الحكاية هذه المرة اسمها «وداعاً يا ولدي» هو فيلم مصري من إخراج تيسير عبود، عرض لأول مرة في 15 ديسمبر عام 1986، كتب له السيناريو والحوار صلاح فؤاد، من إنتاج مطيع زايد، وقد جاء في الإعلان عن الفيلم كما نشرته الصحف، أن الفيلم عن قصة «تراس بولبا» وهو اسم الرواية التاريخية المشهورة للكاتب الروسي نيكولاس جوجول، وهي منشورة كاملة في سلسلة الألف كتاب والرواية تحولت إلي فيلم «أمريكي مهم أخرجه جاك لي طوميسون عام 1962، من بطولة يول برايز وتوني كيرتس والفيلم بمثابة معالجة للنصف الأول فقط من الرواية، حين يقوم الأب بإطلاق الرصاص علي صدر ابنه لتطهيره من خيانة الوطن، حيث تسلل الابن إلي القلعة التي فيها محبوبته، وانضم إلي قوات الأعداء، أهل حبيبته، وحمل السلاح ضد قومه، وخرج لمهاجمة جيوش القوقاز الذين يمثلون دمه، وقد صدم الأب فيما فعله ابنه، وهو الذي علمه دوماً كيف يطلق رصاصته في مكان القتل، فيأتي علي غريمه من الطلقة الأولي.. وقد كان لتراس بولبا ولدان، الأول هو الذي خان الأمانة، أما الثاني المثقف فقد ظل إلي جوار قومه.. ولم يقع في الحب مثل شقيقه، ولم يكن بين الاخوين أي عداء أو خصومة، وانما تولدت الخصومة بين الأب القوقازي وابنه الخائن، إلا بعد أن اكتشف جريرته. أما الرواية الكاملة التي كتبها جوجول، فإن الأب بعد أن قتل ابنه الخائن، استكمل لفصول طويلة محاربة الأعداء الذين جندوا ابنه حتي تم القبض عليه، وقاموا بإعدامه حرقاً، والفصل الأخير من الرواية تبين تراس بولبا، وهو في مكانه يحترق، وقد زالت أمجاده. حسب ما قرأناه في الإعلانات المنشورة للفيلم، فقد ذكرناه دوماً في كتبنا عن الاقتباس أن «وداعاً يا ولدي» مأخوذ عن تراس بولبا» فليس هناك من هو أصدق من الفيلم نفسه، خاصة كاتب السيناريو حول مصدر هذا الفيلم، خاصة أننا في دراسة ظاهرة الاقتباس في السينما المصرية والعربية نعاني أن كتَّاب السيناريو يتعمدون دوماً ذكر اسم المصدر الأصلي للفيلم، ونكاد نجزم أن أكثر من 80% من أفلامنا مقتبس من نصوص عالمية. وتلك نقطة بعيدة علي الظاهرة الجديدة القديمة التي يسوقنا إليها ما حدث في فيلم «وداعاً يا ولدي». مصري هندي ما حدث هو أن قناة الأفلام الهندية «Z» قد أذاعت يوم الأحد الثاني من أكتوبر الفيلم الهندي Deewaar وهو عنوان يعني «الجدران».. الفيلم من إخراج ياش شوبرا عام 1975 وبطولة أميتاب باتشان، وشاستي كابور، ومن المؤكد أنه عرض في مصر تحت عنوان «تجاري»، وللأسف فلست من هواة مشاهدة السينما الهندية التجارية، لكن لاشك أنني كباحث قد فقدت الكثير من مصداقيتي في موضوع الاقتباس بهذا الاكتشاف الذي أسوقه هنا، فقد كانت لدي قناعة أن فيلما مصريا واحداً هو «شباب علي كف عفريت» مأخوذ عن فيلم هندي، وهو فيلم «قمر أكبر أنطوني» الشهير. إلا أن الأمر تغير الآن ولابد من إعادة رسم خريطة الأفلام المقتبسة بإعادة مشاهدة الأفلام الهندية التي عرضت في مصر طوال نصف قرن علي الأقل لمعرفة أي الأفلام الهندية اقتبست في مصر، وقيل لنا إن مصادرها هي روايات وأفلام روسية، أو من ثقافات بعيدة. الحكاية أن فيلم «وداعاً يا ولدي» ليس مأخوذاً أبداً عن «تراس بولبا»، و إنما عن الفيلم الهندي المذكور، وبالرجوع إلي بيانات هذا الفيلم سنكتشف انه مؤلف هندي وهو يحمل كل سمات الفيلم الهندي التجاري، مؤلف الفيلم الهندي هو ساليم جافد، وليس بين هذا الفيلم، ورواية «تراس بولبا»، أي تشابه، إن