الفنان اين السمري اقام عرضاً في قاعة احمد بسيوني بكلية التربية الفنية الاسبوع قبل الماضي ورسم معرضه بالكامل فوق جدران قاعة العرض وسط طلبة واساتذة الكلية.. المعرض يدور حول فكرة واحدة وهي "الإنماء " مستعيناً بأربعة وسائط تدور في رمزيتها حول الأرض.. المياه.. والنبات لإيقاظ الأرض بيئتنا الأم في توازي ويقظة الروح المصرية بعد الثورة. الفكرة بسيطة للغاية كبساطة ورحابة أرض مصر وعلي بساطة تقديم العرض لها مستخدماً الجدران الأربعة للقاعة وقد لصق عليه بالكامل طبقات من ورق " الزبدة " الضبابي الحس الذي بدأ كممر او وسيط مطاطي مطوقاً القاعة وعلي بساطة الفكرة والورق رسم السمري بعشرات الأقلام الرصاص لتبدو فوق السطح الضبابي متهادية وشبحية وقاسية احياناً.. وليتوسط العرض برؤية مفاهيمية أكثر تعقيداً من بساطة الجدران المحيطة توسط القاعة لنموذج من هيكل للفلاح المصري بردائه الكتاني القديم مُضيئاً بإضاءة داخلية كضوء شمسي وتنويري وليقف علي هيئة حارساً لأرضه منذ آلاف السنين. ونجد فوق الأرض أمامه جهاز عرض ضوئي يعرض لمجري نهر النيل من الجنوب الي الشمال بين الحقول وأشجار شطآنه.. ثم نلتقي في عمق القاعة تقريباً بما يشبه الغابة من شبه صفائح من قماش الكتان الشفاف تحيط بعيدان نبات الحنة الجافة مرتكزة أرضاً علي قوالب طوب أحمر هي أيضا نتاج طمي نيل مصر . فكرة " النماء " برسوم من القلم الرصاص حققت حالة موجية لتشبه أشكال ايمن السمري الرصاصية كنافورة خفية تضخ ذاتها بسرعات مختلفة.. فتارة نشاهد مجموعة من الخطوط القصيرة المتقطعة تدور حول مركز دائرة كأنها نافورة نراها من مسقط افقي.. وتارة أخري نري مجموعة من خطوط تشكل اشكال بيضاوية مغلقة ومتكررة تثير دفع متتالي للأشكال في خداع بصري.. ونري رسومات متكررة لسعفات نخيل تنتشر بذاتها علي هيئة نافورة تضخ الي الخارج نراها من مسقط رأسي.. وهذا الدفع النافوري المتكرر في العشرات من رسوم الفنان في هذا العرض الواحد يجعل الطاقة الموحية تأتي علي موجات لكنها غير متصلة لانفصال العناصر عن بعضها فوق الجدران التي تأتي علي هيئة خطوط قصيرة متقطعة يأتي بينها مساحات كفراغ ممتد ينشط بنشاط الخط واتجاهه , وهذا التقطع الخطي يتناسب ومنهج عمل دفع النافورة لنقاط الماء الذي يندفع بقوة حتي مسافة معينة تبلغ فيها سرعته الصفر فيرتد الي اسفل بفعل الجاذبية ويعاد الدفع الإيحائي من جديد.. لتبدو به قاعة العرض بوسائط تعبيرها وخاماتها المختلفة كبركة ماء وكل ما فعله الفنان ان القي فيها بحج صغير فتدافعت الي الجدران موجات رفيعة دائرية كدوائره الجدارية المرسومة في موجات طاقة وحركة تتلاشي لتحل محله أخري. ومن طاقات الدفع في هذا العرض تلك العلاقة الفريدة بين هيئة الفلاح وجهاز العرض التكنولوجي بما يحدثه من مواجهة حادة بين الماضي والحاضر في توتر لذلك الفارق الزمني وليتسق هذا وتوتر السطح للورق الضبابي وخطوط الرصاص المتقطع لمشاهد متقطعة وأيضاً وما يثيره في مناخ العرض السيقان الجافة لنبات الحنة بكثافته وعشوائيته الأرضية الجمالية في تجمعه الجزئي والمنفصل أيضاً لتبدو كأعمدة التقاط الموجات بين قديم الفلاح وحديث جهاز العرض . قاعة العرض الكبيرة تبدو تسيل بخطوطها في اهتزاز كأنها جدارية بلازما وهي الحالة الرابعة للمادة بعد الصلبة والسائلة والغازية وهي حالة المادة التي تحتوي عدد من الجزيئات المشحونة كهربائياً.. ومع الأشكال البيضاوية والدائرية والنافورية في صعودها ثم الهبوط للبدء من جديد تبدو كأنها تشكل الموسيقي حين تبلغ درجة التصاعد " الكريشندو "لتأخذ في الختام وهذا الدفع لما يشبه شبكة نافورة مخفية غير مرئية وشبه منهج العمل الموسيقي يولد نبضات تنتشر داخل العمل في شكل فوضوي لكن مستقر أو منتظم داخلياً كعمل نظرية الفوضي " الكيوس " الباحثة في الفوضي المنظمة . وهناك رؤية اخري فذلك العمل الرصاصي الآخذ في الإنسحاب تحت الجدران المسطحة متذبذباً في سيولة ومتكاثراً يجعل خامة الرصاص تتمدد أمامنا متجاوزة ماديتها بدفع خيال الفنان ولتجعل هذه الخامة رغم بساطته وبراءتها الظاهرة خامة شديدة المراوغة بإمكانها جعل المكان يتنفس ويناقش من فوق سن القلم الرصاص الوجود وامتداده كرسم بياني لجيولوجيا نبات الأرض ومصبات الطاقة. وأري قيمة مهمة في هذا العرض وهو ان الفنان السمري لم يجعل للوحته مركزاً بما ىُضاهي جيوسينتريزم او المركزية البشرية التي بفضل نظريات كوبرنيكوس وجاليليو تم التخلص من الفكرة الخانقة بأن الأرض مركز عالمنا.. فهذه الجدارية الرائة بلا مركز تماماً كما لوكنا نلاحظ أن التضخم الكوني ىُسطح الكون كما يفعل التوسع بسطح الكرة.. وربما نتخيل هذا المسطح داخل قاعة العرض موحياً بعشرات الصور اللولبية للطبيعة من أشجار ومجرات ومسار ماء وثقوب ذهبية استبدلها الفنان بديلا عن الثقوب السوداء.. هذا المسار الكوني الذي كل فرد فوق سطح الأرض شريكا فيه يبدو مساره متناغما وفكرة "النماء" أي البقاء.