ألزمت المدونة أيضا كل الوزارات والدوائر الحكومية والمؤسسات الرسمية والعامة والبلديات بعدم الاشتراك المباشر في الصحف، ويتم تلبية حاجاتها عن طريق الشراء المباشر من السوق، وذلك بهدف ضمان استقلالية المؤسسات الصحفية، وفي نفس الاطار سيتم ربط الاعلانات بمعايير مهنية يحددها وزير الاعلام تلتزم بها الوزارات والمؤسسات بحيث لا تستخدم هذه الإعلانات لابتزاز الصحف، لكن المدونة لم تذكر هذه المعايير. ركزت المدونة علي ضرورة التزام الحكومة بعدم تعيين اي صحفي او اعلامي في اي دائرة حكومية او مؤسسة رسمية او بلدية منعا لاي تضارب في المصالح، وسيكون التفرغ الكامل شرطا للتعيين في دوائر الحكومة ومؤسساتها بما في ذلك وظائف المستشارين والمتحدثين الاعلاميين ، وتلتزم الحكومة بعدم الحصول علي خدمات من الصحفيين بشكل دائم أو مؤقت مقابل اي مكافأة مادية. تلتزم الحكومة وفقا لهذه المدونة أيضا بالاهتمام بما تنشره وسائل الاعلام ومتابعته وتوضيح الحقائق والرد علي أي معلومات غير دقيقة. تعليقات الصحفيين بشكل عام أبدي الصحفيون والاعلاميون في الاردن رضاهم عن هذه الخطوة التي بادرت بها الحكومة، واعتبروها بداية لوقف الممارسات الاسترضائية التي كانت تمارسها ، وبالتالي ضمان حق الإعلام في العمل بحرية واستقلالية دون تدخل أي جهة، واعتبر البعض هذه المدونة من أهم الإنجازات فيما يخص تعامل الحكومة مع الإعلام، وترتيب البيت الصحفي. مدير مركز الرأي للدراسات عبدالله العتوم رأي المدونة قد جاءت في الوقت المناسب "لضبط حالات اللامسئولية التي سادت في بعض وسائل الاعلام خاصة فيما يتعلق باسلوب الضغط والابتزاز التي تلجأ إليه بعضها لتحقيق منافع خاصة، مشيدا بفكرة "التفرغ" لمن يرغب من الصحفيين التعاون مع مؤسسة حكومية، في حين اعتبر هاشم خريسات ان الكرة الآن في ملعب وسائل الإعلام والصحافة وهي مطالبة لتخطو خطوة مماثلة ، وتبدأ في تفعيل ميثاق الشرف الصحفي بشكل جدي. علي جانب آخر شدد عدد من الصحفيين علي ضرورة تطبيق بنود المدونة علي الجميع دون استثناءات او انتقائية. وأشار عبد الحميد المجالي الي أن إقرار الحكومة لهذه المدونة يعكس رغبتها في التزام مبدأ الشفافية، بعد أن كانت تقوم باسترضاء الاعلام والعاملين فيه من خلال التعيينات والمزايا، وهو ما كان يعني رغبتها في إخفاء بعض الأمور والتعتيم عليها. أخطاء الماضي بعض الصحفيين أكدوا -مع إشادتهم بهذه الخطوة- علي ضرورة معالجة أخطاء الماضي وتسوية كل الاوضاع القائمة المخالفة لما جاء في المدونة خلال مهلة محددة، وخاصة الصحفيين المعينين في مناصب حكومية، وأشار الكاتب الصحفي جميل النمري الي أن الابتزاز لم يكن دائما من طرف الحكومة بل أن بعض الصحف الخاصة كانت تمارسه ضد الحكومة من خلال نشر معلومات مغلوطة احيانا أوالتهديد بنشر معلومات معينة، فكانت الحكومة تقوم بإسكاتها وشراء أصحابها عن طريق الاشتراكات او الاعلان، وهو ما رآه الكاتب الصحفي جهاد المومني تقصيرا من الحكومات المتعاقبة في القيام بواجبها بتفضيلها العلاقة القائمة علي اسس نفعية، أما بعد إقرار المدونة ، فكأن الحكومة تقول للصحافة" لا اريد مجاملات قوموا بواجبكم وباشروا دوركم الرقابي، وسأقوم انا بواجبي"، وهو ما يتيح المساحة للصحفي للتعبير عن رأيه في أداء الحكومة بحرية والعمل دون ضغوطات او عوائق ، وبالتالي رفع المستوي المهني للصحفيين. من جهته أكد نقيب الصحفيين الاردنيين عبدالوهاب زغيلات ان النقابة ستتابع الحكومة في تطبيق المدونة. انتقادات ورغم الاشادة العامة