45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط « طنطا - دمياط»    سلسلة غارات إسرائيلية على البقاع شرقي لبنان    أوديسا: هجوم روسي يودي بحياة أوكراني وإصابة خمسة أجانب    البيت الأبيض يتخوف من تكرار سيناريو الكابيتول في الانتخابات الرئاسية    محمد أبو الوفا رئيسا لبعثة منتخب مصر في موريتانيا    ثروت سويلم يكشف حقيقة عدم إجراء قرعة للدوري الجديد    بالأسماء.. مصرع 4 أشخاص وإصابة 6 آخرين في حادث تصادم ببني سويف    إيمان العاصي: كرهت محمد القس بسبب دوره.. والجمهور شكرنا على اللهجة البيضاء    بلاغة القرآن| تعرف على تفسير سورة الناس    خمسة لطفلك| تعرف على أهمية الوجبات المدرسية للأطفال    صحة المنوفية تنظم دورات تدريبية للأطقم الطبية    غزه الفاضحة .. قناة فرنسية: الإمارات تشارك "اسرائيل" بعمليات عسكرية في غزة (فيديو)    المدير الفني لنادي بلاك بولز: الزمالك أحد أكبر فرق إفريقيا ومواجهته صعبة.. والمصري البورسعيدي مميز    أمير توفيق: الأهلي لم يتفاوض مع دونجا.. ورؤية موسيماني سبب عدم ضم رحيمي    حسام حسن يحدد موعد انضمام صلاح ومرموش لمنتخب مصر    العجيزي يكشف كواليس مباراة ال 4 ساعات بين الزمالك وسموحة    ماذا تضمنت تعديلات قانون صندوق مصر السيادي؟ رئيس موازنة النواب يوضح    ننشر نص التحقيقات مع صاحب الاستديو في واقعة سحر مؤمن زكريا| خاص    ضبط سيدة بحوزتها عملات أجنبية بمطار القاهرة    مصرع وإصابة 22 شخصا في تصادم مروع بين سيارتين بطريق بلبيس العبور    "وصل المستشفى قاطع نفس".. طعنة الغدر تنهي حياة شاب في الجيزة    "التوك توك نزل الترعة".. إصابة 3 أشخاص إثر حادث تصادم بالغربية    حدث منتصف الليل| تفاصيل عودة خط قطارات السكة الحديد لسيناء.. والمهن الطبية تعلن زيادة مساهمات الأمرا    رئيس مجلس أمناء حياة كريمة: تجار أعلنوا رغبتهم المشاركة فى حملة توفير اللحوم بأسعار مخفضة    حدث بالفن| طلاق فنانة ومفاجأة شيرين وتعليق نشوى مصطفى على أزمتها الصحية    هنا الزاهد في أبو ظبي وجوري بكر مع نجلها ب بورسعيد..10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    بالصور.. محافظ المنيا يشهد حفل الجامعة بالذكرى ال51 لانتصارات أكتوبر المجيدة    «إسقاط عضوية إسرائيل».. ننشر بيان مؤتمر التحالف التقدمي العالمي    أمير توفيق: قدمت 24 مستندا في تحقيقات الأهلي.. وقندوسي طلب الرحيل مجانا الصيف الماضي    رسميا بعد الارتفاع.. سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الثلاثاء 8 أكتوبر 2024 (تحديث الآن)    أبناء الجالية المصرية بالسعودية يحتفلون بذكرى نصر أكتوبر المجيد    أحمد القندوسي يهدد الأهلي بأزمة جديدة.. مدحت شلبي يكشف التفاصيل    «فرعون شديد».. عمرو أديب عن تألق عمر مروموش    من أين لك هذا، كيف تفوقت تايلور سويفت على ريهانا وأصبحت أغنى موسيقية في العالم    أول تعليق من نشوى مصطفى بعد خروجها من المستشفى    مصرع 5 أشخاص وإصابة 5 آخرين إثر انهيار منجم في زامبيا    «خانتني بعد ما وعدتني بالزواج».. محاكمة المتهم بقتل سائحة سويسرية بالفيوم اليوم    القس منذر إسحق: نريد الحياة للجميع ولا سلام دون عدل    شاهد جمال