مما لا شك فيه، أن الإنترنت هو أحد أهم ادوات الثورة التكنولوجية والاتصالية وقد استطاعت شبكات الإنترنت، أن تفتح امكانات وحدود التواصل، بين الأفراد والأمم بشكل هائل وغير مسبوق، وان تخلق نوعاً من المجتمعات الكونية المتكاملة، له عادات وتقاليد، بل ولغة خاصة..!! ومع ذلك، فإن هذه الثورة الاتصالية وأدواتها العلمية، كان من شأنها أن تُعرِّض هذا المجتمع للكثير من المآزق والتشوهات..!! مخاوف وتحذيرات وقد أبدي خبراء الحاسب الآلي وخبراء القانون أيضاً، مخاوفهم من الوجه الآخر لاستخدام هذه التكنولوجيا المتقدمة، التي تحولت إلي كابوس يهدد حرمة الإنسان وخصوصياته، حتي تجاوز الأمر سرقة البنوك (والفيزاكارد) Visa Card إلي دخول غرف النوم واختراق الجدران السرية وتصوير النساء عاريات في لحظات خاصة، بالإضافة إلي التجسس علي الآخرين بأشكال وطرق مختلفة، يصعب علي غير المتخصصين اكتشافها..فقد تجد امامك مثلاً، وردة جميلة أو قلماً أنيقاً، لكنهما من الممكن أن يكونا مصدراً للخطر الشديد، الذي قد يهدد خصوصيتك..!! وقد أطلق الخبراء والمتخصصون تحذيرات عديدة لتجنب هذا الخطر، الذي يهدد الأجيال الحالية والقادمة، في ظل عدم وجود تشريع حقيقي، يعاقب ويجرم المستخدمين والمستغلين للتكنولوجيا والتطور العلمي، بشكل سيئ، كي لا تتحول التكنولوجيا إلي وسيلة لتنغيص حياة الانسان وتهديد خصوصياته ومعرفة أدق أسراره..!! ومع أن الفترة الحالية شهدت طفرة كبيرة، في برامج حماية الشبكات وتأمين الكمبيوتر وشبكات الإنترنت، بعد أن أصبح علماً متطوراً، ووضع نظماً متطورة وآمنة للحفاظ علي سرية البرامج، إلا أن هناك عدة مستويات لمخاطر هذه التكنولوجيات. فالتجسس عن طريق الانترنت - كما يري الدكتور - علي فهمي - أستاذ الحاسبات والمعلومات بجامعة القاهرة - لم يعد قاصراً علي بيع أسرار دواء أو بحث علمي أو تصميم معين أو خلافه، لكنه امتد إلي ماهو اخطر من ذلك، فيمكن مثلاً إخفاء معلومات لها طبيعة خاصة من السرية، في صورة نقاط رقمية تمثل المعلومة داخل ملف عبارة عن صورة، ولتكن صورة وردة مثلاً، ويتم إرساله إلي شخص أجنبي، ويستطيع هذا الاجنبي، من خلال برامج خاصة، الاستفادة من هذه المعلومات السرية..والغريب أنه لا يمكن اكتشاف ما بداخل الكارت أو الصورة بمجرد النظر ..!! آثار ضارة..وجرائم غير أخلاقية ومن الآثار الضارة جداً للتعامل مع الانترنت، ماحدث في عام 1981، من قيام شاب في مقتبل العمر، باختراق نظام تشغيل الحاسب وتعطيل بعض وظائفه، لكي يثبت لوالده أن أجهزة الحاسبات الآلية، ليست آمنة، كما حدثت عدة اختراقات مماثلة في سنوات أخري تالية..!! ولا يستطيع أحد أن ينكر عمليات التزوير والسرقة والنصب، فضلاً عن سرقة الأبحاث العلمية والمؤلفات والمقالات والتفنن في التشهير بالأشخاص، والأمثلة علي ذلك كثيرة، منها مثلاً : أن أحد الاشخاص تجني علي فتاة وقام بوضع اسمها وصورة وجهها علي صورة خليعة، بعد أن قام بعمل مونتاج بسيط، ثم استخدم الصورة في التشهير بها، وقد تكررت ومازالت تتكرر مثل هذه العمليات السيئة ..!! ولا يخفي علينا الخسائر الضخمة للشركات والأفراد بسبب فيروسات الحاسب الآلي، التي تعطل الخدمة أو تمسح البيانات أو تضعف من قدرة الكمبيوتر، حتي يصبح بطيئاً. ومما لاشك فيه أيضاً..ان الاستخدام السلبي أو العكسي للكمبيوتر، أمر خطير للغاية، حيث إنه إتلاف للمعلومات المُخزَّنة علي الحاسبات، يتم في الغالب لصالح شركة منافسة أو شخص فُصِلَ من عمله مثلاً، يقوم بتخريب وإتلاف المكان الذي تركه..!! كما أن هناك جرائم غير أخلاقية في بث مواقع غير حقيقية تضر ببعض الأشخاص أو عقائد دينية وأحياناً بأمن البلاد، بل وتعدي الأمر ذلك إلي المساس بالتفسير الخاطئ للكتب المقدسة..!! ومما يثير الألم والحزن بل والغثيان أيضاً، أن يقوم أحد الأشخاص، بتركيب صورة لوجه فتاة أو سيدة معروفة، علي صور فاضحة، أو أن يقوم أحد الطائشين، بتصميم موقع للتشهير بفتاة فشل في الوصول إليها أو فسخ خطبته منها، ويقوم هذا الطائش بتزويد الموقع ببيانات خاصة ومُزَّيفة عنها..!! كما أن هناك خللاً تزايد، بعد انتشار خدمات البنوك، التي تتم عن طريق الإنترنت، لاسيما أن هذا الأمر يستلزم معرفة إسم المستخدم وكلمة