بإصدار المدونة الا أنه كانت هناك بعض الاصوات التي أبدت بعض الملاحظات، رأت ضرورة أخذها في الاعتبار، حتي يتم تحقيق الهدف من المدونة لكن دون الاضرار بأي طرف. فهد الخيطان كتب في صحيفة "العرب اليوم" أن المدونة وفي سعيها لتصويب العلاقة بين السلطتين، وضعت الصحافة الاردنية في سلة واحدة وعاقبت الصحف اليومية وكأنها المسئولة عن التجاوزات القائمة، وذلك بالغاء الاشتراكات واخضاع نشر الاعلانات الي مزاج المسئولين ،في ظل معاناة القطاع الخاص من تداعيات الازمة الاقتصادية"، وأشار الخيطان الي أن الاشتراك السنوي في الصحف والعقود السنوية للاعلان هي من الوسائل المتبعة عالميا، مع الاخذ في الاعتبار ضرورة إطلاع المسئولين في الجهات التنفيذية علي الصحف التي تلعب دور الوسيط بينهم وبين المواطن.انتقد الخيطان أيضا اتخاذ قرار وقف الاشتراكات في الصحف اليومية من طرف واحد، واعترض علي اتخاذ معيار"الانتشار" في اختيار وسائل نشر الاعلان الحكومي، مما قد يحرم مواقع الكترونية جادة ومحترمة لكنها لاتحظي بالذيوع الكافي، من حصتها في الاعلانات الحكومية. طالب الخيطان بمحاسبة المسئولين الحكوميين ممن مارسوا تلك السياسات الاسترضائية للصحفيين بأثر رجعي، خاصة أن منهم من لا يزال في منصبه، كما تساءل عن موقع الاعلام التلفزيوني الرسمي في المدونة، وقال إن من حق المواطن دافع الضرائب ان يشاهد شاشة اردنية تمثل كل اطياف المجتمع وتنقل اخبار الاحزاب والنقابات مثلما تنقل اخبار الحكومة والوزراء وتعطي المجال للرأي الآخر امتثالا لبنود المدونة التي طالبت الاعلام المستقل بالموضوعية والنزاهة والدقة في نقل الاخبار. الكاتب باسم سكجها رأي ان المدونة كان يجب ان تتضمن بنودا اهم من ذلك، وكان يجب علي الحكومة -من وجهة نظره- اذا ما ارادت الشفافية ان تسحب ملكيتها من بعض وسائل الاعلام ، أما الكاتب محمد ابو رمان فقد أشار الي ضرورة مراجعة ومناقشة الاسباب التي تدفع الصحفي للعمل المزدوج والبحث عن اكثر من عمل، داعيا الي توفير ظروف عمل مناسبة وتحديد حد ادني لرواتب الصحفيين والزام المؤسسات الاعلامية بمسئولياتها تجاه صحفييها. وأخيرا شدد نبيل غيشان عضو مجلس نقابة الصحفيين علي أن هذه المدونةلا يجب أن تلغي اعادة النظر بالتشريعات الاعلامية ،وقال ان الاعلام في الاردن يعاني من تقييد القوانين ، ولابد من إعادة النظر في مسألة الحبس في قضايا النشر ، واستبداله بالغرامة ، اضافة الي تعديل قانون حق الحصول علي المعلومات. الاحتواء الناعم كانت دراسة أكاديمية أردنية أعلنت نتائجها في مارس الماضي، قد أظهرت أن أكثر من ثلثي الصحفيين الأردنيين «70% » خضعوا لما يعرف ب "الاحتواء الناعم" من قبل الحكومة لتجنب انتقاداتهم لها في وسائل الإعلام، وكان من بين أبرز أنماط "الاحتواء الناعم" -وفقا للدراسة- التعيين الدائم والمؤقت في مناصب حكومية أو شبه حكومية، والهبات والمنح المالية، ومنح المعلومات لصحفيين وإعلاميين محددين، والدعوة لحضور لقاءات واجتماعات مع كبار المسئولين، والإعفاءات الجمركية والعلاج خارج أنظمة التأمين الصحي. الدراسة أشارت في النهاية إلي أن "الاحتواء الناعم" للإعلاميين لم يعد ظاهرة أردنية بل "ظاهرة عربية عامة"، ولا تمارسه الحكومة فقط بل رجال أعمال وشخصيات نافذة ونواب برلمان وأجهزة أمنية. في النهاية توجه «القاهرة» دعوة لنقابة الصحفيين المصريين أن تخطو خطوة مماثلة، خاصة وأن الوضع الصحفي المصري لا يختلف كثيراً عن نظيره الأردني.. أم هل ننتظر أيضا حتي تتخذ الحكومة المبادرة؟!.