الذي حدث انه بين فيلم «وداعاً يا ولدي».. والفيلم الهندي ما يشبه التطابق، عدا بعض التفصيلات مثل قصة الحب التي ربطت بين الأخ الأكبر فيجاي «أميتاب باتشان» وبين فتاة الليل أبيتا، التي ماتت في نهاية الأحداث لذا فإن الفيلم الهندي يستغرق مدة عرضه الثلاث ساعات، أما الفيلم المصري فتصل مدة عرضه إلي 110 دقائق بما يعني أن كاتب السيناريو قد استبعد بعض التفصيلات، علي أن تصير الشخصية الرئيسية هي الأم، وليس الشقيقان اللذان سيواجه كل منهما الآخر، الأول ضابط شرطة، والثاني خارج علي القانون. وان كان الفيلم المصري قد التزم بشكل واضح بالخط العام لقرينه الفيلم الهندي، حيث تبدأ الأحداث منذ سنوات الطفولة، مروراً بالتحاق الشقيق الأصغر بكلية الشرطة، وفي الفيلم الهندي فإن الأخ الأصغر درس الشرطة بنظام خاص. الأفلام بالطعم الروسي بصرف النظر عن المقارنة، ودراسة الفيلمين، فإن الذي يهمنا هنا أن الباحث الذي كرس أكثر من ثلاثين عاماً من حياته للبحث عن مصادر الأفلام المصرية، العالمية سواء نصوص أدبية بكل أشكالها، أو أفلام سينمائية سوف يجد أن عليه أن يراجع مصادره، وما كتبه من أجل معرفة الحقيقة، فكما شعرنا دوما أنه ليست هناك علاقة بين الرواية الروسية، والفيلم المصري، فإننا قد كتبنا في القوائم الخاصة بالأفلام المقتبسة أن «وداعاً يا ولدي» يدخل في إطار الاقتباس من المصادر الروسية خاصة أن المقتبس المصري لجأ إلي النصوص الأدبية الروسية بشكل قوي، ومنها أعمال تولستوي، ودوستويفسكي، وأيضاً نيكولاي جوجول، الذي تم اقتباس مسرحيته «المفتش العام» في ثلاثة أفلام مصرية. إذن، فحسب البحث الجديد، يجب أن ينقل فيلم «وداعاً يا ولدي» إلي خانة المصادر الهندية بل وبعد البحث الجديد فإن قائمة الأفلام المأخوذة من مصادر هندية سوف تتنامي، سواء من خلال اكتشاف أفلام لم يذكر المصدر في بياناتها، أو من خلال المشاهدة الدءوبة، خاصة أن المتفرج المصري يحب التوليفة التجارية الهندية، ابتداء من «من أجل أبنائي» إلي «اسمي خان» اقرأ الأفلام الهندية المعروضة بما يعني ان الاقتباس من السينما الهندية أسهل، وأقرب إلي ذوق المتفرج المصري من السينما الأمريكية، كما يجب ألا ننسي أن الفيلم الشهير «سنجام» عبارة عن معالجة هندية مليئة بالتطويل من الفيلم الأمريكي الشهير «مسيوووترلو» إخراج ميرفن ليروي عام 1940، وهي نفس القصة التي اقتبسها المصريون أكثر من خمس مرات حتي الآن. إذن، ليس الموضوع هو «صدفة وتعد»، فهناك حالات كثيرة مشابهة في السينما المصرية، ويمكن أن نعدد بعضها، فإذا كان كاتب فيلم «وداعاً يا ولدي».. يود أن يذهب بنا إلي رواية بعيدة ليس لها حق مؤلف، وان المقتبس لعله خشي ان يتعرض لمتاعب مع الموزع المصري للأفلام الهندية، أو ما شابه فإنه الصق فيلمه بالرواية الروسية. الانتقام النبيل لكن الحالات الأخري التي قابلتني في هذا الشأن ان بعض الذين اقتبسوا أفلامهم، شعروا بالفخر أن تنسب أفلامهم إلي روايات عالية مشهورة، اذكر منها علي سبيل المثال رواية، «الكونت دي مونت كريستو» تأليف الكسندر ديماس الأب، وهي رواية تدور حول الانتقام النبيل، وليس أي نوع من الانتقام، وقد حدث ان بعض كتَّاب السيناريو الذين تناولوا موضوع الاقتباس ان نسبوا إلي أفلامهم أنها مأخوذة من هذه الرواية، وفي أحد البرامج النقاشية جمعني بكاتب سيناريو فيلم «الظالم والمظلوم» لحسام الدين مصطفي الذي كتبه فاروق صبري، وتم