مما لا شك فيه، أن الصورة الصحفية تحتل أهمية بالغة في وسائل الإعلام المطبوعة، وفنون التحرير الصحفي الأخري، وتمثل أحد الأركان الرئيسية للصحف والمجلات، كما تحتل حيزًا كبيرًا من اهتمام المحررين والناشرين والمعلنين، وذلك بسبب قدرتها علي لفت أنظار الجمهور، وتوجيهه نحو الهدف المراد إبرازه. والصورة الصحفية، قد تُشكِّل أحيانًا، مادة صحفية قائمة بذاتها، أو قد تكون تأكيدًا للمادة الخبرية المنشورة، كما يمكن أن تقدم قراءات للحدث من زوايا معينة، كما قد يكون للصورة دور أكبر من دور الكلمة ذاتها، في التأثير أو التأثر بالحدث ..!! وفي العصر الحالي، الذي ىُعَدُ حقيقة هو عصر الصورة، تشكِّل الصورة الصحفية، عنصرًا أساسيا، في صناعة الصحافة والإعلان، وفي التسويق والترويج أيضًا. وقد ذكرت بعض الدراسات الإعلامية، التي أجريت في هذا الصدد، "أن نحو 75% من القرَّاء يلاحظون الصورة ويركِّزون عليها، وأن 50% من القرَّاء يلاحظون العناوين الرئيسية، وأن نحو 29% يلفت أنظارهم التعليقات علي الصور، في حين أن المادة التحريرية تلفت انتباه نحو 25% من القرَّاء.."، مما يؤكد أن الصورة هي الوسيلة الأفضل لجذب اهتمام القارئ. البدايات الأُولي من المعلوم، أن الصحافة بشكلها الأَولي أو البدائي، بدأت بالصور، فقد كان الإنسان البدائي يدوِّن ويرسم ويلوِّن، علي جدران الكهوف، أحداث وقصص وحكايات عصره وطرق معيشته، وصراعاته مع الطبيعة وغيرها، وذلك قبل تدوين التاريخ بآلاف السنين، وتُعد هذه الصور التي رسمها الإنسان القديم، هي أول لغة مكتوبة، ومنها تطورت الأبجدية، التي نستخدمها اليوم. وكانت الصورة، حتي أوائل القرن الثامن عشر، تُرسم يدوىًا بالقلم أو بالفرشاة، علي الورق أو الخشب أو القماش أو الجدران أو غيرها من المواد أو المسطحات، وكان لها وظائف أساسية مثل: تسجيل مظاهر وظواهر الحياة، والتعبير عن المشاعر والأحاسيس والمعتقدات، وتوضيح معاني الكلمات، خاصة الجديدة علي القارئ أو السامع. وقبل اختراع الكاميرات الفوتوغرفية، كان الفنانون أو الرسامون، هم الذين يقومون بعملية التصوير اليدوي، وذلك بالانتقال إلي مكان الحدث أو الخبر والقيام برسم صور تخطيطية له، ثم تنقل هذه الصور إلي الخشب، الذي يعد للحفر، ثم الطبع.."، وقد عرفت الصحف والمجلات هذه الطريقة، في القرن التاسع عشر الميلادي، "حيث كانت الصور علي شكل خطوط، تُحفر في كتل خشبية، ثم تُغْمَس في الحبر وتُضغط علي الصفحات بجانب المتن أو النص ..، وكانت صحيفة "أخبار الأسبوع" الإنجليزية، هي أول صحيفة تستخدم هذه الطريقة، وذلك في العام 1836م، حين نشرت خبرًا عن حريق شب في جزيرة "سانت مايكل" في ذلك الحين.. أما أول صورة فوتوغرافية التقطت - طبقًا لمصادر إعلامية - كانت في العام 1826م، وكان قد التقطها كيميائي فرنسي، يدعي "جوزيف نيبس"، من نافذة منزله. أما البدايات المهنية للتصوير الصحفي، فتنسبها بعض المصادر التاريخية، إلي أعمال عدد من المصورين، كان من أبرزهم "مايثوبرادي"، وذلك في منتصف القرن التاسع عشر، والذي جذبت صوره عن الحرب الأهلية الأمريكية الانتباه إلي الأهوال التي كان يشهدها ميدان المعركة في ذلك الوقت. التصوير الصحفي كفن أما التصوير الصحفي كفن، فقد شهد تطورات كبيرة، خاصة في الفترة ما بين 1925-1930، نقلته من المرحلة الجمالية، التي ينصب فيها الاهتمام علي الشكل والتكوين الفني، إلي المرحلة الإعلامية كفن تطبيقي وظيفي، يهتم بالقيم الإخبارية والصحفية. "وفي العام 1940م، ظهرت