الممشى السياحي بكورنيش بنى سويف ليلاً    أوسيمين آخر.. نابولى يخطط لتجديد عقد كفاراتسخيليا فى الأجندة الدولية    ترتيب الدوري الإيطالي بعد نهاية الجولة السابعة.. نابولي يتصدر    بايرن ميونخ يرصد 25 مليون يورو راتبا لحسم ملف تجديد جمال موسيالا حتى 2030    قطع التيار الكهربائي عن مدينة طور سيناء اليوم لنقل محولات    عمرو خليل: فلسطين هي قضية العرب الأولى منذ عام 1948.. فيديو    هجمة صيفية مفاجئة.. بيان مهم بشأن الطقس اليوم الثلاثاء 8 أكتوبر 2024    حياة كريمة: نوفر اللحوم الطازجة ب310 والمجمدة ب180 جنيها عبر 100 منفذ    عيار 21 الآن بالمصنعية.. أسعار اليوم الثلاثاء 8 أكتوبر 2024 «بيع شراء» بعد الانخفاض الجديد    تنسيقية شباب الأحزاب: الرعاية الصحية ركيزة قادرة على دعم الحياة الكريمة    هل يجوز تبادل الذهب بالذهب؟ أمين الفتوى يجيب    مدير صحة القليوبية يتابع العمل بالوحدات الصحية: إحالة المقصرين للتحقيق    بالزي الفرعوني.. استقبال مميز للطلبة في كلية الآثار بجامعة دمياط    الأزهر للفتوى: الإنفاق في الخير لا يشمل المال بل النية والعاطفة    «النواب» يوافق على زيادة حصة مصر في صندوق النقد الدولي    «الرعاية الصحية» تعلن نجاح جراحتين لزراعة القوقعة في مجمع الإسماعيلية الطبي    رابط الاستعلام عن نتيجة مسابقة شغل وظائف معلم مساعد 2024    جامعة عين شمس تنظم احتفالية كبيرة بمناسبة الذكرى 51 لانتصارات أكتوبر    مرشح "الأوقاف" في مسابقة ماليزيا للقرآن الكريم يُبهر المشاركين والمحكمين    الدكتور حسام موافي ينتقد الإسراف في حفلات الزفاف: "ستُسألون عن النعيم"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ورشةميدان التحرير لصناعة لغة الكتابة الأدبية الجديدة وكسر القيود القديمة
نشر في القاهرة يوم 19 - 04 - 2011


تجربة "ميدان التحرير" ستظل منبعاً ثرياً يمكن أن نستلهم منها وعياً وإبداعاً عميقاً إذا ما أمعنا النظر فيما حدث أثناءها، وأخضعناه للدراسة والتأمل الطويل. كانت أياماً وليالي زاخرة ليس بالأحداث وحدها،ليس بالأفكار وحدها، ليس بالحركة المتجددة وحدها لكن أيضاً بالأحاسيس التي تُغذي النفس بالوقود الأساسي لكل فن وتطور وجداني جميل، فجعلتني أراجع الكثير من مفاهيمي عن الشعب الذي نشأت فيه، وعن المجري الذي سارت فيه أفكاري عنه في السنين الماضية، وكأنني الآن أكتشفه من جديد. في هذا المقال أريد أن أتناول موضوعاً فكرت فيه بعد أن هدأت الأحوال قليلاً فركنت إلي السكينة ولو لبعض الوقت، إلي تأمل بعض التجارب التي عشتها في الفترة الأخيرة وأنا سائر وسط جموع "ميدان التحرير". من بين ما أوحت إلىَّ به هي مسألة قد تبدو للنشيطين السياسيين مسألة ثانوية، لكنها بالنسبة إلي أساسية بعد أن أصبحت حرفتي في الحياة هي الكتابة أعيشها هي دون غيرها تقريبا من أنشطة الحياة التي كنت أمارسها من قبل. ما شاهدته في "ميدان التحرير" هو انفجار ثوري اقترن به انفجار آخر في نواح مختلفة من الحياة ربما من بين أبرزها هي الموجة العاتية من الإبداع التي انطلقت من شعب فُرض عليه الصمت، والكتمان خلال سنين طويلة، ثم اكتشف لاندهاشه أنه قادر علي التعبير، قادر علي أن يقول أشياء لم تخطر له