الحديث علي أساس ان الفيلم مأخوذ من رواية «ديماس» صحيح أن هناك انتقاماً، أو ما يسمي بتنويعة علي الانتقام، لكن أبداً.. هناك فارق كبير بين «الظالم والمظلوم» و«دي مونت كريستو».. فإذا كان من شروط اقتباس «روميو وجولييت» هو مشهد الشرفة الشهير فإن شرط اقتباس «دي مونت كريستو» هو مسألة نبل الانتقام، بالإضافة إلي العثور علي الكنز لنقل أدمون دانت من الفقر الملحوظ، إلي الثراء الفاحش الذي يمكنه من الانتقام بنبل، مثل إصابة خصمه بالإفلاس أو محاولة كشف الحقيقة إلي الخطيبة السابقة التي صارت زوجة لواحد من الرجال الذين ساعدوا علي زج البحار الأسير إلي السجن الرهيب لسنوات طويلة. نعم، من الشرف أن نقول ان كاتب سيناريو ما، أو مخرج يفخر لأن فيلمه مصنوع علي غرار رواية عالمية شهيرة مثلما كان حسام الدين مصطفي يفخر بأنه أخرج أربعة أعمال دوستويفسكية منها مسلسل تليفزيوني وهو أمر حدث أيضاً في أفلام مصرية مأخوذة عن أعمال لنجيب محفوظ ليس بينها وبين النص الأساسي أي تشابه، مثلما حدث في «الشريدة» و«فتوات بولاق». إذن، هذه النقطة أيضاً في حاجة إلي مراجعة من أجل تنقية جداول الاقتباس من النصوص العالمية، وأيضاً من النصوص الأدبية المحلية ولعل أوضح مثال في ذلك هو علاقة رواية «الحب الضائع» لطه حسين بالفيلم الذي أخرجه بركات عام 1970 . طشاش الحالة الثالثة التي تؤكد هذه الظاهرة قدمناها هنا في جريدة «القاهرة»، قبل عامين عند الحديث عن فيلم «1000 مبروك» إخراج أحمد جلال، تأليف أحمد دياب، فقد أشارت عناوين الفيلم، وليست ملصقاته انه مستوحي من الأسطورة الإغريقية «سيزيف» التي تتحدث حول اللعنة التي صبتها الالهة علي سيزيف، فجعلته يحمل صخرة ضخمة ويصعد بها الجيل، حيث تسقط منه بمجرد ان يضعها فوق قمة الجبل، وما ان تستقر مرة أخري عند السفح، حتي ينزل سيزيف كي يصعد بها مرة أخري، ويؤدي نفس العمل، انه يعرف تماما أن الصخرة سوف تسقط مرة أخري من أعلي الجبل، لو حملها وكبد نفسه معاناة الصعود بها، هذه الأسطورة التي حولها «البير كامي» إلي ما يشبه فلسفة اللا جدوي أو العبث أو العدمية، ظهرت واضحة في فيلم «1000 مبروك» لكن الفيلم مقتبس أساسا من الفيلم الأمريكي «يوم فار الأرض» الذي أخرجه هارولد راميس عام 1993، وبمراجعة المعلومات عرفنا أن الفيلم الأمريكي مأخوذ عن رواية تنتمي إلي الخيال العلمي، ألفها فردريك بول عام 1955، وبدت قصة الفيلم الأمريكي مختلفة تماماً، ولم يكتب في مقدمة الفيلم الأمريكي ان له علاقة بأسطورة سيزيف، حيث تدور أحداث الفيلم حول مذيع تليفزيوني يستيقظ من النوم في الثاني من فبراير، ويعيش أحداث يوم عادي، وليس يوم زفاف كما في الفيلم المصري، ثم تتكرر الأحداث يوميا طوال 443 يوماً باعتبار أن المذيع فيل كونرز حبيس الوقت والتكرار. والطريف أن هذا الفيلم، الذي قام ببطولته أحمد حلمي، ليس له علاقة بالمرة بالفيلم الأمريكي ولا بأسطورة سيزيف سوي «طشاش» منها مسألة تكرار الحوارات. هذه الحالة الثالثة تجعلنا في حاجة إلي باحث، لا يأخذ البيانات المذكورة عن مصادر الأفلام كما يسوقها لنا من كتب الفيلم، سواء علي الشاشة أو علي الملصق السينمائي، أو في إعلانات الصحف أو أي وسيلة أخري، لكن تري هل لدينا مثل هذا الباحث، لذا، اعتقد أن الكثير ممن يكتب عن علاقة النص بالفيلم سوف تشوبه الأخطاء مهما كانت ثقافة الباحث وأيضاً مهما حاول كاتب الفيلم أن «يلوي» عنق الحقيقة.