بعد نجاح ثورة 25 يناير في إسقاط مبارك وحكومته، استهوت فكرة الحُكام وطرق حكمهم لشعوبهم الكثير ممن يكتبون للمسرح، وقد شاهدت في الأسابيع الماضية مسرحيتين اشتركا مع بعضهما البعض في عدة مفردات فنية، أهمها كان الرؤية الدرامية التي تدور حول الحاكم وعلاقته بشعبه . العرض الأول شاهدته في الأسبوع الأخير من شهر رمضان و كان بعنوان "مافيش حاجة تضحك" من إنتاج المسرح الكوميدي وهو عرض مصمم لخشبة كبيرة ألفه سعيد حجاج، وأخرجه المخرج القدير عبدالرحمن الشافعي، والحقيقة أنني لم أستطع حضور الفصل الثاني من العرض لأسباب عديدة منها تواضع النص وطول العرض . والعرض الثاني هو "سلطان الغلابة" الذي أنتجه مسرح الغد للعروض التراثية ومازال يعرض علي خشبته، كتبه مصطفي سليم، وأخرجه محمد متولي . وبالرغم من اختلاف مؤلفي ومخرجي العرضين إلا أنهما تشابها في سذاجة التناول، وتشفي أبطال العرضين في رموز النظام السابق . نصوص تحريضية النص هو عماد العرض المسرحي فإذا كان النص فهذا يعني أنه لا عرض . نص العرضان كانا في الغالب تفصيل الغرض منهما تملق ثورة يناير ولذلك جاءت ساذجة التناول. العرض الأول "مافيش حاجة تضحك" الذي نشرعام 1996 ضمن مطبوعات الهيئة العامة لقصور الثقافة بعنوان "عرشك يامولاي" وتم تعديله لملاءمة الأحداث الراهنة، يدور حول مغنية في فرقة سيرك متجول تحلم بالشهرة وهي فكرة قتلت تناولا، والجديد في فكرة هذا النص أنها تلتقي ثلاثة من السلاطين لكل منه طريقته في حكم شعبه لإبراز سلبيات الحُكام عبر التاريخ ولكن تضافر العالمين بدا غير منطقي بالمرة واعتراه التسطيح في المعالجة الدرامية . وظهر في العرض العديد من الشخصيات المقحمة علي الفكرة الأساسية للنص بغرض استيعاب أكبر كم ممكن من عناصر الفنون الشعبية مثل شخصيات أم علي، وأم محمود الذي لم يكن لهما دور مؤثر في دراما العرض سوي تبادل وصلات من الردح والنميمة، وشخصية "مسعود" والد المغنية الذي كان دوره شبه منعدم واعتمد في أغلبه علي الارتجال، وشوشو زوجة المنشد الشعبي . وجميع هذه الشخصيات كانت عنصراً مشتتاً لرسالة النص . وبالنظر الي الشخصية المحورية في هذا النص والتي كانت المغنية "كمونة" نجد أنها لم تهدف الا إلي تحقيق حلم الشهرة ، وذلك من خلال التقرب من السلاطين بأنواعهم في النص أي المعادل للسلطة والمال، فبدت الشخصية الرئيسية في هذا النص وكأنها تروج للانتهازية لتحقيق الحلم الذاتي وهذا مايتفق مع سياسات رءوس النظام السابق ، فهل الغرض من العرض مناهضة سياسة النفعية الذاتية ؟! . أما عرض "سلطان الغلابة" فعلي مايبدو أن مؤلفه بني فكرة النص استنادا الي مقولة المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية سليم العوا الذي قال في احدي حلقات برامج التوك شو إن "حاكم البلاد يجب أن يكون آكل الفول المدمس والظلطة جاءت تحت أسنانه وكسرتها" كنوع من أنواع التضامن مع الشرائح المجتمعية الفقيرة . فالنص يبدأ من حيث تنتهي قصة معروف الإسكافي، حيث يصبح معروف سلطانا للبلاد بعد وفاة سلطانها وتعود اليه زوجته "ريما" القبيحة الشكل السليطة اللسان ولكنه يبدأ الحكم وسط حاشية السلطان القديم لأنه ليس لديه علم بإدارة البلاد، حيث يدعو حاشيته وزوجته والأثرياء الي التقشف الشديد لدرجة تصل إلي القبح في المظهر في اشارة الي أن القبح أصبح معادلا موضوعيا للشرف الأخلاقي . وبالرغم من هذا التقشف يستمر السلطان في الإغداق علي فقراء الشعب، مما يغضب حاشيته وزوجته ويقررون الانقلاب عليه و فرض سطوتهم علي البلاد، ليصبح هو الواجه فقط وهم من يديرون البلاد، في اسقاط صريح علي أسرة مبارك