المدرسة التسجيلية، والتي تُعَدُ نواة لفن التصوير الحقيقي، وذلك بظهور فريق من المصورين الصحفيين، الذين وجهوا اهتمامهم إلي الموضوعات التسجيلية، أكثر من اهتمامهم بالموضوعات الجمالية، لتبدأ مرحلة جديدة، تحوَّل فيها الاهتمام، إلي النواحي الإعلامية، لتحتل القيمة الإخبارية للصورة المرتبة الأولي، ثم تأتي بعدها المعايير الجمالية الأخري.." وكالات الأنباء والصور الإخبارية وهناك بعض وكالات الأنباء العالمية، المتخصصة في بث الصور الإخبارية فقط، ومعظم الصور، في الكثير من الصحف والمجلات، هي نقلاً عن تلك الوكالات، وتتمتع الصور الإخبارية التي تنتقيها وكالات الأنباء هذه بالعديد من الخصائص، في الحجم والشكل والمضمون، فمن حيث الحجم والشكل، يجب ألا تكون الصورة صغيرة جدًا، إلي الحد الذي لا يلفت الأنظار إليها، كما أن صغر الحجم قد يحجب تفاصيل الصورة، وقد يؤثر سلبىًا علي مُخرجي الصحف، بما يؤدي إلي عدم إعطاء المادة الخبرية المصاحبة للصورة أهميتها المكانية المناسبة. وهذا لا يعني أن تكون الصورة المصاحبة للموضوع أو الخبر أو التقرير كبيرة أو كبيرة جدًا، أو أن تكون مزدحمة بالتفاصيل غير المهمة، بل يجب أن تكون في حجم يتناسب مع درجة المادة المصاحبة، كما يجب أن تكون الصورة واضحة الشكل، بكل تفاصيلها وأبعادها، وأن تكون متنوعة من حيث الحجم والألوان أيضًا. أما من حيث المضمون، فيجب أن تكون الصور المصاحبة ذات صلة وثيقة بالحدث وأشخاصه ونتائجه المسجلة بآلة التصوير، وأن تكون بمثابة الوثيقة الشاهدة علي تأكيد صحة الحدث أو الخبر ووقوعه، وأن تروي تفاصيلها أهم لحظات الحدث وطريقة وقوعه، وأن تكون أيضًا مهمة لأكبر عدد من القرَّاء، كما يجب أن يكون مضمونها حديثًا، يروي اللحظات الأخيرة للحدث، وكذلك يجب أن تكون مؤثرة لا تنسي بسهولة.. وأن يقدِّم مضمون الصورة عنصر المفاجأة.." الأبعاد الأخلاقية للصورة الصحفية وقد تثير الصور الصحفية - أحيانًا - بعض الإشكاليات الأخلاقية، التي تستدعي الوقوف عندها، ووضع الحلول المناسبة للتعامل معها، وخاصة إذا كانت تتعلق بأعراض الناس وخصوصياتهم، التي يحرصون علي عدم نشرها، أو تتعلق بنشر صور الإعلانات المسيئة، كصور النساء العاريات أو شبه العاريات، وصور الإعلانات التي تشجع علي بعض العادات السيئة كالتدخين وغيره أو ممارسة بعض الهوايات الخطرة أو الضارة. وثمة جدل شديد، ونقاش لا ينتهي بهذا الصدد، داخل المؤسسات الإعلامية، طرفه الآخر هو الجهات المجتمعية المعنية بالحفاظ علي القيم الأخلاقية، وذلك حول أهمية أو ضرورة نشر مثل تلك الصور أو حظر نشرها..!! تزييف الصور الصحفية إن عمليات تزييف وتزوير الصور الصحفية، بدأت منذ سنوات بعيدة، ولا تزال مستمرة حتي يومنا هذا، مع اختلاف إمكانيات وتقنيات التزييف في كل فترة من الفترات .. ويعود أول تزييف في العالم لصورة، إلي العام 1864م، عندما تم تزوير "البورتريه" الشهير للحرب الأهلية الأمريكية، والذي يصور الجنرال الاتحادي البارز في ذلك الوقت "جرانت" Grant، في تلك الحرب وهو علي ظهر حصان ويقود قواته، إلا أنه ثبت أن تلك الصورة كانت مزورة..!! ومنذ ذلك التاريخ وحتي اليوم، لم تتوقف عمليات تزوير الصور، واستخدامها كأداة دعاية لتحسين أو تشويه صورة شخص ما أو دولة ما، أو تزوير الوعي وتغيير رؤية الناس للأحداث..!! ولقد احتلت بعض هذه الصور المزورة، مكانة كبيرة في الذاكرة الإنسانية وذلك بسبب شهرتها الإعلامية، نذكر منها علي سبيل المثال: الصورة الشهيرة للطائر