شهدت الكويت الأربعاء الماضي مظاهرات تعد الأولي من نوعها حيث توجه آلاف المتظاهرين ومن بينهم عدد من نواب المعارضة في مسيرة إلي مقر رئيس الوزراء الشيخ ناصر محمد الأحمد الصباح، ورددوا هتافات "الشعب يريد إقالة الرئيس" و"حرية حرية". وعندما تعرضت قوات الشرطة لمسيرتهم في ساحة الإرادة أمام مبني البرلمان وحاولت منعهم من الوصول إلي مقر رئيس الوزراء باستخدام الهراوات، اقتحموا مبني مجلس البرلمان الكويتي ودخلوا القاعة الرئيسية، مرددين النشيد الوطني. وأدت الاشتباكات بين قوات الشرطة و المتظاهرين إلي إصابة نحو 15 مواطناً و3 عسكريين. وكانت هذه المظاهرات قد تمت بدعوة من المعارضة للمطالبة بإقالة رئيس الوزراء وحل مجلس الأمة. أمير الكويت يحذر من الفوضي وعلي الرغم مما بدا وكأنه بداية لربيع عربي يجتاح الكويت، إلا أن الهدوء سرعان ما عاد للعاصمة الكويتية بعد أن كلف أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح قوات الحرس الوطني والأجهزة التابعة لوزارة الداخلية باتخاذ "كل الصلاحيات اللازمة لضمان استتباب الأمن وتطبيق القانون بكل حزم وجدية لوضع حد لمثل هذه الأعمال الاستفزازية المشينة تجسيداً لدولة القانون والمؤسسات" وذلك وفقاً لما جاء في بيان حكومي صدر في اليوم التالي لحادث اقتحام البرلمان. وأعرب أمير الكويت في البيان الذي نشرته وكالة الأنباء الكويتية عن "عميق الأسف والقلق والاستياء إزاء هذه التصرفات العبثية غير المعهودة والتي يرفضها أهل الكويت جميعاً". ووصف أمير الكويت اقتحام البرلمان بأنه "مساس بالثوابت الكويتية وخطوة غير مسبوقة علي طريق الفوضي والانفلات تشكل تهديدا للأمن والاستقرار وللنظام العام في البلاد". كما كلف الشيخ الصباح مجلس الوزراء وزارة الداخلية بملاحقة المسئولين عن اقتحام البرلمان. ونفي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الكويتي، الشيخ أحمد الحمود الصباح، الاتهامات التي وجهت إلي المملكة العربية السعودية وعدد من دول الخليج بالتدخل في الشأن الداخلي للبلاد. وكان النائب فيصل الدويسان قد اتهم ستين شخصاً ممن اقتحموا قاعة عبدالله السالم في مبني البرلمان بأنهم يحملون جنسية إحدي الدول الخليجية، وقال "يبدو أن الديمقراطية الكويتية صارت مؤرقة لبعض الدول". مشهد متكرر لأزمة الحكومة والبرلمان مظاهرات يوم الأربعاء الماضي تعد امتداد للأزمات المتكررة بين الحكومة و البرلمان، وكانت المعارضة قد صعدت من احتجاجاتها بعد فضيحة فساد متهم بالتورط فيها نحو 15 نائباً من الوزراء المعينين ومن بينهم وزير الخارجية الشيخ محمد الصباح. وتتضمن تهم الفساد تهم بتلقي رشاوي بقيمة 350 مليون دولار منها اتهامات وجهها نائب المعارضة مسلم البراك لوزير الخارجية بالقيام بعمليات تحويل غير مشروع للخارج عبر السفارات الكويتية. كما اتهم البراك مكتب رئيس الوزراء بإجراء 485 تحويلاً مشبوهاً بعشرات ملايين الدولارات. وعلي الرغم من استقالة وزير الخارجية إثر هذه الاتهامات، إلا أن النائبين أحمد السعدون وعبدالرحمن العنجري تقدما باستجواب ضده الأربعاء الماضي في البرلمان