لا نملك إلا ان نردد مقطع أغنية الفنان الراحل عبدالحليم حافظ الذي ارتبط اسمه بثورة 52 «عاش اللي قال الكلمة بحكمة في الوقت المناسب» كلمات محمد حمزة، ونحن نشاهد المشهد العبثي الذي يجري في ليبيا وموقف كتاب مرموقين مما يجري ، لا يجب ان تتحكم في رأي المثقف مشاعر الكراهية والحب في موقفه من حدث أو شخص بل يجب ان يكون أقرب إلي موقف القاضي العادل يغلب عقله القائم علي التحليل الدقيق والأمين مقدماً مصالح الوطن.. مستقرئاً التاريخ لما جري في حوادث مماثلة ولا يكون موقفه فرصة لتصفية الحساب وتنفيسا لنزعة الانتقام والتشفي. بلاغ ضد فضل تذكر الكاتب بلال فضل في مقال له في جريدة «المصري اليوم» بتاريخ 30 مارس 2011، أي في عز التدخل الأمريكي الأوروبي في شئون ليبيا والقصف المتواصل لها واقعة ذهابه للتحقيق بتهمة إهانة رئيس دولة شقيقة أمام النائب العام في مطلع عام 2007 بعد البلاغ الذي قدمه العقيد القذافي وضد الأستاذ إبراهيم عيسي رئيس تحرير جريدة الدستور وقتها بسبب مقال سخر فيه منه نشره بها، وقد أفرج عنه بعد عدة ساعات من التحقيق بضمان محل إقامته. أعاد بلال نشر المقال القديم في اليوم التالي 31 مارس بجريدة «المصري اليوم» تضامناً مع ثوار ليبيا سائلا الله ان يقر أعينهم برؤية ليبيا وقد تخلصت من كابوس حكم هذا الطاغية هو وأولاده وأسرته وأعوانه، ويجد نفسه اليوم فخوراً بهذا المقال وهو يتابع المجازر التي يقوم بها القذافي بحق شعب، وكأن لا ترتكب مجازر أكبر يقوم بها قوات التحالف ضد ليبيا كان يجب ان يتذكرها كأنه لا يحدث شيئ علي الإطلاق من تدخلات غربية لم تحدث في أي بلد عربي أو غير عربي آخر قامت فيه انتفاضة ضد نظام حكمه، كأن لا مشكلة في العالم سوي القذافي المجرم الذي يستدعي كل هذا التدخل يذكرنا بالمجرم القديم في العراق الذي استدعي تدخل أمريكا واحتلاله لها كأن لا أحداث عنف وقتل ضد المعارضة السلمية لا المسلحة في البحرين والأردن واليمن. ملاسنة القذافي وهويدي بالعكس من بلال فضل لم يذكر كاتب آخر كبير الأستاذ فهمي هويدي عندما كتب مقاله بجريدة «الشروق» في تاريخ 21 مارس عن التدخل العسكري الغربي في ليبيا واقعة الملاسنة بينه وبين العقيد القذافي في لقاء معه بقناة الجزيرة منذ عدة سنوات حول مدي علم أو جهل الكاتب فهمي هويدي بحقيقة الأوضاع في ليبيا التي اعتبرها في غاية السوء، واعتبرها القذافي انها جيدة لأنها من اختيار الشعب بمجالسه الشعبية وان الكاتب جال بأوضاع شعبه فاعتبرها الأستاذ فهمي هويدي سبة له وعليه ان يحترم علي الأقل من هو أكبر منه سناً، كما انه علي عكس بلال لم ينس التدخل العسكري الغربي في ليبيا عند حديثه عن فظاعة النظام الليبي باعتباره واقعاً ما بين شرين، وإذا كان عليه ان يختار بينهما فعليه ان يختار الشر الأصغر هو التدخل الغربي، هذا ما جاء بنص كلماته: إننا نكره التدخل العسكري الغربي في أي بلد عربي أو غير عربي، ونعتبره جريمة في حق الإنسانية لكن المشكلة ان العقيد القذافي غير من موقفنا لأنه أعلنها حرب إبادة ضد الرافضين لنظامه والمطالبين برحيله، وهو بذلك وضعنا بإزاء جرم أفدح ذلك ان التدخل العسكري الغربي يمثل عدواناً علي السيادة وعلي الحق في الكرامة لكن ممارسات العقيد صارت عدواناً علي الحق في الحياة ذاتها ومن ثم عند المقاونة نصبح بإزاء شرين، شر أدني وآخر أكبر وأفدح فإذا فرض علينا ان نختار فأننا قبلنا بالشر الأدني وتجرعنا مرارته لكي نتجنب الشر الأكبر. ان قرار القذف الدولي لا يتخذ لوجه الله، انما هو خطوة لها مردودها السياسي والاقتصادي، ذلك كله نفهمه وربما مررناه مؤقتاً انطلاقاً من مبدأ القبول بالضرر الأدني لتجنب الضرر الأكبر دعماً لفكرة التعامل مع الشيطان بصورة استثنائية لتحقيق هدف مرحلي مع التأكيد علي الافتراق عنه في الهدف النهائي. هكذا أصبح القذافي في مفهوم هويدي أخطر من ساركوزي الذي قتلت بلاده فرنسا ما يقرب من مليون شهيد في الجزائر للبقاء بها وأوباما الذي تسببت بلده في مقتل ما يزيد علي مليون مواطن عراقي بسبب القتل المباشر والحصار والفوضي الداخلية، وبيرلسكوني الذي قتلت بلاده إيطاليا الآلاف في ليبيا، هل يمكن بعد ان تتخلص القوي الاستعمارية من شر القذافي الأكبر يمكننا الافتراق عنها بسهولة، هل افترقنا عنها في العراق حتي الآن بعد مضي ثماني سنوات علي احتلالها العراق؟ هل قوات الغرب لم تعتد علي حق الحياة في ليبيا الآن من خلال قصفها المتوالي لمنشآت بعيدة كل البعد عن العسكرية. وقفة مع الثوار خطر ببالي لو ان قيل للرئيس عبدالناصر ان دولة ما من خارج المنطقة ستخلصنا من الملك فيصل عدوه الذي يجسد الرجعية في المنطقة العربية، هل كان بالرغم علي ما بينهما من خلاف سيقبل به باعتبار ان فيصل يمثل الشر الأكبر، أم سيصطف معه في صف واحد دفاعاً عن بلده باعتباره مهما كان سيمثل الشر الأصغر والاحتلال أو التدخل الأجنبي سيمثلان الشيطان الأكبر لأن هذا يمثل الترتيب المنطقي والعادل، يبدو ان معايير النقاء تلك كانت لزمن ولي وأننا نحن ما زلنا نعيش معايير زمن التبعية للغرب برغم ما تمر به المنطقة من ثورات. هذا لا يعني أننا نقف مع النظام الليبي ضد الثائرين عليه، لكننا نقف مع الثوار الذين ينمون ثورتهم باعتمادهم علي أنفسهم دون تدخل خارجي كما نجحت ثورتي مصر وتونس ويعلنونها سلمية كما أعلنها ثوار الدولتين، لأن السلاح يستدعي السلاح، والانتفاضة السلمية تفتت النظام مهما كان العنف الذي يلجأ إليه، خاصة ان عيون الغرب منفتحة تماماً ضد النظام الليبي.