علي بال، أن يبدعها بلغته هو، بألفاظه، بإيقاعه، بأحاسيسه هو، بالحقائق التي هي الحقيقة اختفت خلف سحب الزيف الرمادية الكئيبة، خلف التواء القائمين علي حياته، وشئونه، وإعلامه، ومؤسساته، وأحزابه، فعبر بلغة، بشعارات، بأغان هي أقوي ألف مرة من لغة الأسياد، والنخب، والمثقفين. لغة صار يبتكرها في كل لحظة من جديد، لغة تقول الأشياء بسيطة ولهذا السبب لها عبقرية خاصة بها، لغة منغمة تبث الشعور بأن هناك زحفا بدأ وسيستمر، لغة فيها ذكاء وسخرية وخفة دم الذين وُلدوا علي ضفاف النيل، غاصوا سيقانهم في طينها، وشربوا من مياهها خلال السنين. هكذا كان "ميدان التحرير" بالنسبة إلي ورشة عن اللغة صنعتها الملايين، ورشة علمتني أن اللغة لا تكف عن التغيير، عن اكتشاف وسائل جديدة للتعبير، وأن المحاولات التي تُبذل لسجنها في أُطر جامدة ليست سوي جزءاً من سعي القوي المهيمنة علي المجتمع للسيطرة علي حركة الشعب، لسجنه إلي الأبد، للحيلولة دون أن يمارس صراعه الدائم من أجل الحرية، والعدالة، والمساواة، ومن أجل التخلص من مجتمع ظل يعوق قدراته علي بناء كل ما هو إنساني وجديد. صراع لم ينقطع حول اللغة مسألة لغة التعبير والكتابة تتصارع حولها الأوساط المهتمة بالثقافة، والإبداع الأدبي في مصر. إنها قضية يدور حولها جدال ثقافي وفكري مستمر بين الذين يتمسكون باللغة العربية الفصحي دون تعديل أو بتعديلات سطحية يضطرون إليها في الكتابة الروائية والقصصية، والشعر، بين الذين يصرون علي نقائها، وبقائها، بعيداً عن شكل من أشكال "التلوث"، بعيداً عن المساس بعذريتها الطاهرة، المقدسة، بعيداً عن كلمات وألفاظ وتركيبات ومعاجم لا تنتمي إليها، وبين الذين يميلون إلي قبول تسلل "الشوائب" إليها، إلي الجمع بين اللغات واللهجات العامية الملوثة، بين كلمات وألفاظ غريبة تخدش حياء وصرامة اللغة الفصحي وتسعي إلي تجنبيها، أو الاستغناء عنها أحياناً حسب الظروف والمكان والعوامل المتعلقة بعملية الإبداع. الشوائب التي أقصدها لها مصادر كثيرة، ومتنوعة، ومتحركة بقوة في مختلف قطاعات المجتمع، وسط فئات واسعة من الناس، وأوساط لها نفوذ ثقافي هناك اللغة المستخدمة في وسائل الإعلام، في التليفزيون والصحف والمجلات، وفي السينما. هناك اللغة التي يتحدث بها المتعلمون والمثقفون، والمهنيون وأصحاب المصانع والورش والمؤسسات التجارية، أو الأساتذة والطلبة في المدارس والجامعات أي اللغة التي يتحدث بها سائر المنتمين إلي مختلف مراتب الطبقة المتوسطة. هناك بالإضافة إلي كل ذلك لغة الشباب وتعبيراتهم الجديدة. جميع هذه الظلال من اللغة تختلط فيها اللغة الفصحي بالدارجة، وتتسلل إليها كلمات أجنبية أثناء الكلام والكتابة الأدبية. هناك اللهجات والألفاظ، والتعبيرات الشائعة في الأحياء الشعبية، والمناطق العشوائية التي تُشكل ما يقرب من 25% من سكان المدينة هناك الألفاظ والكلمات واللهجات المنطوقة في قري الريف الممتدة من "النوبة" ومحافظة "أسوان" حتي "الأسكندرية" و"رشيد" و"دمياط". هناك ألفاظ وتعبيرات العائدين من منطقة الخليج. هناك الغزو الثقافي واللغوي الذي يتجلي في أسماء الشوارع والمحلات، في المطاعم والفنادق،والإعلانات في الجامعات والمدارس الخاصة و في الأفلام، فهل يمكن أن تظل اللغة العربية بمنأي عن كل هذا؟ هل هذا هو المطلوب؟ وإن كان هل هناك سبيل إلي ذلك؟ أم أن اللغة كائن حي متحرك، ملك للناس جميعاً، تعبير عن واقعهم، عن حياتهم، وليس قلعة يصونها بعض القائمين علي التعليم، والسلطة الثقافية يعتقدون أنهم قادرين علي حماية اللغة من الأدران، مثلما يحاصر البوليس الفقراء الذين يعانون الحرمان للحيلولة بينهم وبين ميلهم إلي التمرد علي الأوضاع. يربط أنصار الحفاظ علي اللغة العربية الفصحي في التعبير والكتابة الإبداعية هذه المسألة بقضايا تتعلق بالهوية الثقافية القومية والدينية مما ىُؤجج الخلافات متجاهلين حقيقة أن اللغة ظاهرة لها أبعاد تاريخية، واجتماعية، ولا يمكن مناقشة قضاياها بمعزل عن هذه الحقيقة مع ذلك للغة العربية أصالتها التاريخية والاجتماعية والثقافية، أصالة ستظل قائمة رغم ما يطرأ عليها من تغيير، والحفاظ علي هذه الأصالة جزء من الصراع للحفاظ علي أصالة الشعب، علي أصالته الثقافية والخلقية، علي القيم الإنسانية التي تحكم حياته. لكن السؤال المطروح هو هل يتم هذا عن طريق الجمود، ومقاومة التغيير، أم عن طريق قبول التطور الذي لابد منه، ومحاولة توجيهه بحيث يصير عنصر إبداع وتقدم وتطور مستمر. اللغة ملك الجميع عندما أفكر في تجربتي مع اللغة العربية تحضرني صورة الطفل الذي يلعب بقطع، ومكعبات من الخشب الملون ليقيم بها أشكالاً من البناء. ليست لديه قواعد تحكمه في هذه اللعبة، ولا يوجد أمامه سوي عدد محدود من القطع، لكن إذا كان مبدعاً، صاحب خيال يستطيع أن يصنع بها مالا يصنعه طفل آخر وفرت له أسرته علبة فيها عدد أكبر من القطع، ومع ذلك يكاد لا يفعل بها شيئاً لأنه عاجز عن الابتكار. المكعبات والقطع الخشبية في هذا الصورة ترمز في ذهني إلي الكلمات نستخدمها في إقامة بناء له معني، فالمعني وما يشتق منه من إيحاءات وصور وخيال يثيره النص هو الأهم. إنه يحدد الشكل الجمالي إلي حد كبير وليس قواعد يتم اتباعها. طبعاً فيما يتعلق باللغة ليس المقصود أن امتلاك قاموس غني بالكلمات والتعبيرات لا دور له في صنع هذه الأشياء، في صنع المعني والمحتوي، ولا أن المعرفة بتراث اللغة، ومعجمها، وقواعدها لا أهمية لها. لكن المقصود هو أن هذا ليس بيت القصيد، وأنه في كثير من الأحيان تتحول هذه الأشياء إلي قيود لفظية تُسجن الإبداع، بل وتقضي عليه. إن الذين يصرخون دفاعاُ عن الفصحي وقواعدها كثيراً ما يصرفوننا عن هذه الحقيقة، وما أكثر النصوص التي تعتمد علي الألفاظ الطنانة، أو الكلمات الساحرة، الشاعرية، علي الجمال المزخرف السطحي، وعلي التمسك بالنحو والصرف التي يتحول إلي شيء أجوف لا معني له، إلا تضليل أدبي وفني. الكتابة الأدبية جوهرها في الوعي، في الخيال، في القدرة علي التصوير، في الإبداع الذي يلعب دور المغناطيس الجاذب للكلمات والألفاظ التي تُصاغ بها المعاني. الكُتاب المبدعون في الرواية أو الشعر، أو في القصص القصيرة لم يكونوا علماء لغة. اللغة المعبرة المبدعة فيها بساطة، فيها سيولة، فيها تعبيرات وتركيبات غير مألوفة تعكس غرابة الحياة وتناقضاتها، تجعلنا نتوقف أمامها أو نُصدم أو نندهش، أو ننفعل، أو نفكر في أشياء لم تخطر علي بال. فيها خروج عن المألوف، عن الواقع