مالك قناة يصف ثورة 25 يناير بأنها "إلهية" ويقول إن أرباح قناته ستذهب للفقراء! مصادر التمويل والملاك الحقيقيون "أسرار حربية".. والانتماء للنظام البائد يطارد "النجوم" رغم أن المشهد السياسي الحالي شديد الغموض والتعقيد، إلا أنه لا يوجد في مصر - ولا في غيرها - ما هو أكثر غموضا ولا تعقيدا من المشهد الإعلامي الذي تحول - بلا أدني مبالغة - إلي مولد فيه من الراقصين والحواة بقدر ما فيه من النصابين والنشالين، خاصة بعد إطلاق عدد كبير من القنوات الفضائية الجديدة خلال الشهور القليلة الأخيرة التي أعقبت نجاح ثورة 25 يناير من العام الحالي.. وظهور المزيد من القنوات ليس مشكلة في حد ذاته، المشكلة في الغياب الكامل، والمتعمد، للشفافية في كل ما يتعلق بخروج هذه القنوات إلي النور، وكأنه من الأسرار الحربية.. فليست هناك أي معلومات موثقة أو موثوق فيها عن هذه القنوات وملاكها وانتماءاتها، وليس هناك أي ردود علي عشرات الأسئلة التي تتعلق بمصادر وطرق تمويلها، والاشتباه في استخدامها من قبل بعض الفاسدين لغسيل الأموال، والشكوك في علاقات بعض مسئوليها والعاملين فيها بالنظام المخلوع، وعملهم علي إنجاح ما يسمي ب"الثورة المضادة"، وغيرها من الأسئلة. مثل غيري، لا أملك أي رد علي أي سؤال، وأحاول هنا فقط أن أرصد بعض الغرائب والعجائب التي صاحبت ظهور هذه القنوات، عسي أن يؤدي تجميع قطع البازل (اللغز) إلي تكوين صورة مفهومة، أو علي الأقل واضحة! أغرب ما قرأته عن الفضائيات الجديدة، ما ورد علي لسان محمد الأمين رجب، وهو من قيل إنه مالك ورئيس قناة "سي بي سي"، حيث قال، في تصريحات صحفية خلال الاحتفال بإطلاق القناة، إن رأس مال هذه القناة هو "وقف خيري" هدية لشعب مصر، وبالتالي فالقناة لا تهدف للربح، بل لإعادة تشكيل الوعي، وهي قناة عامة ليست لها حسابات سياسية ولا توازنات مع أحد أو ضد أحد وستنقل نبض الشارع بأمانة للمشاهدين، وأعلن أن كل رأسمال القناة من ماله الخاص، وليس فيها أي أموال مشبوهة، وأضاف أن أرباح القناة من أموال سوف تذهب لمؤسسة خيرية لمساعدة كل المحتاجين والفقراء! الشريك الوحيد قام رجب بتعريف نفسه لمن لا يعرفه من المدعوين للاحتفال قائلا إنه خريج كلية الهندسة وإنه يأسف لأنه لم يبدأ حياته داخل مصر، حيث كان يعمل بالخارج في مجال الإنشاءات.. وقال أيضاً إنه الآن في مصر ومن الواجب عليه استثمار ما يملكه من مدخرات داخل بلاده. وأوضح أنه فخور جدا بما فعلته الثورة المصرية من تغيير في مصر، وأن ثورة الشباب أعطت العزة والكرامة لكل المصريين، وأنها "ثورة إلهية" وقام شباب مصر بإتمامها علي أكمل وجه! ولا تسل ماذا يقصد رجب بأن رأسمال "سي بي سي" هو "وقف خيري" هدية لشعب مصر، أو ماذا يعني تعبير "ثورة إلهية"، لأنني لا أعرف الإجابة، ولا أظن أن أحدا يعرفها، حتي رجب نفسه.. والأجدر أن تتساءل ما إذا كان رجب هو المالك والممول الحقيقي للقناة، تماما كما حدث خلال الاحتفال، حين سئل عن مصادر تمويل القناة وعلاقته برجل الأعمال منصور عامر، صاحب "بورتو مارينا"، وشريكه في بعض المشروعات، فأجاب قائلا إن تمويل القناة من مدخراته فقط عن عمل دام أكثر من 30 عاماً خارج البلاد، وأوضح أن عامر صديق وأخ بالنسبة له ولكن لا توجد له أي صلة بتمويل القناة، وأن الشريك الوحيد له في هذا المشروع سيدة من عائلته تدعي سهير يحيي، وبنسبة 5% فقط. لكن هذا الكلام لم يقنع أحدا، وتوالت علي المواقع الإلكترونية مقالات وتعليقات تشكك فيه، وتقول إن هذه الفضائية مملوكة لرجل أعمال نشط في مجال الاستثمار العقاري وأحد أبرز ممولي الحزب الوطني المنحل وصديق حميم لأحمد عز وأحمد فتحي سرور. فأين الحقيقة؟ أما الصحفي محمد هاني، مدير البرامج في القناة، فقال: "اخترنا أن يكون معظم مقدمي برامجنا صحفيين ممن لديهم موقف، ويستطيعون تشكيل وعي الأمة، لأن مصر تحتاج إلي إعلام قوي وقادر علي إعادة تشكيل وعيها". ومن بين من اختارتهم إدارة القناة لتشكيل وعي الأمة، لميس الحديدي، وخيري رمضان، اللذان يتهمهما كثيرون بالولاء الكامل للنظام المخلوع، خاصة الحديدي، التي واجهت من اللحظة الأولي اتهامات حول دورها في انتخابات الرئاسة عام 2005، وصلتها بالحزب الوطني المنحل، فقالت: "لا أنكر أنني كنت مشاركة في الحملة الانتخابية للحزب الوطني عام 2005، وهذا شيء لا أنكره بل أعتز بمهنيتي، وسأظل علي نفس نهج المهنية الإعلامية، أما مواقفي واتجاهاتي فمعروفة للجميع". وأترك لكم التعليق علي الإجابة. تجمع الدعاة وبالتوازي مع نظرية "الوقف الخيري"، انتبهت إدارة القناة للمد الديني الحاضر بقوة غير مسبوقة في مصر ما بعد الثورة، فضمت لطاقم العاملين فيها الدعاة عمرو خالد، ومعز مسعود، ومظهر شاهين، إمام جامع عمر مكرم، بالإضافة ل"داعية الشعر" عبد الرحمن يوسف القرضاوي، والممثلة المعتزلة مني عبد الغني. قناة أخري دار حولها جدل واسع هي "النهار" الفضائية، التي يرأس مجلس إدارتها الدكتور وليد مصطفي، رئيس مجلس إدارة جريدة "اليوم السابع"، ويرأسها ويشارك في ملكيتها سمير يوسف، الذي لا يعرّفه أحد سوي بأنه زوج الإعلامية مني الشاذلي.. ورغم أن المعلن أن يوسف مجرد شريك في القناة، إلا أن كثيرين يؤكدون أنه مالك القناة الحقيقي، وأنه لا يريد أن يكشف حتي الآن عن شركائه فيها ، لأن الأموال التي تم ضخها في المشروع فوق التصور، حتي أن تكاليف الدعاية والتسويق لها قبل انطلاقها تجاوزت أربعين مليون جنيه، بما يعني أن تكلفة التشغيل لن تقل عن مائة وعشرين مليون جنيه.. بل اتهمه البعض بعدد من المواقع الإلكترونية بأنه من "الفلول" المقربين من رموز الوطني والمدافعين عنه. وفي هذه القضية ينبغي التوقف طويلا أمام ما قاله الدكتور سامي الشريف، الأستاذ بكلية الإعلام ورئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون السابق، في المؤتمر الذي عقد في مركز "الاقتصاد الإسلامي" بجامعة الأزهر الشهر الماضي تحت عنوان "الإعلام المصري في مواجهة التحديات المعاصرة"، حيث صرح بأن بعض القنوات الفضائية الخاصة أنشئ بالأساس بهدف غسيل الأموال، رغم أنه لا يربح، بل يحقق خسائر مستمرة، ولكن أصحابه كانوا يعملون حسابا لليوم الأسود علي حد تعبيره.. وأضاف الشريف أن ملاك القنوات الفضائية الخاصة ومقدمي البرامج فيها كانوا علي علاقة وثيقة بالنظام السابق، وأنه كان هناك اتفاق بين الطرفين علي تمثيلية اصطناع معارضة شكلية وإطلاق كلام في الهواء للتنفيس، مع احترام الجميع الخطوط الحمراء المعروفة لدي الطرفين. استقطاب الصحفيين ذهب الشريف في كلامه الخطير إلي أن بعض أصحاب القنوات الخاصة لم يكونوا يستهدفون الربح، بقدر ما كانوا يستهدفون إفساد مؤسسات الدولة وترويضها، وبشكل خاص إفساد المؤسسات الإعلامية، باستقطاب العديد من الصحفيين والإعلاميين وإغرائهم بالمال والشهرة. هنا لا اعتبر أي كلام مسلما به، ولا أنحاز لأي رأي أو وجهة نظر بعينها، ولا أوجه أي اتهامات لأي طرف، بل أطرح كل الرؤي والآراء وأترك الحكم للقارئ.. أما ما أرفضه تماما وأتحمل مسئولية رفضه وحدي، من دون أن أحتاج إلي رأي ثان، فهو الدروشة، والمتاجرة بالدين، وبمشاعر وعواطف الناس الدينية.. بالإضافة، بالطبع، للتلون، وتغيير الجلد والمواقف والمبادئ والمعتقدات مثل تغيير الملابس.. وأبشر المتلونين بالنفي والاستبعاد من أوساط المواطنين المحترمين، مهما طال تنكرهم وراء أي لون أو أي شاشة!