أصدرت المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري بياناً الأربعاء الماضي كشفت فيه عن اكتمال الأدلة لبدء المحاكمة التمهيدية، وقال المدعي العام القاضي دانيال بلمار إن "فض لائحة الاتهام يجيب عن أسئلة كثيرة عن هجوم 14 فبراير 2005، وسوف تتكشف القصة كاملة في قاعة المحكمة، حيث ستكون الجلسة مفتوحة وعلنية وعادلة وشفافة". وقررت المحكمة الدولية في بيانها رفع السرية عن هوية المتهمين المذكورين في قرار الاتهام الذي صدقت عليه في الثامن و العشرين من يونية الماضي، و هم سليم جميل عياش، مصطفي أمين بدر الدين، حسين حسن عنيسي وأسد حسن صبرا. أدلة الاتهام حدد بيان المحكمة الدولية دور كل من المتهمين في الإعداد لعملية اغتيال رفيق الحريري التي بدأ التخطيط لها منذ 11 نوفمبر عام 2004 وأشار البيان إلي أن مصطفي أمين بدر الدين قام بدور المشرف العام علي العملية ومنسق مجموعة الاغتيال المسئولة عن التنفيذ الفعلي. واضاف التقرير أن حسين حسن عنيسي وأسد حسن صبرا قاما بإعداد شريط الفيديو الذي أعلنت فيه المسئولية زوراً جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام بهدف تشتيت عمل المحققين. وكان صبرا قد اتصل بقناة الجزيرة بعد حادث التفجير ليبلغا عن الشريط الذي تم بثه وظهر فيه رجل فلسطيني يدعي أحمد أبوعدس وادعي أنه الانتحاري الذي نفذ العملية، ثم تبين فيما بعد أن عنيسي كان وراء التنسيق مع أبو عدس بعد ان تعرف عليه في أحد المساجد في محيط جامعة بيروت العربية قبل أن يختفي أبو عدس في 17 يناير 2005. ووجه البيان اتهمام بقتل الجريري و 21 شخصاً آخرين إلي كل من سليم جميل عياش و مصطفي أمين بدر الدين عن طريق استخدام مواد متفجرة. وحدد البيان تفاصيل الأدلة التي أدت إلي تحديد هوية المتهمين ومن بينها إفادات الشهود، وأدلة وثائقية و تسجيلات كاميرات المراقبة وسجلات بيانات الاتصالات الهاتفية. وكشف البيان عن بيانات لاتصالات من شبكات الهواتف الخليوية المكونة من مجموعة من الهواتف "الحمر" الخاصة للاتصالات السرية لا يتصل أعضاؤها إلا ببعضهم بعضاً بالإضافة الي شبكات مفتوحة يتصل أعضاؤها بآخرين من خارج مجموعاتهم. ,أفاد البيان أن شبكات الهواتف "الحمر" استخدمت بشكل موسع لمراقبة تحركات رفيق الحريري من منزله في قصر قريطم إلي فندق سان جورج حيث وقع حادث التفجير. التزام لبنان بتوقيف المتهمين وكانت المحكمة الدولية قد أبلغت السلطات اللبنانية بقرارها في يونية الماضي، وألزمت المدعي العام اللبناني باتخاذ الإجراءات اللازمة لاعتقال المتهمين حيث إن السلطات اللبنانية ملتزمة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1757 باعتقال واحتجاز ونقل المتهمين في حادث الاغتيال. وتسلم رئيس المحكمة الخاصة بلبنان، القاضي أنطونيو كاسيزي، في التاسع من أغسطس تقرير المدعي العام اللبناني بخصوص التدابير التي اتخذت للبحث عن المتهمين الذين لم يتم اعتقالهم حتي الآن. واستعرض رئيس المحكمة الخاصة بلبنان، القاضي أنطونيو كاسيزي، التقرير الذي قدّمته السلطات اللبنانية ووصف الجهود المبذولة بأنها معقولة ومستوفية لشروط المادة 147 من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني، وتضمنت إجراءات منها مراقبة واستجواب من لهم صلة بالمتهمين، وزيارة أماكن تردد عليها المتهمون، والاجتماع بمسئولين في المجالس البلدية واستجواب الجيران. ودعا كاسيزي السلطات اللبنانية إلي تكثيف جهودها لاعتقال المتهمين علي النائب العام اللبناني أن يقدّم تقريراً شهرياً إلي المحكمة في هذا الشأن، وأضاف "لا بد من التأكيد بأن التقرير الذي قدمه لبنان في 9 أغسطس 2011 لا ينهي التزام لبنان المستمر مساعدة المحكمة في البحث عن المتهمين، وتبليغهم، وتوقيفهم، واعتقالهم، ونقلهم إليها". وأصدرت الشرطة الدولية (الإنتربول) مذكرات توقيف بحق المتهمين في عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري تعرف باسم النشرات الحمراء والتي يتم تداولها في 188 دولة عضوة في المنظمة الدولية. واشتملت المذكرات علي معلومات تفصيلية مهمة حول المتهمين من صور وبصمات الأصابع. نصر الله يهاجم وهاجم زعيم حزب الله حسن نصرالله القرار الاتهامي للمحكمة الدولية، ووصف التحقيق في حادث الاغتيال الذي راح