علي خلفية القضية نفسها. وشهدت الجلسة التي تحولت إلي جلسة سرية بناء علي طلب وزير الدولة لشئون مجلس الأمة وزير النفط محمد البصيري تبادل الاتهامات بين نواب المعارضة و بين النواب المعينين. وتم رفع الاستجواب ب 38 صوتاً، في حين لم يشارك في التصويت 26 نائباً، انسحب 20 منهم عند بدء عملية التصويت. المعارضة تهدد وبعد فض مظاهرات يوم الأربعاء، وجهت المعارضة تحذيرات للحكومة بالعودة للتصعيد إن لم تنفذ مطالب المتظاهرين. وهدد النائب الكويتي المعارض مسلم البراك بمزيد من الاحتجاجات إذا لم تستقل الحكومة ويحل مجلس الأمة. وبينما عقدت المعارضة الكويتية اجتماعاً عقب تظاهرات الأربعاء لتقييم الأوضاع، عقد مسئولون كويتيون اجتماعات استثنائية غداة اقتحام مبني البرلمان برئاسة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الذي يتمتع بصلاحية حل مجلس الأمة وإقالة الحكومة، كما ألغي البرلمان جلسته المقررة يوم الخميس الماضي بسبب الأضرار التي ألحقها المتظاهرون بالمبني. واعتبر الأمين العام لحزب الأمة، حاكم المطيري، أن ما حدث هو رد فعل لغليان الشارع وللقمع الذي تعرض له المتظاهرون في ساحة الإرادة. وأكد المطيري أن الحكومة تجاهلت المشكلة المتمثلة في الأزمة بين الحكومة و البرلمان، ودعا الحكومة إلي تقديم استقالتها حتي تتمكن الكويت من ممارسة ديمقراطية حقيقية و القيام بإصلاحات جذرية في ظل حكومة منتخبة تمثل إرادة الشعب. كما اتهم عضو البرلمان السابق، فهد الخنة، رئيس الوزراء الكويتي برشوة بعض أعضاء البرلمان وطالبه بالاستقالة أو المثول أمام أعضاء البرلمان كي يخضع لاستجواب. ودعت المعارضة من تجمع "نهج" إلي اعتصام جديد في ساحة الإرادة تحت شعار "لا تنقضوا الميثاق". وقال النائب وليد الطبطبائي إن الاعتصام "يأتي ضمن تأكيد المعارضة رفضها التعامل مع الحكومة". كما أعلن بعض نواب المعارضة عدم حضور جلسات القضية المرفوعة ضدهم من قبل وزارة الإعلام، وكذلك اجتماع اللجنة التشريعية المخصص لمناقشة طلب رفع الحصانة عنهم. وكان رئيس لجنة الشئون التشريعية والقانونية البرلمانية النائب حسين الحريتي قد أرسل كتاباً رسميا إلي كل من النواب جمعان الحربش وفيصل المسلم ومحمد هايف ووليد الطبطبائي لحضور اجتماع اللجنة اليوم الثلاثاء، للاستماع إلي رأيهم في طلب رفع الحصانة عنهم في قضية مرفوعة من قبل وزارة الإعلام علي خلفية إساءاتهم للطائفة الشيعية في ندوتين تم بثهما علي قناة مباشر الفضائية الأولي هي "ثوابت الأمة: رأي الشعب الكويتي من أحداث البحرين" والثانية بعنوان "السور الخامس". انتقادات للمتظاهرين أصدر المنبر الديمقراطي بياناً قال فيه إنه "حذر الحكومة من خطورة وتداعيات التعدي علي الدستور وعدم الالتزام الكامل بنصوصه والتفسير المزاجي لمواده". غير أنه أدان في بيانه قيام بعض النواب بتحريض المتظاهرين علي اقتحام مبني البرلمان، وطالب الجميع بالالتزام بالدستور.