يجتهد " الإخوان" في تقديم أنفسهم في صورة مختلفة بعد نجاح ثورة 25يناير.ولمزيد من طمأنتنا ،يعلنون أنّهم لن يعملوا علي الحصول علي الأغلبية في المجالس النيابية ، ولن يرشّحوا أحد أقطابهم لمنصب رئيس الجمهورية . مع أنّ الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح أعلن بعد ذلك ومن علي قناة الجزيرة التفكير في الترشيح لمنصب الرئيس، ومررّ التناقض في الأقوال والتصريحات بضرورة استقالته من الجماعة !ومصر لها ذاكرتها المضيئة وخبرتها التاريخية بمثل هذه المراواغات . ويبدوأنّ هناك محاولة لإعادة تجريبهم،وهذا دليل علي حسن نىّة هذا الشعب . وعلي الأقلّ فواقع السعي نحو مجتمع ديمقراطي، مدني، ليبرالي يتطلّب أن يكون الحوار مربط الفرس. يفصح الكيان الغامض المبهم المسمّي " الرأي العام " عن دهاء فطري أو إن أردنا الدقّة عن حساسية أخلاقىّة ، أسمي من حساسية إعلام، لانبالغ إذا قلنا أنّه يعجز عن أن يكون فيصلا للذوق وغير مقبول كفيصل للحقيقة . الشعب يريد إسقاط إعلام يخلط دموع وائل غنيم،وهو يعتذرعلي شاشة العاشرة مساء لأهالي شهداء يناير" والله ماكان قصدنا ، ولاكنّا نتمنّي أن يموت أحد" يخلط هذه النبالة التي قرأنا عنها في كوميونة باريس، يشوّه سموّ هذه التقاليد الجديدة باللهث إلي استضافة عبّود الزمر بلحيته المثيرة ليدافع علي نفس الشاشة ويبرّر اغتيال الرئيس السادات! ومن حقّنا أن نخاف علي الرأي العام من أن يتأثر بهذه الملاعيب من أجل سواد عيون ومكاسب ونشاط الإعلام ، نحاول ألاّ يكون نتيجة لها أو واقعا تحت سيطرتها. انعطاف إعلامي زدت يقينا من خطورة هذا الانعطاف الإعلامي شديد اللهفة نحو رموز ودعاة الإسلام السياسي، حين فوجئت بالسىّدة التي تنظّف لي البيت تسألني " هل صحيح أن الشيوخ حيمسكو البلد؟ " توقّفت عند سؤال السىّدة الأمّية التي لاتعرف القراءة والكتابة ،لأتفحّص الوهم من الحقيقة. عادت بي ذاكرتي إلي يوم الشيخ القرضاوي في ميدان التحرير، استغرقت في الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء وقد جاء يستمدّ تكليفه برئاسة الوزارة من جماهير الميدان لينطلق صوت إخواني يصيح : في ميدان التحرير مهندسان ، عصام شرف ، وخيرت الشاطر وهو نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المفرج عنه مؤخّرا ! أجاهد وساوسي ،وما ألبث أن تزاحمني ذاكرتي بشريط من علي الشاشة يزدحم بالأقطاب الإخوانية وأقطاب الجهاد والسلفيين. استغرق في منظر عصام العريان وهو جذل يداعب مسبحته أتأمّل الدكتور ناجح إبراهيم ، أتفرّس في المقدّم بالمخابرات سابقا عبّود الزمر والذي يلقّب الآن بالشيخ عبّود ، استنجد فورا بالدهاء الفطري للرأي العام ليتّخذ دور الفيصل المستنير للعدل مابين حقّ عبّود الزمر في الإفراج عنه فور انتهاء مدّة عقوبته،أو مابين أعمال العنف والإرهاب التي قامت بها الجماعات ،ومابين نقدها وإعلان نبذها، وأيضا مابين شكاوي عصام العريان ،والكتاتني والإخوان عموما من أن يكونوا ضحايا مواجهات أمنية .. ولتجنّب سوء الفهم فأنا لاأعني حرّية التعاطف مع أي حزب أو دعوة، وإنّما أعني الإعلام الذي يقدّر الحرّية الفردية ويدرك الأخطار الكامنة في كلّ صور القوّة والسلطة، مالم تشذّبها وتهذّبها تقاليد ديمقراطية راسخة . الإخوان لايدّعون أنّهم هم الذين قاموا بالثورة، إنّما يقسمون علي أنّهم قاموا بحمايتها !