اشتعلت العقول الأدبية منذ 11 فبراير وأنتجت في وقت قصير العديد من الأعمال فلم نكد نلتقط أنفاسنا بعد اسقاط الرئيس حتي فوجئنا ب "كان فيه مرة ثورة" للكاتب محمد فتحي ويحكي فيها لأطفاله عن الثورة وتوالت بعدها الأعمال "كتاب مسيل للدموع" لأحمد الصباغ و " مائة خطوة نحو الثورة " لأحمد زغلول الشيطي و " ثورة الخل والبصل " لمحمد الدسوقي رشدي و " 7 أيام في التحرير " لهشام الخشن والعديد. نتساءل هل التوقيت مناسب للكتابة عن الثورة أما كان للكاتب أن ينتظر ليرصد المشهد كاملا أم لا ؟؟ ولذا حاورنا عدداً من الشباب المثقف والنقاد لمعرفة وجهة نظرهم، وإلينا رأي الشباب في تلك الظاهرة : يقول أحمد عاشور إنه ليس من المنطقي أن نصادر علي إنتاج الأعمال عن الثورة المصرية، فالكاتب يكتب أي شئ وفي أي وقت وعن أي شئ ولكن العبرة في الإجادة والإتقان وقد لاحظ عاشور غياب الكتابات الصحفية الجادة حتي ماكتبه مثلا د.محمد الباز لا يرقي للاطلاع علي الثورة من الجانب التوثيقي ويري أن أهم ما كنا ننتظره هو لوحة تشكيلية تعبر عن اللحظة أو كتّاب يستشرفون اللحظة الفلسفية التي ندخل إليها. أما عن رأي زهراء مجدي عن كتب الثورة فتري أن التأريخ للثورة في الوقت الحالي لا يجدي لأنه تأريخ ناقص وغير مكتمل لأن الثورة ذاتها لم تكتمل حتي الآن و مثلا إذا قال كاتب ما إن الثورة عظيمة وناجحة فالوضع يمكن أن يتغير فيما بعد، تستشف زهراء ما وراء تلك الظاهرة أن تلك الكتب ستباع في الوقت الحالي ولكن ستفقد قيمتها مستقبلا، فتلك الكتب لم يكتبها مؤرخون أو محللون لذا لن يكون العمل جيدا فالثورة ليست بالشئ الهين للتوثيق له . يعتقد محمد حسن ان هذه مجرد ظاهرة وستختفي، سماتها هي السطحية وعدم التعمق، فالنسبة الأكبر من تلك الكتب مفاهيمها خفيفة وهي مطلوبة لمن فاتته الثورة ولم يشترك فيها ويريد ان يعرف تفاصيلها ويظن أن تلك هي الميزة الوحيدة لتلك الكتب ولكنه لا يشجع تلك الظاهرة لأن علي الكاتب أن يهدأ ويستقر ويعطي لنفسه الفرصة كاملة لينتج عملا قويا وذا رؤية بناءة ويري أن أنجح عمل كان للكاتب أحمد زغلول الشيطي وهو" مائة خطوة نحو الثورة " أما العمل الأدبي متمثلا في الرواية فيري أنه ليس التوقيت المناسب للكتابة . تسخر آمال سامي قائلة : "عادي ما فيه ستة آلاف ائتلاف للثورة فلماذا لا يكون هنالك مثلها كتب تتحدث عن الثورة "، وتتحدث عن النصوص الأدبية وتعتقد أن وجود رواية مثل رواية " الثورة " للدكتور نبيل فاروق بين الأعمال النثرية منطقي لأن الكاتب غير ملزم فيها بجمع المعلومات وتوثيقها فالرواية خيال،وتري أن تقييم الأعمال الحالية التي تناولت الثورة يرجع إلي هل الكتاب أضاف للقراء وهل سيكون مرجعاً للقراء فيما بعد؟ أما عن آراء النقاد فيري سمير الجمل إنه يتوقف علي الموضوع والزاوية التي يأخذها الكاتب في تناوله للثورة، فهناك كتب تحدثت عن الثورة من الجانب الساخر بها ككتابه " ثورة التحرير تضحك" التي تناول فيها طرائف المصريين في الميدان المتمثلة في الرسومات واللافتات، ويوضح قائلا إنه من الأفضل في الأعمال الكبيرة عن الثورة أن يتأني الكاتب لكي يرصدها بشكل جيد . أما عن الناقد شريف الجيار فيري أن ثورة 25 يناير أدت إلي انعكاسات نفسية ووجدانية علي الأصوات الأدبية المصرية في معظم الأنواع الأدبية خصوصا النثر والشعر فيلاحظ أن ميدان التحرير