تخيرت لنفسها الصحراء، وأعالي البحار، التنقيب والبحث الدائم، عشقت حرقة الشمس وحر الجبال، ولون اللهيب المنطلق من فوهة البريمة، هي أول مهندسة عربية بل وعالمية تطفئ حرائق النفط، واحدة من اثنتين علي مستوي الوطن العربي تعمل بحقول البترول، كرمها الكثيرون ومازال هناك تكريمات أخري تنتظرها، أثبتت وعن جدارة قدرة المرأة العربية علي خوض جميع التجارب دون هوادة، إنها المهندسة سارة أكبر مهندسة بترول والمدير التنفيذي لشركة الكويت للطاقة.. وفي زيارة خاطفة لها للقاهرة كان معها هذا الحوار. هل كانت نشأتك تنبئ بشخصية مغامرة؟ لقد نشأت بين اثنين من الأخوة الذكور فمن يسبقني ومن يليني من الذكور، فكنت ألهو معهما وأفكر بطريقتهما وأشاركهما مغامراتهما، وكان لهذه النشأة أثر قوي في طبيعة شخصيتي، وكان كل من والدي ووالدتي يعطونني ثقة مطلقة وكاملة في كل تصرفاتي مما كان أساسا في ثقتي بنفسي وبقدراتي، ولذلك لم أجد الصعوبة التي قد تجدها غيري في مجال النفط وحقول البترول، وهو مجال يتحكم به الرجال كلية فاقتحام المرأة له في ظل مجتمع محافظ جدا مثل الكويت وهي جزء من المجتمع الأكبر (الوطن العربي) وهذا شيء ليس بالهين أو السهل، ولكنني دائما أقول إن العمل الجيد يفرض نفسه، وان طاقة الانسان وقدرته علي العطاء وليس العطاء فقط بل الإبداع فيما نعطيه، وبذل كل الجهد كل ذلك سيجعل المرأة تتفوق فأيا كان نوع الشخص فإذا ما اجتمعت به هذه الصفات سيجد النجاح حليفا له. حقول الذكور ما المعوقات التي واجهتك في العمل؟ في بداية الأمر قوبلت برفض تام من قبل الشركة وليس من قبل أهلي، فكان الموقف في منتهي الحساسية كوني فتاة كويتية ومهندسة تريد الخروج إلي الحقول مع الشباب الذكور، وطبيعة عملنا تفرض علينا التواجد في الحقول في أوقات مختلفة من اليوم، فكانت بمثابة مخاطرة أو مغامرة، خاصة في ظل مجتمع صغير مثل الكويت أي مشكلة به ستنتشر والكل سيعرفها، فكان ذلك سيضع الشركة تحت المساءلة دائما، وإذ لا قدر الله حدث شيء خطأ كان ذلك سيؤدي بالشركة إلي الهلاك، وكان هذا سبب التردد الكبير في ان يعطونني الثقة لأنني أؤدي عملي كمهندسة بحقول النفط، ولا يمكن أن يكون حلمي هو أن أكون مهندسة ناجحة ومميزة وأجلس بمكتب مغلق ومكيف وتخصصي يقول إنني أتواجد في الصحاري وأعالي البحار للبحث والتنقيب، ولذلك أصررت علي وجهة نظري، وأبلغت الشركة بأنني علي أتم الاستعداد لتحمل أي مسئولية أو مخاطر قد تقع لي، وأن أخلي الشركة من تبعات أي مخاطر ومن هنا وافقت الشركة علي إلحاقي بالعمل بحقول البترول، ثم كان للشركة بعد ذلك دور كبير في تدعيمي، حيث كان بالشركة رجال متحضريون وأصحاب نظرة ثاقبة ساهموا في إنجاح عملي وإبرازه، وهذه التجربة مثال علي التبادل الفكري والتعاون بين الرجل والمرأة. ما المجالات التي لم تقتحمها المرأة العربية؟ ربما أنها لم تصعد الفضاء بعد؟ ولكن أي مجال آخر فسنجد المرأة العربية وقد أثبتت نجاحا كبيرا، ففي مجال إطفاء حرائق النفط علي مستوي العالم كله وليس الوطن العربي استطاعت المرأة العربية أن تقتحم هذا المجال وهما أثنتان أنا واحدة منهما والزميلة المهندسة/ هيفاء البدر وهي كويتية أيضا شاركت معي في رحلتي إلي العراق لإطفاء آبار البترول التي اشتعلت بعد الحرب مباشرة. سيدة الحريق ماذا عن هذه التجربة التي مررتما بها في العراق؟ بدأت الحرب في مارس 2003 وبعد يومين من بداية الحرب قام الجيش الأمريكي بالاتصال بشركة النفط لطلب مساعدة الفريق الكويتي للإطفاء، وكان ذلك لإطفاء حرائق آبار البترول في جنوب العراق والتي أشعلها العراقيون أنفسهم، كانت فترة عصيبة جدا فكانت هناك صواريخ تسقط علي الكويت ولم تكن القوات الأمريكية قد اقتحمت كل أرجاء العراق وكانت الحالة الأمنية غير مستقرة نهائيا، فوجهت لنا الشركة الدعوة لمن يرغب في المشاركة في هذا الحدث، وهم يعلمون جيدا انها مغامرة كبيرة ولكنني لم أتردد ولو للحظة واحدة، وال24 شخصا هم عدد الفريق وكانوا جميعا علي أتم الاستعداد للذهاب فلا نستطيع أن نبخل بخبرتنا وعملنا الذي عشقناه علي أي مكان في الوطن العربي، وفي ثالث يوم بعد بدء الحرب كان الفريق كله علي الحدود العراقية الجنوبية، قمنا بإطفاء بئرين وأغلقنا بئرا ثالثا ومكثنا هناك 24 يوما في حقل جنوب الرميلة، وكان من أكثر أعضاء الفريق حماسا هي المهندسة هيفاء زميلتي، فقالت اذا كانت المهندسة سارة ستكون موجودة فلما لا أشارك أنا أيضا؟ ورغم صغر سنها إلا أنها كانت يدا بيد معنا ولم تترك شيئا لم تشارك به واجتهدت كثيرا أثناء هذه الرحلة الشاقة. من مثلك الأعلي؟ مثلي الأعلي في العطاء سيدة فاضلة في الكويت كثيرون لا يعرفون عنها شيئا وهي السيدة/ أمثال الصباح وهي أخت صاحب السمو الأمير جابر الأحمد الصباح أمير الكويت، ورغم ذلك فهي إنسانة متواضعة جدا، هي مثال ونموذج للعطاء بلا حدود في كل المجالات، فغدت واحدة من أبرز الشخصيات النسائية التي تعمل بجد وبدون مقابل ولا تحب البريق الاعلامي علي عكس كثيرات أخريات، وأعتقد أنها مثل أعلي لكثيرات غيري. ومن الشخصيات القيادية تعجبني جدا شخصية الملكة (زنوبيا) فقد قرأت عنها كثيرا وتعمقت في دراسة شخصيتها فسحرتني وجعلتني أعجب بها بل إنني عشقت هذه الشخصية ووجدت بها مثل أعلي حقيقي لنساء الوطن العربي كله. كيف تديرين أزمات العمل؟ بالتأني والعقل.. أن نأخذ الأمور خطوة بخطوة، وسأضرب مثال بفريقنا كله فنحن نسمي ب fire fighters أي محاربي الحرائق نتبع طريقة محددة لإطفاء الحريق نقوم بتجهيز الموقع، تجهيز الماء، المعدات المطلوبة، وبالطريقة نفسها ندير أزمات العمل، فقد تكون هناك أزمة أقوي تدميرا من الحريق، ولذلك فأنا أقوم بتحديد حجم الأزمة وقوة تأثيرها علي سير العمل وأبدأ في وضع خطة لتمرير الأزمة بسلام. دعم الحقوق هل استطاعت المرأة العربية أن تحصل علي كل حقوقها؟ الحقيقة أن المرأة العربية لم تحصل علي، ومازالت المرأة تحتاج الكثير من الدعم القوي الشديد من أجل أن تؤدي دورها في مجتمعاتنا العربية، في كل الجزيرة العربية مازالت المرأة تعاني الاضطهاد ليس فقط هضم الحقوق، نحن نعيش في مجتمع ذكورة للنخاع ولا يتخيل الرجل ان يتخلي عن جزء من القيادة، فعندما نطلب من الرجل مساندة المرأة وإعطائها بعض الحقوق يسأل نفسه ولماذا أعطيها الحقوق التي تواجهني بها وأنا أملك زمام الأمور؟ ومهما بذلت المرأة العربية من جهد وعرق فلن تأخذ حقها كاملا لأن الرجل لن يسمح لها، فإذا ما أتينا برجل وامرأة بنفس القدرات العلمية والعملية وقاما بنفس المجهود سنجد التقدير كل التقدير للرجل سواء في الترقيات أو الحوافز وغير ذلك، رغم أن المرأة قد تكون أفضل في الأداء ولكنها التفرقة التي تعيش داخل الدورة الدموية للمجتمع العربي. وعن المشاركة السياسية للمرأة تقول. السياسة هي اليد الممسكة بكل الخيوط وهي المتحكم الأول في كل مناحي الحياة، وفي كلمته التي ألقاها أمام الملتقي الاقتصادي الثاني لسيدات الأعمال قال سمو الأمير الوليد بن طلال إن المرأة أكثر قدرة علي العطاء في السلم، لا توجد امرأة خالقة للحروب، واذا أتيح المجال السياسي للمرأة فلن نري هذه الحروب الطاحنة في كل أرجاء المعمورة، لأن المرأة بطبيعتها معطاءة، لا تحب الصراعات والدموية، فإذا استطاعت المرأة أن تدخل مجال السياسة بقوة وبشكل أكبر سيحدث استقرار سياسي أكثر مما نحن عليه الآن بكثير، فالرجل بطبيعته الأنا لديه أعلي أما المرأة فلا تعاني هذه المشكلة فهي بطبيعتها صانعة للسلام والسكينة. لماذ تقل أعداد النساء العربيات في مراكز اتخاذ القرار؟ يجب علي المرأة أن تدعم نفسها بنفسها، وتجمعات السيدات في جمعيات وأندية وملتقيات يفيد كثيرا في توطيد العلاقات وتقوية أواصل العمل الجماعي، كما تعمل علي تدعيم العلاقات الاقتصادية التي تؤثر بشكل مباشر علي العلاقات السياسية، ففي شركة الكويت للطاقة أساس استثمارتنا هو العلاقات السياسية بين دول الوطن العربي، والنساء أكثر قدرة علي توطيد العلاقات فلما لا يتم الاستعانة بها في مراكز اتخاذ القرار؟ إنها نفس النظرة الظالمة للمرأة العربية، ولكن بتكاتف كل نساء العرب سنحصل علي مواقع اتخاذ القرار وسنثبت صلحيتنا بها وبتفوق، لأننا لو انتظرنا الحكومات لتمنحنا هذه المواقع فسننتظر طويلا، ولا ننكر أن القطاع الخاص أخذ زمام المبادرة وأعطي الكثير من مراكز اتخاذ القرار لسيدات عربيات، وهي رؤية بعيدة لصلحية المرأة في الادارة الناجحة. عملان منفصلان دور الرجل في حياة المرأة؟ لابد لها من زوج وعائلة، لايوجد شخص ينجح بدون الآخر، الحياة لاتسير بشخص بمفرده، فالسيدة تحتاج للرجل، والرجل يحتاج للسيدة، ولاشك ان نجاح كل منهما يقف علي مدي مساندة الآخر له، فالنجاح مجموعة من العوامل أهمها التعاون والمشاركة الحميمية القائمة علي الموجة والاحترام بين الرجل والمرأة سواء أكان زوج أو شقيق أو أب. الحياة العائلية بالتأكيد لها تأثير سلبي، لأن العمل والحياة العائلية عملان منفصلان وكل منهما يحتاج إلي مجهود مضاعف، ويحتاجان إلي عطاء وذهن صاف، كيف نخلق التوازن؟ هذا هو المحك، ويتم ذلك بالتخطيط السليم، بحيث لا يطغي أحدهما علي الآخر. الحالة الاجتماعية أنا زوجة وأم لثلاثة من الأبناء ولدان وبنت، والحمد لله أتمتع بحياة عائلية سعيدة جدا.