ضحيته رئيس الوزراء الأسبق و 22 شخصاً آخرين بأنه مسيس وغير شفاف ويستهدف النيل من المقاومة اللبنانية. وقال نصرالله، في كلمة بمناسبة إفطار الهيئات النسائية، إن "ما نشر يؤكد صحة كل ما قلناه خلال الأشهر الماضية عن أن هذا التحقيق ليس شفافاً ولا علمياً ولا حِرَفياً وتم تسريبه في دير شبيغل وصحف أخري عربية وإسرائيلية والتليفزيون الكندي. وأدعو اللبنانيين لرؤية ما جاء في دير شبيغل والتليفزيون الكندي لرؤية التشابه. لا يوجد أي دليل مباشر في النص كله، والأمر الوحيد الذي يستند إليه القرار الاتهامي هو الاتصالات الهاتفية ويتحدث عن تزامنات، وبعض التحليلات والاستنتاجات التي لا معني قضائياً لها". ورداً علي تصريح نصر الله، قال رئيس الوزراء اللبناني السابق، سعدالدين الحريري، إن الخطاب سعي لتحويل الموضوع إلي خلاف مذهبي بين السنة والشيعة، وأضاف في تصريح بثه تليفزيون المستقبل "لم تكن موفقاً يا سيد حسن خصوصا لجهة الكلام غير البريء الذي حاول أن يضع الطائفة الشيعية في دائرة الخط وكأنك تعمل علي تغيير الاتهام بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه الشهداء، من أربعة أشخاص حزبيين إلي كامل أبناء الطائفة الشيعية. وفي ذلك منتهي التحريف والسعي إلي قلب الحقائق، والمتهمون محددون بالاسم والهوية وحزب الله يعترف بإخفائهم. إن ما يهدد الطائفة الشيعية، يهدد سائر اللبنانيين، فنحن جميعا في مركب واحد وسنواصل العيش في وطن واحد، ولن يكون هناك أي معني للتلاعب بعواطف الإخوة الشيعة واستنفارهم في وجه مخططات وهمية، يعلم السيد نصر الله أنها من نسج الخيال أو نسيج الحاجة لتبرير الهروب من الحقيقة". ردود أفعال داخلية ومن جانبه، طالب النائب مروان حمادة كلا من رئيس الوزراء نجيب ميقاتي والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بتحمل كامل مسئوليتهما والعمل علي تسليم المتّهمين باغتيال رفيق الحريري. وأشار مروان حمادة علي حسن نصر الله استخدام قرينة البراءة، و أضاف أن "قرينة البراءة أمر معترف به وليستعمل السيد حسن نصرالله قرينة البراءة ويضع صلة بين المتهمين والمحكمة الدولية بواسطة محامين ويدخل في هذا العراك القضائي لنتجنب استمرار التوتر السياسي". كما انتقد مروان حمادة تصريح الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله إلي صحيفة السفير اللبنانية بأنه لا حوار حول الاستراتيجية الدفاعية اللبنانية التي تعتمد علي ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، وهو الأمر الذي يعني لا مساس بسلاح المقاومة ويعيد لبنان إلي مربع الاقتتال الطائفي من جديد. وحذر حمادة من أن عهد الجريمة المنظمة في لبنان يجب أن ينتهي لأن عصر الديكتاتورية المسلحة سينتهي في العالم العربي. وأكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بدوره أن الحكومة التي التزمت في بيانها الوزاري احترام القرارات الدولية، مستمرة في هذا الالتزام، لا سيما في ما خص عمل المحكمة الخاصة بلبنان والقضاء الدولي الذي نشر القرار الاتهامي في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وهي خطوة متوقعة، في إطار الإجراءات التي تعتمدها المحكمة في ما خص التحقيق الدولي في الجريمة. صدور بيان المحكمة الدولية لم يضف جديداً علي الساحة الداخلية اللبنانية، فالأنباء عن المتهمين كان قد تم تسريبها إعلامياً منذ فترة و كان حزب الله قد استبق صدور قرارات المحكمة حول حادث اغتيال الحريري بحرب كلامية ضد المحكمة استهدفت التشكيك في عملها و تعبئة الرأي العام اللبناني حول رمزية المقاومة. الجديد الآن هو التزام الحكومة اللبنانية و المدعي العام اللبناني بتوقيف المتهمين و تسليمهم، و هو ما يعيد السجال السياسي اللبناني بين المعارضة و الأكثرية ويفتح العديد من الملفات التي لا تزال خلافية و لم يتم التوافق عليها و علي رأسها دور المقاومة و سلاح حزب الله. تصور نصر الله أن سجاله السياسي سيلغي عمل المحكمة هو تصور غير صائب حيث تحظي المحكمة بتأييد لبناني موسع، كما قامت مؤخراً بالإعلان عن أنها ستباشر التحقيق في ثلاث هجمات متصلة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري واستهدفت كلاً من مروان حمادة عام 2004، وجورج الحاوي وإلياس المر عام 2005 .