أنتج ما يزيد علي 70 قصيدة مابين العامية المصرية والفصحي ويشير إلي أنه بعد أيام قلائل من خلع الرئيس ظهرت الكتابات الإبداعية خاصة الكتابات السردية متمثلة في القصص القصيرة وظهرت الكتابات السياسية التي تؤرخ للثورة وينقد تلك الكتابات موضحا أن قصيدة العامية المصرية استطاعت أن تفوز ويكون لها السبق في رصد الأحداث والتأريخ للتتابع السريع للأحداث في حين أن النصوص النثرية ظهرت بعدها بفترة ويعطي مثالاً لذلك كتاب مراد ماهر " صنع في مصر " و يري أن هذا الكتاب ينتمي إلي النصوص السردية ولا يمكن أن تصنف كقصص قصيرة فهي عبارة عن وجدانيات مبدع مصري عاصر الثورة وشاهد أشكالاً مختلفة للثورة في الأقاليم المصرية لا سيما السويس والمنصورة والإسكندرية ويسميها الجيار كتابة الحالة الناتجة عن الأحداث وتتسم بالصدق الفني والتجربة المشهدية السينمائية والتي ينقل فيها للمتلقي ماحدث أثناء الثورة ويري أن مراد ماهر في طليعة من أرخ للثورة، وعلي عكس تلك الكتابات يوضح الجيار أن هناك كتابات لا تنتمي للكتابة الفنية الحقيقية وهدفها ركب الموجة ولكي تسجل في تاريخ الإبداع المصري فقط . أما الناقد سامي سليمان فيري أن تاريخ العلاقة بين الثقافة والأحداث الكبيرة كالثورات أن هناك أنواعاً متعددة من الكتابات التي تصف وقائع الثورات أو تحملها أو ترصد النتائج التي ترتبت عليها ويوضح أنه من الممكن التفريق بين الكتابات التي سجلت لحظات الثورة سواء في مقدمتها أو في حدوثها الآني أو الكتابات التي تناولت الثورات بعد سنوات من وقوعها فأما النوع الأول يكون الحرص علي تسجيل الوقائع ورصد مختلف المواقف والأحداث وتقديم أنواع مختلفة من التوثيقات للأحداث الكبري وهذا النوع من الكتابة يتمثل في الكتابات الصحفية وتنشر في الصحف العامة والخاصة ويستطرد قائلا إن هذه الكتابات بعد حين يقوم الكاتب بتجميعها في عمل وتعود أهمية هذا النوع الي كونه أقرب إلي الرصد الآني أو الشهادة الحية علي الوقائع ويجد فيه مؤرخو الأحداث التاريخية مادة هائلة يستطيعون إعادة قراءتها وتحليلها لتقديم دراسات علي قدر من الرصانة أما النوع الثاني فهي الكتابة التي تكتب بعد سنوات من وقوع الأحداث التاريخية وهي إما أن تكون تحليلات اجتماعية وسياسية أو قد تكون أعمالاً أدبية ويعتقد أن الكتب الحالية التي تناولت الثورة هي تصوير فني للحظة الآنية وفي ذات الوقت يقوم بتسجيل الجوانب الإنسانية التي تفاعل معها وفي رأي سليمان أنه إذا كنا نبحث عن الكتابات التسجيلية فهذه الأعمال تندرج تحتها وأما إذا كنا نبحث عن كتابات متعمقة أو أعمال أدبية رصينة فهذا يستدعي الانتظار بضعة سنوات لقراءة واحد . الناقد حسام عقل فيقول إن ثورة 25 يناير في طريقها أن تنتج فكرا جديدا ومشهداً ثقافيا جديدا ويلاحظ أن رموز الحركة الأدبية بكل تياراتها يقومون بمراجعة ما أنتجوه من أدب بل إن البعض في رأيه قد سعي لامتطاء وركوب الثورة وقد حاول البعض لتوقيع الكتب في ميدان التحرير ويري أن هذا تأكيد أن ابداعها جزء من الثورة و يري أن الأدب المرتبط بالثورة مازال دون المستوي وأعطي مثال قصيدة الطريدة لعبد الرحمن يوسف ففي رأيه أن بها جهداً فنياً ولكنها ليست الأفضل،ويري أن معظم الأعمال النثرية والمقالية يغلب عليها طابع التقريرية وكذلك طابع الصناعية وتفتقد للعمق ويجب أن يمر بعض الوقت لاختمار الفكرة.