وحاشيته . مؤلف النص مصطفي سليم أراد أن يحلم من خلال نصه بحاكم مثل "عمر بن عبدالعزيز" بما عرف عنه من الزهد في الحياة والعدل في الحكم بين الناس، ولكنه لم يوفق في عرض فكرته بالعمق اللازم، بل ان شخصية السلطان تم تجسيدها وكأنه شخص أبله وليس زاهدا أو عادلا، الي جانب أن شخصيات العرض الأخري كتبت بسطحية درامية شديدة، وجمل حوارية مستهلكة، وأري أن هذا العرض كان يصلح للأطفال أكثر منه للراشدين أوالمثقفين . نص عرضي "مفيش حاجة تضحك" و "سلطان الغلابة" انحازا بشكل صريح الي الشريحة المجتمعية الفقيرة وما دونها، من خلال الشخصية الرئيسية في كل نص منهما التي تنتمي لهذه الشرائح، والتأكيد علي اقتران الفساد بالثراء والسلطة، فهل نصوص مابعد الثورة سيكون هدفها الأساسي التحريض بشكل غير مباشر ضد شرائح مجتمعية بعينها دون ابراز المبررات لذلك ؟ أم أنه تملق لآراء الشارع في اللحظة الراهنة فقط ؟! بين مخرجين من أجيال مختلفة فكرة النصين كانتا متقاربتين الي حد كبير لكن الرؤية الإخراجية اختلفت بحكم نوعية كل خشبة، وسياسة كل مسرح . عرض «مافيش حاجة تضحك» كان من اخراج المخرج القدير عبدالرحمن الشافعي، والحقيقة أنه من واحدا من المخرجين القلائل القادرين علي التعامل مع عروض الخشبة الكبيرة وتوظيف المجموعات عليها بمهارة . وقد استغل الشافعي في هذا العرض جميع أجزاء الخشبة التي تكونت من مستويين فقط المستوي الثاني كان في عمق الخشبة وخصصه لعروش السلاطين، كذلك ظهر مستوي ثان في أقصي يمين الخشبة يستقر عليها دكة مخصصه لجلوس المنشد وزوجته في العرض، أما فرقة حسب الله فاستقرت في أقصي يسار الأفانسين للخشبة .أراد الشافعي أن يقدم نموذجاً مسرحيا غنائيا، راقصاً، يحوي بعض ألعاب السيرك، وفنون الفرجة الشعبية، وهذا النوع متعارف عليه عالميا بالميوزيكال شو. لكن علي مايبدو أن مخرج العرض المخرج القدير عبدالرحمن الشافعي أراد أن يرضي جميع أبطال وبطلات العرض فجعلهم جميعا يغنون مما أثقل العرض وزادت من تشتيت فكرة النص الأساسية. ديكور العرض صممه محمود سامي وكان بسيطا للغاية حيث مناظر لبنايات ذات طابع معماري قديم، ومجموعة من المصاطب، وتصور بسيط لعرش السلاطين حيث افرش صندوق الملابس الخاص بالفرقة الجوالة بقطعة من القماش البراق اللامع، وجاءت موتيفات الديكور في العرض متضافرة مع روحه بالرغم من تقليديته . أما عرض "سلطان الغلابة" فكان من اخراج محمد متولي أحد أبناء فرقة الغد المسرحية، وخشبة مسرح الغد صغيرة وبالرغم من ذلك استطاع المخرج أن يستعين بفرقة موسيقية حية محدودة الأفراد استقرت أسفل يمين الخشبة وعلي مستوي أعلي نسبيا من مستوي جلوس المشاهدين . أما الخشبة الرئيسية للمسرح فكانت مسطحة ينتصف عمقها مساحة صغيرة أعلي نسبيا من مستوي الخشبة الأساسي يستقر عليه مجموعة من الوسادات الاسفنجية بألوان فاقعة علي شكل مقعد ليكون هذا عرش السلطان ولكن ألوان الوسادات أعطت الانطباع بأنه عرش ُمهرج وليس سلطاناً، خلف هذا المقعد تستقر دائرة كبيرة بداخلها دائرة أخري أصغر منها لتعطي شكل عين إنسان، متناثر عليها بشكل منتظم مجموعة من الكفوف لصد عين الحسود، ومجموعة من العظام اشارة الي عظام أبناء الشعب، ودائرتين يحملان دلالتين أحدهما وجه الإنسان والأخري رغيف العيش . هذا الي جانب كتل نحتية بديلة عن ستائر - بنطلونات - الكواليس الجانبية أول اثنان منهم وهما اللذان في مواجهة الجمهور لهما رأس نسر في اشارة واضحة لشخص الرئيس السابق مبارك كما كان يشار له في سدة نظام حكمه . الملابس والديكورمن تصميم ناصر عبدالحافظ الذي صممها ونفذها بعناية. ولكن موتيفات