخاص والتواريخ، وصفه المبدع الكبير شعبان يوسف بأنه شيخ القراء المصريين بلا جدال وبلا منازع. يعرفه كل من له صلة بالوسط الأدبي كتابا وشعراء وقاصين وروائيين ونقاد، يحرص علي مناقشة الأعمال الأدبية ويقول رأيه بكل صراحة وجراءة يحسده عليها الكثيرون، لا ينتظر أن تهدي إليه الكتب بل يصرف أغلب ماله الخاص علي شرائها لان القراءة متعته الوحيدة وعشقه الأبدي منذ الصغر، لذلك هوعميد القراء الادباء، تم تكريمه في العديد من المحافل والندوات والتجمعات الادبية وآخرها أتيليه القاهرة. نشأ عم محمد كامل في حي باب الشعرية الشعبي الذي سكنه العديد من الأدباء الكبار منهم عبد الحميد جودة السحار، في عام1951 وعمره عشر سنوات اشتغل بوكالة مصر للطباعة والإعلام بعماد الدين، لصاحبها ألبرت مزراحي، وكان صديقا شخصيا لوالده، وعمل بالأرشيف فكان يقضي أغلب الأوقات في القراءة، قرأ الكثير من الكتب مثل الأغاني للأصفهاني وغيرها من الأدب العربي والعالمي المترجم، وجرائد زمان مثل البلاغ والزمان والمقتطف ومجلات منها مجلة الاثنين والدنيا الجديدة ومجلة الربيع ومجلتي وكان يشرف عليها أحمد الصاوي وهي سياسية أدبية ثقافية، وسلسلة كتب للجميع، وروايات للجميع وسلسلة كتابي، وكان يشرف عليها محمد حلمي مراد، وفي تلك الفترة كان أشهر موزع صحف عبده السروجي مؤلف أغنية غريب الدار وكان مكتبه للتوزيع وتسليم الجرائد والمجلات للباعة خلف المطافي بميدان العتبة . وكنت أعد لحوار معه رحمه الله..من بينه.. تذكر عم محمد كامل للعديد من الصالونات الأدبية التي أسهمت في نشر الفكر والثقافة والأدب منها صالون مي زيادة وصالون الأباظية وصالون محمد حسن الزيات، والندوات كانت تقام في العديد من الأماكن منها قهوة ريش وكازينو صفية حلمي، وتذكره لرواية "رادوبيس" التي أهداها له الكاتب الكبير نجيب محفوظ، وكان عمره ثلاثة عشر عاما وكانت له معه قصة نادرة فجدته رحمها الله كانت تشم رائحة التومباك وهو معسل الشيشة في ملابس أخيه، فطلبت منه أن يراقبه ليعرف الحقيقة فمشي خلفه ذات يوم حتي دخل قهوة قشتمر في الظاهر، وجلس مع صديق وبدأ يدخن الشيشة، وكان يجلس مع ذلك الصديق نجيب محفوظ، وعندما شاهده أخوه طلب له كوب سحلب حتي لا يفتن عليه بالمنزل، وكلما مر بالمقهي قال نجيب محفوظ لأخيه خد بالك المخبر جالك. ودارت الأيام وذات يوم كان يسير في الطريق ويدخن سيجارة، وشاهده نجيب محفوظ، فقال له ضاحكا شوف راح تطلب لمين سحلب علشان ما يفتنش عليك عند جدتك، ويتذكر أيضا الكاتبة الكبيرة سهير القلماوي وقد أهدته "حواديت جدتي"، وهو في سن السادسة عشرة من العمر. عن رأيه في الانترنت والصحف والمجلات التي تصدراليوم مقارنة بصحف وكتب زمان، فكان هذا كلامه بدون تدخل مني : التقدم العلمي وثورة الاتصالات أفادا في إحداث ثورة هائلة في العلوم والمعارف والثقافات والآداب.. وأصبحت الجريدة والمجلة والكتاب فنا متاحا عبر الإنترنت للملايين في العالم.. لكن يبقي للصحيفة وللمجلة والكتاب المقروء البريق والسحر الخاص فمجرد إمساك الأوراق والتقليب بين الصحفات وإشباع العين والعقل متعة وجاذبية لا يضاهيهها شيء آخر، رغم التكنولوجيا وظهور الصحف والمجلات والمطبوعات في شكل أنيق وجذاب.. إلا أنني أحن إلي الماضي بسحره وعبقه.. والصحف والمجلات عموما ما تعكس صورة المجتمع.. في الماضي كان هناك إعلاء للقيم والمبادئ .. وكانت الكتابات الصحفية والأدبية تعلو وتسمو بالفكر فكتابات إحسان عبد القدوس مثلا تتحدث عن الحب والعلاقة بين الرجل والمرأة في صورة بديعة جميلة تدعو إلي القيم والأخلاق. أما اليوم فحدث ولا حرج ظهرت كتابات جديدة تتحدث عن الجنس والعلاقات المثلية وزني المحارم واللواط والسحاق في صورة مشينة وكلمات هابطة وعبارات سوقية وألفاظ بذيئة خارجة عن الآداب العامة.. أنا مع حرية الرأي والتعبير وعدم فرض قيود علي الكاتب.. لكن هناك مجتمع وأعراف وعادات وتقاليد لايجب تجاوزها أو المساس بها .