لا توجد علاقة مباشرة بين حيوان الثور مع وافر الاحترام لشخصه، وبين عنوان الفيلم الأمريكي الأصلي Thor الذي يشير إلي اسم بطله. لكن لا شك أنه بمحض الصدفة فإن هذه الشخصية الأسطورية تحمل الكثير من صفات هذا الحيوان الذي يتطابق اسمه بالعربية مع نطق الكلمة الإنجليزية . فالبطل "ثور" محارب يمتلك قوة خرافية وغاشمة مع رعونة وتسرع لا حد لهما، إلي جانب استجابة سريعة للاستفزاز تخرج به عن شعوره وتقوده دائما إلي ما يعرضه بل ويعرض بلاده وشعبه للتهلكة. فيما عدا هذا لا شك أن الفيلم يحمل لجمهوره العديد من المفاجآت غير المتوقعة التي كفلت له أن يحقق أعلي الإيرادات في شباك التذاكر الأمريكي، فضلا عما يحصده من عرضه في العديد من دول العالم بما فيها مصر . ولكن هل سترضي هذه المفاجآت ذوق مشاهدينا.. هذا هو السؤال؟ تبدأ أحداث الفيلم مع هذا البطل وهو يتهيأ للتتويج علي عرش بلاده خليفة لوالده الملك الذي ينشد التقاعد بعد عمر مديد ويهم بالتخلي عن الحكم طواعية لولده الفارس المغوار الشجاع . ولكن في هذه اللحظات السعيدة تأتي الأنباء بخطر الحرب، وبدلا من أن يتصرف الشاب بحكمة ملك فإنه يثور كأحد بلطجية الحزب الوطني البائد . ويكتشف الأب أن هذا الشاب لم ينضج بعد وعليه أن يخوض مشوارا طويلا من العذاب والمعاناة حتي يكتسب الحكمة . فيلقي به إلي أسفل سافلين . هل تعلمون إلي أين؟.. إلي عالم الأرض الذي نعيش فيه اليوم . هذا هو المنفي التأديبي للبطل الأسطوري . وهكذا إذا كان المشاهد قد اعتاد أن يعيش في الأفلام الأسطورية أجواء فانتازية وديكورات ووحوش وووجوه غريبة فقط، فإن هذا الفيلم يكفل له أن يعايش إلي جانب هذا أيضا أجواء وشخصيات عادية وأزياء عصرية ومعاصرة أيضا. أوكازيون سينمائي أي أننا بصدد أوكازيون سينمائي علي طريقة السوبر ماركت الكبيرة التي تقدم لك عرضين بسعر واحد أو فيلمين بتذكرة واحدة . وعلاوة علي هذا فإن الفيلم بتقنية ال«3D» المجسمة التي أصبحت خاصية للعديد من الأفلام ذات الميزانيات الضخمة . فمازال ظهور الأفلام ثلاثية الأبعاد يتوالي علي الشاشات ودور العرض العالمية والمصرية ومازالت هوليوود مصرة علي إنجاح هذه التجربة في محاولة مستميتة لجذب الجماهير إلي صالات السينما ومواجهة قراصنة الأفلام الذين يهددون بتدمير الصناعة بتحديهم السافر لكل محاولات إيقافهم وإبعادهم عن سرقة الأفلام وبثها علي مواقع لا حصر لها علي شبكة الإنترنت . ولكن المشاهدة علي الكمبيوتر لن تحقق نفس المتعة مع أفلام ال«3D» تحديدا. وإذا كانت أفلام المعارك والحروب الفانتازية قد عودتنا أن نري وجوها مشوهة ومناظر مثيرة للاشمئزاز والخوف والتقزز فإن فيلم ثور يحرص بشكل مبالغ فيه علي أناقة وجاذبية وطرافة وجماليات الصورة بكل مفرداتها ومحتوياتها من ديكورات وملابس وأزياء وماكياج . فجمال الصورة يفرض عليك ولأول وهلة أن تندمج معها وتستسلم لسحرها . . وبهذا التناسق البديع بين درجات الألوان الذهبية والفضية مع الطرز الضخمة والشامخة التي تفرض طابعا من القوة والأناقة في ذات الوقت . فالفيلم يقدم صورة رائعة تصنعها الكاميرا بالأضواء والظلال والألوان وكأنها مرسومة بريشة فنان تشكيلي متمكن حيث يبدو كل كادر كتابلوه سينمائي بما يحويه من تكوينات وتفاصيل ومقدمات وخلفيات . وحيث يتسع مسرح الأحداث بامتداد امبراطورية بأكملها، كما ينطلق المجال في العديد من الكادرات إلي اللانهائية متضمنا مستويات مختلفة من العمق المثير للتأمل والقادر علي إثارة الخيال. عقوبة الأرض بل إن الفيلم في حرصه علي الجانب الجمالي يختار وجها وسيما لدور البطولة هو كريس هيمسورث الذي يلقبونه بمهند الغرب لتشابه ملامحه مع نجم المسلسلات الرومانسية التركي . وهو إلي جانب هذا يمتلك لياقة بدنية عالية وحضورا لافتاً ومظهرا قويا يتيح لنا أن نصدق قدرته علي مواجهة خصومه وخوض معاركه التي لا تنتهي بين عالمين والمقصود بهما عالمه الأسطوري وعالم الأرض الذي ينتقل إليه بعد أن تحل عليه لعنة والده . والغريب أن عالمه الأسطوري يفوق في حداثته ومظاهره المبهرة عالمنا المعاصر بمراحل، بحيث يكون قدومه إلي أي مكان علي الأرض بالفعل عقوبة وتعذيبا لعصيان ثور والده الملك (انتوني هوبكنز) ومبادرته بمهاجمة الكائنات الثلجية . وفي حياة ثور بالأرض تختلط