نفس الوجوه الإعلامية التي كانت مسيطرة علي المشهد الإعلامي قبل الثورة والمعروفة بولائها لنظام السابق، هي الآن في صدارة المشهد الإعلامي بعد الثورة ، وكأن شيئا لم يكن ...فالتغيير بالنسبة لهم يتمثل في تغير اسم البرنامج وتغير الديكورات الخاصة بالاستوديوهات وتغيير الماسكات الخاصة بهم، ونسي هؤلاء أننا نعيش في عصر اليوتيوب فغالبية حلقات برامج التوك شو قبل وبعد الثورة محملة علي هذا الموقع, فعقب نجاح الثورة ظهر علي الفيس بوك قوائم سوداء للإعلاميين المتحولين، ومن هنا نطرح تساؤلا علي المتخصصين في مجال الإعلام.. هل سيطرة هذه الوجوه علي المشهد الإعلامي الآن في صالح الثورة "وعفا الله عما سلف" .. أم انهم يمثلون أحد أدوات الثورة المضادة ويجب تنحيتهم ومحاكمتهم إعلاميا أمام محاكم الثورة لنفتح الباب أمام شباب جديد يتحدث عن مصر ولديه صورة مختلفة للمستقبل؟ ففي الآونة الأخيرة أعلن الثوار الليبيون أنهم ألقوا القبض علي الإعلامية هالة المصراتي المعروفة بولائها للقذافي والتحقيق معها في مواقفها المحرضة ضد الثورة الليبية مما دفع الإعلامية المصراتي إلي تقديم اعتذار للثوار وأعلنت انضمامها للثوار ...أما علي مستوي الثورة المصرية فلقد شاهدنا وجوا إعلامية قالت (لا) للثورة في بدايتها واتهمت الثوار بأن لديهم اجندات خارجية لتعيش مصر في حالة من الفوضي ولكن عقب نجاح الثورة هللت نفس الوجوه لنجاح الثورة ليركبوا الموجه دون تقديم مبررات لتغير مواقفهم أو حتي تقديم اعتذار! توثيق الثورة وقد رصدت الإعلامية دعاء سلطان مقدمة برنامج توك شو علي قناة التحرير، مواقف الإعلاميين من الثورة من خلال تجميع حلقاتهم من علي اليوتيوب، فبعد خطاب الرئيس في 1 فبراير الذي اعلن فيه انه لن ينوي الترشح في الانتخابات القادمة وتقديمه لحزمة من الوعود، كان هناك من الإعلاميين من شكر وبكي علي الرئيس ودعا الثوار للعودة لمنازلهم، وفي حالة الاستجابة لدعواتهم لفشلت الثورة في اسقاط النظام. وكانت هذه الحلقة من برنامج التوك شوز بمثابة توثيق اعلامي لمواقف الإعلاميين من الثورة وهي في اصعب مراحلها. ومن أشهر الفيديوهات الموجودة علي اليوتيوب في هذا الشأن حلقة من برنامج "مصر النهاردة" يقدمها الإعلامي حافظ الميرازي يناقش فيها الإعلامي تامر أمين حول موقفه من الثورة وحاول الميرازي سرد ما قيل بشأن الاتهامات التي وجهت للثورة. أما علي مستوي المقالات الصحفية فلقد كان هناك مقال منشور مؤخرا علي موقع شبكة الصحفيين العرب بعنوان"بالمستندات.. مجدي الجلاد فساد صحافة أم فساد وطن؟!" للصحفي سامي كمال الدين مدير مكتب الدوحة بالقاهرة، وهناك مقال اخر للصحفي محمد ابو زيد محرر برلماني في جريدة الشروق، وهذا المقال نشر في الوفد بعنوان "عصابة الإعلاميين الجدد" يشير فيه الي ان هناك عددا من الإعلاميين لهم شعبية ومصداقية لدي رجل الشارع لكنهم يريدون أن يقفزوا علي المشهد ليدعوا انهم كانوا وقود الثورة في حين انهم تآمروا عليها في الغرف المغلقة. الحياد يا أهل الإعلام في البداية يفرق د.فاروق ابوزيد عميد كلية الإعلام بجامعة مصر والعلوم التكنولوجيا،بين الإعلامي المهني والإعلامي الأيديولوجي، فالمهني يقوم بدوره في نشر الأخبار وليس المطلوب منه تبني فكر معين وعليه ان يتعامل مع كل الأنظمة، لذا لايجب علينا محاسبة الإعلامي المهني، فعدد من الإعلاميين الموجودين الآن مثل (لميس الحديدي، خيري رمضان) هم مهنيون وظيفتهم تغطية الأحداث، اما الإعلامي الأيديولوجي فهو الذي يؤمن بالنظام لذا فمع سقوط النظام يختفون من المشهد الإعلامي وهذا ماحدث بالفعل فأغلب الأيديولوجيين المؤمنين بالنظام السابق اختفوا، فعدد كبير من رؤساء التحرير تركوا مناصبهم فلم نعد نسمع عن أسامة سرايا وعبدالله كمال وكرم جبر، فلقد انسحب هؤلاء من المشهد الصحفي، فكل من كان ضد الثورة من الإعلاميين الأيديولوجيين اختفوا والموجودين الآن هم مهنيون، ويشير أبوزيد إلي ان هناك حركة تغيرات لرؤساء التحرير في مارس الحالي. أما الكاتب