الديكور كانت كثيرة وغير مترابطة فالشعبي امتزج بالتجريدي والتعبيري، وربما لو كانت موتيفات الديكور في اتجاه فكري واحد لكان أفضل خاصة أن مساحة الخشبة صغيرة لاتحتاج مايشتت انتباه المتفرج . وبالرغم من أن خشبة مسرح الغد غير ثابتة ويمكن تشكيلها بعدة تصميمات مختلفة الا أن المخرج محمد متولي دائما مايلجأ لخشبة المسرح التقليدية في جميع عروضه. زمن العرض لم يتجاوز الساعة ونصف الساعة قدم في ستة مشاهد قصيرة يتخللهم فواصل غنائية، خطوط الحركة تقليدية باهتة، وبالرغم من سذاجة النص الا أن أبطال العمل حاولوا بناء نص فوق النص من خلال الإفيهات والقفشات المستهلكة والمبتذلة أحيانا أخري ودخول بطل العرض أحمد راتب في حوار مع الجمهور، وهذا يؤكد ضعف النص من ناحية، وفرض سطوة أبطال العمل علي مخرج العرض من ناحية أخري . أما عن الفنانة حنان سليمان التي قامت بدور "ريما العِرة" فلم يكن اختيار المخرج لها موفقا علي الإطلاق،ذلك لأن طبيعة صوت وملامح حنان سليمان الناعمة الرقيقة لا تتناسب مطلقا مع الشخصية المرسومة في النص باستثناء آخر مشهدين بعد تحولها من امرأة دميمة الي امرأة جميلة . أما باقي فرق العمل فقد اجتهدوا بلا استثناء لتقديم أدوارهم بأفضل امكاناتهم في حدود النص المكتوب . والملاحظ من خلال العرضين أن بعض أبطال العرض أبرزوا كما كبيرا من الكراهية والتشفي في رموز النظام السابق من خلال عبارات مثل "واحنا جمالنا في السجن"، "الوزير الفنان أبو ----"، وغيرهما من العبارات المرتجلة التي حمل بعضها البذاءة والقسوة دون مبرر لوجودها في النص الأساسي لكل عرض فهل كان ذلك بدافع تملق الشارع ؟ الموسيقي والغناء بين عرضين لعبت الموسيقي والغناء دورا مهما في كلا العرضين مع اختلاف توظيفهما، ففي عرض "مافيش حاجة تضحك" استخدم المخرج عبدالرحمن الشافعي ثلاثة مستويات من الموسيقي جمعت بين المسجل منها والحي. أولها كان الموسيقي المسجلة والتي وضع ألحانها علاء غنيم بكلمان طاهر البرنبالي، وبما أني لم أحضر سوي الفصل الأول من العرض فقط فإن ألحانه كانت مناسبة للشخصيات الدرامية واستطاع الملحن أن يضع جمله اللحنية بما يتناسب مع امكانات أصوات الممثلين والممثلات. المستوي الثاني وهو المتكرر في جميع عروض المخرج كان الإنشاد الشعبي من خلال شخصية اسماعيل القليوبي، فبالرغم من خفة ظل الرجل وصوته وأدائه الجميل الا أن وجوده دراميا في العرض كان مجرد اقحاما علي العمل . المستوي الثالث كان بمشاركة مجموعة من فرقة حسب الله التي غني معها المنشد اسماعيل وبعض الممثلين والممثلات، وربما كان وجود هذه الفرقة تحديدا متناسبا مع أجواء الفنانين المتجولين . وعموما فقد كان كم الموسيقي والغناء في هذا العرض زائدا عن الحد الذي تحتاجه دراما النص، وكانت في كثير من الأحيان مجرد لنجرة وارضاء لخواطر بعض الممثلين والممثلات فقط . أما الموسيقي في عرض "سلطان الغلابة" فقد كانت طوق النجاة لعرض غارق، حيث النص الضعيف، وبناء عليه ممثلين خارجين عن النص بين السخافة والابتذال، ولم يلفت انتباهي وسمعي الا صوت المطرب فارس الذي أشجي جميع الحضور، وشاركه المنشد الشعبي أحمد سعد، بألحان باهر الحريري الذي استخدم مجموعة صغيرة من الآلات تناسب حجم القاعة تكونت من آلة تشيللو، وعود، وربابة، ودف، ودربكة، متنوعا بين مقامات مثل الراست، والهزام، والعجم، والنهاوند، والكرد من خلال بعض المواويل، والمونولوجات، والأغنيات ذات الطابع الشعبي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو الي متي سيظل مخرجو وممثلو مسرح الدولة يتعاملون مع فن المسرح علي أنها وظيفة أو سبوبة فقط ؟