أجواء المعارك بالكوميديا الرومانسية. فهو سوف يجد صعوبة في التكيف مع مفردات واقعنا التي تختلف عن الظروف التي جاء منها . وهو أيضا سيقع في غرام فتاة من عالمنا لابد أن يقع في غرامها أي كائن تؤديها الجميلة الرقيقة ناتالي بورتمان. فتعيش معه قصة حب من نوع جديد وغريب. ولكن عناصر الكوميديا والرومانسية هي مجرد توابل لخدمة فيلم حركة وعنف ومعارك من الطراز الأول . كما لاتخلو الأحداث بالطبع من حبكة تعتمد علي منطق الأسطورة ومنها مطرقة سحرية تنغرز في صخرة يعجز ثور بقوته الخرافية في نزعها وتتوالي المحاولات بجميع السبل والوسائل العصرية الحديثة حتي ولو كانت قوة سحب سيارة دون جدوي، لتصبح المنطقة التي انغرزت فيها منطقة أمنية . وتتشعب الحكايات ويتشتت الصراع . وجبة متبلة لكن السيناريو يتمكن من الحفاظ علي خطه الرئيسي وحبكته المركزية التي لابد أن تؤدي إلي المواجهة بين ثور وأخيه الشرير الخائن الذي تجري في عروقه ولا مؤاخذة دماء الكائنات الثلجية التي تنتمي لها أمه. والفيلم لا يكتفي في هذا الإطار بالاعتماد علي أسطورة البطل "ثور أوندسون" صاحب قوة الريح التي تنتمي للشمال النورماندي والتي تم استلهامها في قصص ومجلات الكوميكس المصورة سابقا علي غرار باتمان وسوبر مان، بل إنه يستعين أيضا بالعديد من الشخصيات المستوحاة من قصص أخري مختلفة. وهو ما يأتي ذكره بوضوح في جملة ساخرة من حوار الفيلم حين يصل ثلاثة من أصدقاء ثور لمساندته فيشبههم أحدهم بأبطال أفلام ومسلسلات الأساطير والمغامرات الأمريكية والعالمية من عينة زينة وروبن هو وجاكي شان . هكذا يكاد المخرج كينيث براناه يقدم لجمهوره وجبة يحرص فيها علي أن تتضمن كل الأصناف دون أن ينسي عناصر التوابل والمشهيات . وهو لكونه مخرجا مسرحيا في الأصل وله تجربة كبيرة مع الشكسبيريات. فهو لا ينسي أن يرصع فيلمه بجمل شكسبيرية علي لسان بطله المفترض أن تقطر منها الحكمة وأن تحمل المضامين العميقة للفيلم. ولكن لا تصدق يا عزيزي القارئ أي شيء من هذا، فحتي شكسبير نفسه هو أحد عناصر الخلطة السحرية التي يصنعها براناه ولكن جمله وأفكاره لا تحمل أي معني ودلالة في هذا الفيلم . فالهدف أولا وأخيرا هو الإثارة. وكل العناصر الأخري هي مجرد أدوات للربط بين المشاهد أو للحظات التقاط الأنفاس التي يحتاج المشاهد فيها لتناول مشروبه أو فيشاره في استرخاء بعد أن أضناه هذا الجهد العنيف في متابعة المعارك الضارية التي يخوضها البطل وكأنه يحمل نيابة عنه ذراع التشغيل لجهاز الفيديو جيم فيحصد له الضحايا ويحقق النقاط بسرعة رهيبة لا يلاحقها عداد السرعات. سلالة ثور وربما تتيح هذه الرصانة أو الرطانة الشكسبيرية والأصول الأسطورية للقصة أن يستعين المخرج بممثلين علي قمة النجومية والمقدرة الأدائية في قامة أنطوني هوبكنز . والذين لا شك أن وجودهم يضفي علي المشاهد قدرا من المصداقية في وسط أجواء ليس لها أي علاقة بالصدق أو المنطق. ولكنها تعتمد علي أشتات من قواعد وبنود المنطق الاسطوري من هنا وهناك . فهل تنجح هذه التوليفة والخلطة السحرية في مصر أم أن الواقع الذي نعيشه في مصرنا اليوم أصبح أكثر إثارة وأن حتي سينما المغامرات والأساطير لم يعد بمقدورها أن تجاري الواقع المثير الذي نعيشه بمفاجآته المتلاحقة وانقلاباته الثورية بما يوازيها من قلق وخطر وعقبات وانتصارات أصبح هذا المشاهد نفسه يشارك في تحقيقها هو وكل من حوله. لا اعتقد أن خلطة براناه سوف تنطلي علي جمهور مصر الذي أصبح هو نفسه صانع الأسطورة التي يترقبها العالم كله هذه الأيام وهو محتبس الانفاس . لكن لا شك أن هذا الفيلم سيثير فينا شجونا عن أسطورة ملك لم يتوان عن إلقاء ابنه في عالم بعيد مجهول ليلقنه درسا في ضبط النفس وحسن الخلق وليكسبه خبرة بالحياة تعيده إلي رشده وتصقله بقدر من الحكمة التي يعوزها أي ولي عهد حتي يستحق عن جدارة أن يجلس علي عرش أبيه وأن يقود شعبا تحترمه هذه السلالة الحاكمة . ولكن بالطبع إذا كانت هذه السلالة منهوبة ومحتقرة من حاكمها وإذا كان هذا العرش سيؤول إلي الابن بالنصب والاحتيال والقوانين المطبوخة والانتخابات المزورة فلا داعي لكل هذه المعاناة.. إذا انتابتك مشاعر التعاطف والشفقة مع ثور بطل الفيلم فهناك آخرون من نفس السلالة لا يستحقون أي عطف أو شفقة .