العادي، فيها تغيير يتواءم مع موضوعها. اللغة حوار دائم مع النفس، ومع الآخرين، أداة لخلق صلة فكرية ووجدانية بين الكاتب والمتلقي وليست قواعد للنحو أو الصرف أو للبلاغة والبيان. اللغة الحىَّة ليست متعالية منعزلة عن الناس والمجتمع، ليست نخبوية. إنها تبتعد عن الواقع لكن هدفها هو أن تستخرج منه ما هو مُوحي ومؤثر. اللغة الأدبية ليست أداة لطبقة معينة، لفئة معينة، لنخبة معينة يتخاطب أفرادها فيما بينهم. اللغة الأدبية أداة ديمقراطية يتحدث بها الأطفال بطلاقة دون أن يعرفوا شيئاً عن قواعدها أو بنائها مع ذلك يعبرون عن أنفسهم بصدق يكشف زيف الكبار. المبدعون الحقيقيون أطفال اللغة هي لغة الأميين، والبسطاء والفلاحين، والأجراء، لغة الامهات والجدات ينسجن بها الصور والحكاوي، والمفارقات بعبقرية يعجز عنها أساتذة الجامعات. كفن الجمود اللغة الأدبية هي إذن لغة للناس لا تستقر عند نقطة ثابتة فهي متحولة دائماً اللغات الوحيدة المستقرة هي اللغات الميتة لا يدخل إليها ما هو غريب ولا تحتمل الشوائب. اللغة الأدبية الحىَّة تقبل "التلوث"، تُعاني من الصدام مع ثقافات آخري، من زحفها عليها وتستوعب منها ما ينفع. تفتح أبوابها خطوة بعد خطوة للتفرعات، والتركيبات والانحناءات حتي يجد المتحدثون بلغة البلد مكانا لهم في الأعمال الأدبية. إنها لاتفسد، وإنما تتحول علي نحو ظاهر وخفي، ولا أحد يستطيع أن يوقف ما يحدث لها فمن يحاول يصيبه الفشل. أنصار اللغة العربية الفصحي وحدها دون غيرها يهددوننا بضياع الهوية وكأن الهوية نفسها ثابتة، بالقرآن، كأن القرآن ألفاظ وليس معاني يفسرها الحكام والوعاظ وعلماء الدين، والناس العاديين حسب ظروف حياتهم. اللغة الادبية تُعبر عن الإنسان، والإنسان حصيلة خفية، متشابكة، لاعقلانية لعواطف، ومشاعر، وأوهام، وهذيان، وأساطير لا تستطيع أن تُعبر عنها اللغة الفصحي الجامدة. لاتُوجد صفائية لغوية لأنه لا تُوجد صفائية إنسانية. لغة الكتابة ينبغي أن يغزوها سكان المناطق العشوائية وفلاحو وجه بحري والصعيد وسائقو سيارات الشحن والأجرة، والخرتية، والمومسات، وأطفال الشوارع، بتعبيراتهم، بأمثالهم، وأساليب حكيهم، بألفاظهم. إنهم ىُزيدون اللغة ثراء، ىُضيفون إليها صورهم، ونبضهم المتوحش، فكم يبدو النص الأدبي فاتراً وغريباً عندما يصيغ الكتاب حوار هؤلاء باللغة العربية الفصحي. إنهم يحرموننا من كل تراث الإبداع الشعبي ويعملون علي تحنيطه في الدراسات ورسائل الدكتوراة، أو يسعون إلي وأده. أصحاب اللغة العربية الفصحي يرون في كلام الفلاحين، ولغة الشباب، في لغة" ميدان التحرير" كارثة لأنهم يدافعون عن عروشهم، عن أنظمة عفي عليها الزمن. التحول التدريجي للغة الأدب مسألة لابد منها، وهذا التحول هو في نهاية المطاف انتصار للحياة علي الموت، انتصار للأدب الذي يولد، للكيانات التي تعيش، وتتصارع وتُحب علي التحجر وجمود الفكر. إن مصدر الإبداع هم هؤلاء الملايين الذين نُريد إسكات أصواتهم ولغتهم كأنهم كائنات لا وجود لها أو لا دور لها في الحياة. فلنفتح النوافذ والأبواب للتطور حتي يتحدث الشعب في أعمالنا بكلامه الحي، لتكون أعمالنا تعبيراً عن "ميدان التحرير".

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.