الصحفي احمد النجمي سكرتير تحرير مجلة المصور، كان قد حذر الثوار سابقا في أحد مقالاته من عدم الانسياق وراء الإعلاميين (الذين لم يشاركوا في الثورة) وهم في الوقت ذاته يمدحون الثورة لأنهم في حالة فشل الثورة سيكونون أول من يوجهون الخناجر للثوار لذا فهو يري الآن ضرورة كشف اكاذيب هؤلاء الإعلاميين للرأي العام فذلك بمثابة الموت الإكلينيكي بالنسبة لهم، ولكنه يرفض فكرة (جرجرة) الإعلاميين للمحاكم للتحقيق معهم. مكافآت وهدايا "أنا مع المحاسبة المهنية لكل الإعلاميين المتحولين، ففي الماضي كانوا جزءا من الحملة الانتخابية للرئيس واليوم هم يتحدثون باسم الثورة والشعب، كان هذا رأي الإعلامي حسين عبد الغني مقدم برنامج "آخر النهار"، فعدد من الإعلاميين استفادوا من النظام السابق علي شكل امتيازات وسفر وبرامج توك شو علي سبيل المكافأة لحسن الولاء للنظام، لذا يجب كشفهم أمام الرأي العام ومحاسبتهم لأنهم تستروا علي فساد عز وجمال وسرقة أراضي الدولة، فقطار الثورة لم يصل الي محطة الإعلام نهائيا ومازال الوضع علي حاله بعد عام من الثورة، لذا كان من الضروري أن يكون هناك مجلس وطني مستقل يحاسب الإعلاميين علي الأخطاء المهنية. ومن ناحية أخري كان يجب علي الإعلاميين أن يعترفوا بأخطائهم عندما كانوا صوت النظام في وقت كانوا علي علم بما يحدث من فساد. أما ما يجري الآن هو ركوب الموجة، ويري حسين ضرورة محاكمة كل من كان يحرض علي العنف أو طالب بقتل الثوار. أما الإعلامي جابر القرموطي له رأي خاص وهو "انا ضد فكرة أن يكون الإعلامي ثوريا وهذا لا يعني أني ضد الثورة ولكن الإعلامي يقدم خدمة للمشاهد وعليه أن يعرض الرأي والرأي الآخر، فهناك من يصنف الإعلاميين الي إعلامي فلول وإعلامي ثورة، وهناك عدد من الإعلاميين قد انسحب من عدد من القنوات الجديدة لأنهم اكتشفوا أن هذه القنوات ليست قنوات ثورية، ولكنها من تمويل الفلول، فالبعض يري أن قناة (سي بي سي) مثلا من تمويل الفلول، أما قناة التحرير كانت ثورية أيام ابراهيم عيسي، فهناك شعور لدي القائمين علي العمل الإعلامي أن المناخ الآن غير جيد لصنع رسالة إعلامية محترمة". ويؤكد القرموطي أن الإعلام المصري لا يوجد فيه "هالة المصراتي" فهي كانت مرتبطة بالقذافي سياسيا، فهناك عدد من الإعلاميين تعاملوا مع الحزب الوطني لكن بنسب مختلفة، أما الإعلامي المتحول فهو الذي انقلب علي النظام بعد سقوطه، وفي النهاية المشاهد هو الذي يحدد المذيع والقناة التي يتابعها. التجاوزات اما الإعلامية نجوي ابو النجا فهي ترفض التجاوزات المهنية الموجودة الآن في برامج التوك شو، وتقول: هناك تكرار واضح في الضيوف التي يتم استضافتها في برامج التوك شو، فالضيف يخرج من قناة ليدخل قناة أخري مع زميلة أخري حتي بدون أن يغير (الكرافت) لذا علينا ان نقاطع هذه البرامج أو نقوم بمداخلات تليفونية لنواجههم بأن بضاعتهم أصبحت راكدة.. فتغير مواقف الإعلاميين بعد نجاح الثورة وضعنا في حيرة لأنهم لم يعطوا مبررات لهذا التغير وهذا وضع المتلقي في حالة (برجلة)، فكان يجب علي هؤلاء الإعلاميين أن يأخذوا وقتهم لاستيعاب ما حدث، وهذا لا يعني الانزواء فالحياة مستمرة، ولكنهم دخلوا بسرعة في صلب المشهد فمن كان يقول (نعم) أمس للنظام يقول اليوم (لا) مما يجعلنا نضع العديد من علامات الاستفهام علي هذه الوجوه الإعلامية، فالمشاهد اليوم أصبح محاصرا مما يصعب عليه الاختيار. وفي نفس السياق يري الكاتب الصحفي إبراهيم منصور أن عددا من الوجوه الإعلامية المسيطرة علي المشهد الآن هي وجوه معبرة عن الثورة المضادة، فلقد شوهوا الثورة، فالتغيير لم يحدث، فبعد نجاح الثورة لجأت هذه الوجوه إلي منافقة الثوار ثم تحولوا مرة أخري وعادوا إلي أصولهم لتشويه الثورة، فهؤلاء الإعلاميون أصبحا وجوا مكشوفة ومفضوحة للجمهور.. فما يحدث الآن هو تزييف للوعي عن طريق الإعلام، فكان من الضروري تغيير هذه الوجوه ولكن استمرار بقائهم جزء من عملية تشويه الثورة، لكن للأسف لاتوجد اي جهة إعلامية تحاسب أي إعلامي.