ينسبون إلي أنفسهم القوّة العضلية والقدرة علي التنظيم،التي حقّقت النصر في موقعة الجمل،وأشياء أخري ممّا يمتلكون ناصية خبرتها كالإغاثة ومستشفي وصيدلىّة الميدان وما إلي ذلك. لولا هذا الجهد - يقول أكثر من واحد من دعاتهم علي شرائط موجودة علي الشبكة - لانهزم الثوار، وفرّقهم الجمل والحصان وقنابل المولوتوف والقنّاصة الذين اعتلوا أسطح العمارات في هجوم الأربعاء . ّ لكنّ هذا لايحتاج إلي إمعان نظر، فلربّما يكون الأوجه والجديد والجدير بالانتباه، أنّهم ساعدوا علي إنجاح الثورة بأن أصاخوا السمع للشباب مفجّرها، ويمكن أن يكون من حسن حظّ الثورة أنّ الإخوان تغلّبوا علي شهوتهم في الإعلان عن وجودهم كهمّ شغلهم منذ ظهروا في حياتنا. هل كانت مسكنة أم تكتيكا أم تنبّها إلي داء وأخطاء ؟ أنّهم لم يرفعوا المصحف أو يردّدوا شعاراتهم المميزة والمألوفة في ميدان التحرير، ولم يشغلوا الثورة بحجاب السيدات أو بالجيبات القصيرة أو الأغاني أو تدخين السجائر.. وهم كذلك لم يحرموا أو يحرم كلّ متعبّد من أن يؤدّي الصلوات في مواقيتها وجماعة في قلب الميدان. معسكرات التدريب كما عرفناهم - وأرجو أن يغفروا لنا حماقة نقدهم - هم لايفتتحون معسكرات التدريب لتجهيز الفدائيين لتحرير فلسطين ،هم لايسعون إلي المظاهرات أو يدبّرونها ،هم لايوجدون في المؤتمرات أو يقيمونها،هم لايشتركون في النقابات واتّحادات الطلاب أو يستأثرون بها، هم لايسعون إلي البرلمان والمجالس المحلّية ليفوزوا بمقاعدها..كلّ هذا لأنّ هناك معضلات،يقودون الناس لمواجهتها بإبرازها أو الاحتجاج عليها أو طرح الحلول،وتحديد معالم الطريق الذي يجدر بالأغلبية أن تسلكه. في الغالب الأعمّ " نحن هنا " همّ رئيسي ، يطغي الهدف الدعائي، والرغبة المصمّمة علي التمايز علي أسباب التواجد في أي قضية. والتي تظلّ طي ّكتمان الشعارات الغامضة : " الإسلام هوالحلّ " و خيبر ..خيبر يايهود ، جيش محمّد سوف يعود " وبوش ..بوش الإخوان أهم " قادرة علي لفت النظر والحشد والتشويش علي الخصوم . وللأسف فلم يكن هذا هوالداء الوحيد الذي ضيعنا عشرات السنين في ترويضه نتحاشي الآن إلحاح ملفّ العنف والإرهاب علي الذاكرة . والكلّ يطالب بفتح صفحة جديدة. من الأرجح أن يحاول الإخوان الهيمنة كعادتهم، إنّهم لم يفعلوا إلاّ ذلك لأكثر من ثلاثة أرباع القرن، فما جنوا ولاجنينا إلاّ تأجيل أملنا في الديمقراطية الليبرالية وقدرتها علي حلّ مشاكلنا القديمة والجديدة ،وتقديم مصير أفضل للجميع بمن فيهم الإخوان أنفسهم . وهناك خوف مروّع من مجهول يخطّط لتفريغ جوف الدولة في حالتها الراهنة، ليسكنها هو بمرجعيته، ورجاله وأهدافه . والسؤال الحيوي الذي يخيف أغلبية الناس من" أمّات الدقون، كما يسمّيهم عامّة الشعب المصري" هو: هل سيقطع الإخوان ومن يلتف ّ بعباءتهم ،الصلة " بالإسلام هو الحلّ " ؟ فبدون ذلك سيظلّ من الصعب علينا أن نتعامل معهم كاتّجاه سياسي يمكنه تشخيص مشاكل مجتمعنا بما يجعله فعلا وحقّا علي علاقة بمشاكلنا وبالمشاكل الدولىّة والفكرىّة لعصرنا. ومالم تفهمه أمريكا أنّ الإخوان ليسوا حزب العدالة والتنمىّة في تركيا ،وليتهم يستطيعون ! وحتّي الأمس يغالطنا خيرت الشاطر، يخلط بين " الإسلام هوالحلّ" وبين حرّيته في أن تكون مرجعيته إسلامية. إنّ قطع الصلة بتراث الدولة الدينية والحاكمية لله، لايتطلّب بالضرورة التخلّي عن الإسلام، ولكن يتطلّب تحوّل الإسلام السياسي عن دولة الخلافة إلي نظام الدولة الديمقراطية المدنية يكون فيهاحقّ المصريين المسيحيين كحق المصريين المسلمين .