كما أدان "التجمع الإسلامي السلفي" اقتحام المتظاهرين مبني البرلمان بقيادة بعض أعضاء المجلس ، وأضاف أن ما حدث "يعد سابقة خطيرة وسنة سيئة تفتح الباب للفوضي والغوغائية في التعامل مع الامور". في الوقت نفسه، انطلقت بعد صلاة الجمعة الماضية مظاهرات مؤيدة للأسرة الحاكمة أمام قصر دسمان. وحمل المتظاهرون أعلام الكويت، وصور أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، وعبر المئات من المواطنين عن استيائهم من اقتحام مقر البرلمان . أزمة الديمقراطية في الكويت ويتألف برلمان الكويت من 50 نائباً وتتألف الحكومة من 16 وزيراً من بينهم 15 غير منتخبين، ويصبحون تلقائياً أعضاء في البرلمان يتمتعون بحقوق التصويت نفسها التي يتمتع بها النواب المنتخبون. ويمثل الوزاء المعينون في البرلمان الكويتي ما وصفه بعض المراقبين بأنه "ثلث معطِّل" أو "ثلث ضامن" حيث يتم تعيين هؤلاء علي عكس ما جاء في المشروع الأول للدستور الذي كان يمنح الوزراء حق حضور الجلسات البرلمانية دون حق المشاركة في التصويت. وتعد هذه السمة أهم سمات الأزمات السياسية التي تشهدها الكويت خلال السنوات الخمس الماضية مما دفع بأمير البلاد إلي حل البرلمان ثلاث مرات في الوقت الذي استقالت فيه الحكومة خمس مرات. وبحسب القانون الكويتي يمكن لأمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح إذا ما سحب النواب الثقة عن رئيس الوزراء أن يشكل حكومة جديدة أو يحل البرلمان ويدعو إلي انتخابات برلمانية مبكرة. يذكر أن الشيخ ناصر المحمد الصباح قد عين رئيساً للوزراء للمرة الأولي في فبراير 2006، وألف منذ ذلك الوقت أربع حكومات وأجري تعديلين حكوميين رئيسيين نتيجة لخلافات مع أعضاء البرلمان، وتم استجواب 12 وزيراً علي الأقل من وزرائه خلال تلك الفترة. علي الرغم من أن التجربة الديمقراطية في الكويت بدأت فعلياً مع وضع الدستور عام 1962، إلا أن المسار الديمقراطي في الكويت تعرض لأزمات متكررة منذ بدايته منها مثلاً تزوير انتخابات 1967 و حل مجلس الأمة وتعليق الدستور في الفترة من عام 76 إلي 80، ثم في الفترة من 86 إلي 92. ومنذ الغزو العراقي للكويت عام 1990، أعادت الأسرة الحاكمة العمل بالدستور، للتأكيد علي شرعيتها في مواجهة الاحتلال وقتها، لتبدأ بعدها صفحة جديدة مع المسيرة الديمقراطية التي دفعتها إلي اعتماد قرارات حل البرلمان بشكل دستوري مع الدعوة لعقد انتخابات مبكرة، وهو ما تم في الأعوام 1999 و2006 و2008 . ومن العوامل الأخري المهمة في الأزمة البرلمانية المتكررة مسألة الجمع بين ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء كأحد تقاليد الحياة السياسية في الكويت، و هو التقليد الذي لا يستند إلي نصوص دستورية و يحد من الدور الرقابي لمجلس الأمة علي رئيس الحكومة، عندما يكون رئيس الحكومة هو شخص ولي العهد. سيناريو اقتحام مبني البرلمان هو بالفعل مشهد جديد في أزمة الديمقراطية البرلمانية في الكويت ربما يكون الأكثر عنفاً منذ بدء شواهد هذه الأزمة مند نحو خمس سنوات. الديمقراطية الكويتية التي اعتمدها دستور 1962 وشهدت 12 برلماناً منتخباً و25 حكومة ربما تكون قد وصلت إلي منعطف طريق أصبحت مطالبة فيه بالتفاعل مع مطالب الشعب من ناحية و بالتعامل مع الأزمة عن طريق إيجاد حلول جذرية لها.