الغارق في النفط، أيام حرب الخليج الثانية 1990م، والتي استخدمت لاتهام العراق، بإغراق الخليج بالنفط وتلويث مياهه، في حين أن الصورة كانت قد التقطت في "ألاسكا"، بعد غرق ناقلة نفط هناك، والجميع يتذكر كذلك صورة هدم تمثال "صدام حسين" في ساحة الفردوس ببغداد، أثناء غزو أمريكا ودول التحالف للعراق، حيث أظهرت تلك الصورة، أن حشودًا كثيرة، شاركت في هدم التمثال، وذلك لتشكيل انطباع عن مدي كراهية العراقيين لصدام حسين، في حين أظهرت صور أخري أُلتُقطتْ من الأَعلي، أن عددًا قليلاً من العراقيين كانوا موجودين بالساحة وقتها..!! وفي العام 2008 نشرت مجلة "باري ماتش" الفرنسية صورة للرئيس الفرنسي "ساركوزي" مع "بنديكت السادس" بابا الفاتيكان، ظهر فيها "ساركوزي" بثلاثة أرجل، وتبين بعد ذلك أن الصورة الأصلية، كانت تضم حارسًا شخصيا من حراس "ساركوزي"، رأي المصور الصحفي أن وجوده بالصورة، غير مناسب، فقام بحذفه، إلا أنه نسي أن يحذف إحدي رجلي الحارس، فظهرت في الصورة وكأن ساركوزي بثلاثة أرجل..!! وتبقي صورة الرئيس السابق "حسني مبارك"، التي قام بتزويرها أحد مصوري جريدة الأهرام، في عهده البائد، واحدة من أكبر فضائح تزوير الصور الصحفية.. فأثناء محادثات إطلاق المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، في البيت الأبيض عام 2010م، تم تعمُّد تغيير موقع الرئيس السابق في الصورة، ووضعه في مقدمة الزعماء، ومن خلفه أوباما وعبد الله الثاني ملك الأردن وأبو مازن ونتنياهو، علي خلاف الصورة الحقيقية التي كان فيها الرئيس المخلوع يسير خلف هؤلاء، في أقصي يسار الصورة. والصور التي كان يروجها الإعلام المصري الرسمي، في بداية اندلاع ثورة 25 من يناير، ليست عنا ببعيد، ففي الوقت الذي كان فيه الملايين من المصريين، علي اختلاف انتماءاتهم وأعمارهم وأطيافهم، يملأون ميادين وشوارع مصر، كان الإعلام الرسمي الذي كان علي رأسه الوزير المحبوس "أنس الفقي"، يركز علي المساحات الفارغة أو التي يوجد فيها الأعداد الأقل من الناس، أثناء التصوير، في محاولة لتزييف صورة الواقع..!! الصورة الصحفية والتقدم التكنولوجي وفي النهاية تبقي كلمة.. فإذا كانت الصورة الصحفية، قد شهدت عبر تاريخها تطورًا كبيرًا، بلغ ذروته في هذا العصر - عصر الصورة - وعصر التقدم التكنولوجي الرهيب، الذي لعب - ولا يزال - دورًا بالغ الأهمية والخطورة، في جودة الصورة وسرعة إنتاجها وزيادة تأثيرها، وإمكان تكرار استخدامها، دون أن تفقد جودتها، هذا العصر الذي وفر الأدوات والبرامج التي تمكن - حتي - غير المحترفين، من إنتاج أو إعادة إنتاج أو تغيير معالم الصورة أو إعادة تركيبها وبنائها من جديد، كما وفَّر طرق المعالجة الرقمية، التي يمكنها أن تغير محتويات الصورة بالكامل أو تضيف أو تحذف فيها، وإذا كانت مواقع التواصل الإجتماعي علي الإنترنت، استطاعت أن توفِّر لنا الصورة الناطقة والمتحركة، المواكبة للحدث، لحظة وقوعه.. نقول إذا كان كل ذلك، في ظل هذا الزخم التكنولوجي الرهيب، المذهل، العجيب، فلابد هنا أن تثور عدة تساؤلات عن: مصداقية الصورة الصحفية، وإشكالياتها الأخلاقية والقانونية، وأيضًا عن مستقبل الصورة الصحفية، ومدي إمكانية منافستها، لما تنشره أو تنقله وسائل الاتصال والإعلام الحديثة..!! ومهما يكن من شيء، فإن الحفاظ علي مصداقية الصورة الصحفية، كي لا تفقد مكانتها الكبيرة في نقل المعاني، التي تعجز الكلمات عن نقلها في كثير من الأحيان، يبقي مطلبًا حيويا ومهماً بل وضروريا.