السر، وهنا تقع الكارثة مما يترتب عليه أن تطول يد التلاعب، حسابات البنوك، وربما تغيير التعليمات ذاتها ..! الخروج من المأزق وفي محاولة للخروج من هذا المأزق - كما يري د. عبادة سرحان - أستاذ علوم الحاسب الآلي - فقد تم تقديم حلول، أولها تصميم شبكات بمستويات أمان مختلفة، حتي لو افترضنا الوصول إلي المستوي الأول، فلا يمكن الانطلاق نحو الشبكة الأخري، الأكثر تعقيداً أو أماناً، رغم أنه لا توجد شبكة آمنة بنسبة 100%. إن الجهات الأمنية الدولية - والكلام مازال للدكتور - سرحان - تحاول اللحاق بمرتكبي حوادث الضرر، علي الانترنت، ووجدت طرقاً لمتابعتها وملاحقتها، وتعد مصر من الدول المتقدمة في هذا المجال، فقد قامت بتتبع العديد من الجرائم المعلوماتية وتمكنت من التوصل إلي مرتكبيها..!! قانون جديد والحقيقة أن الامر يحتاج إلي قانون جديد، حيث أنه من الصعب التوسع في التفسير بالنسبة للقوانين القائمة حالياً، كما يذهب إلي ذلك الدكتور - أحمد العطار - أستاذ القانون الجنائي بجامعة عين شمس. فقد أصبح من الممكن مثلاً فتح جهاز المحمول، دون أن يعلم الأشخاص المتواجدون بأن صوتهم ينتقل عبر الأثير إلي أماكن أخري، دون رغبتهم، وقد يتجاوز الأمر ذلك ويصل إلي حد تصوير الأشخاص - خاصة السيدات - في أوضاع لا يرغبون أن يشاهدهن أحد فيها مما يشكل اعتداء صارخاً علي حريات الأشخاص. والنصوص القانونية الحالية، تخلو من معالجات لمثل هذه المشكلات، مما يعَدُ قصوراً واضحاً في القانون، لأن النصوص الواردة في قانون العقوبات محدودة..!! ويذهب د. العطار- إلي ضرورة الإسراع في وضع قانون يحَرِّم ويجِّرم من يباغت غيره بالتقاط الصور عن طريق المحمول، كما دعا - العطار - إلي ميثاق شرف يتضمن أخلاقيات وواجبات وحقوق الأفراد، إزاء هذا الإنجاز العلمي ويكون متضمناً نصوصاً تضمن عدم الأحاديث المزعجة أو المخلة بالآداب العامة أو الذوق العام، وعدم الإساءات الشخصية الناتجة عن استخدام أجهزة المحمول، مثل تسجيل الأحاديث وتصوير الأشخاص دون علمهم أو دون إرادتهم. ولابد أن تشمل نصوص القوانين المقترحة، مشاهدة الأفلام المُخِّلة بالآداب العامة، وتمتد إلي تجريم استخدام الإنترنت في جرائم النصب والدعايات المضللة والإعلان عن الجوائز الوهمية والترويج لأشياء ممنوعة أو سلع فاسدة أو بضائع مهَّربة او مصنوعات مقلَّدة . كما يجب - والكلام مازال للدكتور - العطار - عدم السماح بالدخول علي الانترنت إلا عن طريق جهة واحدة لا يمكن تجاوزها، وأن تملك هذه الجهة وسائل الحماية والرقابة الفكرية ومنع كل ما يتعارض مع الآداب والأديان والأخلاق. مطلوب تدخل جامعة الدول العربية إذا كانت وزارة الداخلية في مصر، لديها شرطة متخصصة، تحترف عمليات ضبط هذه الجرائم، ولديها فنيون متميزون من خريجي أكاديمية الشرطة، يعملون في هذا المجال، إلا أننا يجب أن نعترف أن هناك أفعالاً غير مُجرَّمة في قانون العقوبات، تحتاج إلي تدخل صريح بالتجريم، مثل : إرسال عدد كبير من الرسائل مثلاً في البريد الالكتروني أو علي المحمول بغرض مضايقة المتلقي او تعطيله، كأن يتم ارسال رسالة للتحية مثلاً، مئات المرات، أو أن يرسل إليك أحدهم عشرات الرسائل يدعوك فيها إلي سماع النكت أو القفشات دون رغبتك..!! إن التفسير المحدود لنصوص القانون يحول دون اعتبار اختراق الحاسب الآلي جريمة يعاقب عليها القانون، فالقانون ليس واضحاً في التجريم ..!! وفي جميع أنحاء العالم، نجد أن المُشرِّع، قد تدخل بنصوص عقابية صريحة، لتفادي أي لبس أو غموض. وقد قامت بعض الدول مثل تونس، المغرب، الإمارات العربية، بإدخال تعديلات في القوانين، واضافت تشريعات جديدة إلي منظومة التشريعات لديها، من شأنها أن تؤدي إلي المزيد من الحماية. وفي النهاية تبقي كلمة... إذا كانت هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات في مصر قد بدأت منذ فترة - أكثر من عامين تقريباً - بإعداد مشروع قانون جديد للقضاء علي مثل تلك الجرائم والمشاكل..فإننا نتساءل بدورنا: لماذا لم يخرج هذا القانون إلي النور حتي الآن ..؟! كما نتمني أن تتدخل جامعة الدول العربية، بتبني اتفاقية عربية أو تصدر قانوناً نموذجياً تستعين به الدول العربية في هذا الشأن..نأمل ذلك ..!!