كثيرة هي الثوابت التي أطاحت بها ثورة 25 يناير المصرية.. ومن هذه الثوابت موعد معرض القاهرة الدولي للكتاب.. والذي يقام سنويا في الأسبوع الأخير من شهر يناير.. ليتوافق مع عطلة نصف العام الدراسي ..بما يتيح الفرصة لملايين الطلاب من ارتياده .. وكان التوقيت المقرر له هذا العام السادس والعشرين من يناير .. لكن اشتعال ثورة شباب مصر أثار الفوضي في العديد من أجنداتنا.. حتي الشخصي منها.. فإن كان ملايين المصريين قد أمضوا الأسابيع الماضية ومازالوا يتجادلون في الميادين والشوارع وحتي جلساتهم الخاصة حول الخطوط العريضة لخريطة الغد السياسية والاقتصادية للوطن .. فالدكتور محمد صابر عرب رئيس دار الكتب والوثائق كان لديه هم اضافي يتعلق بمعرض الكتاب حين كان مشرفا علي الهيئة العامة للكتاب قبل تسكين الدكتور أحمد مجاهد رئيسا لها .. وأظنه - دكتور عرب- قد أمضي الأسابيع الماضية مؤرقا بالبحث عن اجابة لهذا السؤال : هل من المجدي تنظيم الدورة الثالثة والأربعين لمعرض الكتاب هذا العام ..أم من الأفضل الغاؤها ..؟ وهو السؤال الذي يفترض أن يكون أيضا أحد مؤرقات الدكتور مجاهد - وما أكثرها - بعد توليه مسئولية الهيئة. توقيت مايو غير مقبول ورغم ما يبدو علي السطح من أن مسألة تنظيم المعرض قد تم حسمها من خلال القرار الذي اتخذ باقامته في شهر مايو المقبل .. بناء علي توجيهات الدكتور زاهي حواس وزير الدولة لشئون الآثار حين كان مشرفا علي وزارة الثقافة قبل التغيير الوزاري.. حيث قال حينها إن وزارة الثقافة ظلت حريصة علي عدم إلغاء المعرض رغم الظروف التي شهدتها مصر في الفترة الماضية، وظلت فكرة الإلغاء مستبعدة تماماً، لكونه حدثاً ثقافياً دولياً مهمًا ينبغي علي مصر إقامته كل عام. ورغم ترحيب الناشرين المصريين حينها بتصريحات حواس ..وتأكيدهم علي ضرورة تنظيم المعرض باعتباره واجبا قوميا ..الا أن الكثيرين منهم أبدوا تحفظا علي التوقيت ..ففي شهر مايو لا صوت يعلو في أي بيت مصري أو عربي عن صوت الامتحانات.. ولن يكون منطقيا أن يقتطع طلاب المدارس والجامعات جزءا من وقتهم الثمين والمستنزف بالكامل في استذكار دروسهم ليزوروا المعرض.. فإن فعلها بعضهم مرة ولمدة ساعة أوساعتين.. فلن يكرروا الزيارة .. علي النقيض حين يقام المعرض خلال العطلة الدراسية.. ففي العادة يصطحب الأب عائلته لزيارته أكثر من مرة.. وفي كل مرة يمضي يومه متجولا بين أجنحة الكتب وقاعات الندوات.. لذا لاتفاجئنا التقارير التي أعدت عن المعرض خلال السنوات الأخيرة بأن رواده يتجاوزون المليونين في كل دورة ..وهو بذلك يتفوق علي العديد من المعارض العالمية.. فمعرض باريس لا يزيد عدد زائريه علي 200 ألف وكذلك المعارض التي تقام في الصين والهند والتي لا يتجاوز عدد زوارها المليون ..! إلا أن الاصرار علي توقيت مايو قد يطيح بنقطة التفوق تلك.. فإن كان أصحاب اقتراح اقامته في النصف الثاني من هذا الشهر قد راعوا توقيتات المعارض العربية التي تنتهي هذا العام في النصف الأول من مايو.. فماذا عن المعارض الدولية .. مثل معرض جينيف وطهران وسيؤول والتي قد تقام في نصفه الثاني..أي في نفس توقيت معرض القاهرة ....! لقد كان من المتوقع مشاركة ما يقرب من 800 دار نشر في المعرض لو أقيم في موعده أواخر يناير الماضي ..الا أن نصف هذا العدد لا تبدو مشاركته مؤكدة ان أقيم في مايو. المعرض في ميدان التحرير ولقد ظهر اتجاه مثير للخيال من قبل بعض الناشرين العرب ..السوريين تحديدا .. تثوير توقيت المعرض ومكانه ..حين طالبوا باقامته في ميدان التحرير ..ومتزامنا مع تظاهرات الشباب خلال شهر فبراير الماضي ..مما يمنح المعرض زخما وحيوية غير مسبوقين..وربما اقبالا لم يحظ به أي معرض سابق جماهيريا وإعلاميا.. وبالطبع سيسجل ذلك تاريخيا لمعرض القاهرة أنه معرض الكتاب الأول الذي يقام علي موقد ثورة شعبية !.. ورغم وجاهة الاقتراح الا أنه استبعد ..ربما ..وهذا تفسير شخصي .. لأسباب تتعلق بسلامة الناشرين والزوار معا ..حيث رأي المسئولون في القاهرة علي ما يبدو في الاقتراح أبعادا محفوفة بالمخاطر ..! وليس التوقيت وحده هو مشكلة الدورة 43 لمعرض القاهرة ..فرغم إبداء الناشرين المصريين موافقتهم علي المشاركة الا أنهم رهنوا ذلك بدفع الدولة تعويضات لهم علي ما تكبدوه من خسائر بسبب تأجيل الموعد .. هذا ما أكده الناشرعادل المصري رئيس لجنة المعارض باتحاد الناشرين المصريين.. حين قال في تصريحات صحفية إن الاتحاد تلقي طلبات من أعضائه طالبوا فيها بأن تقوم الدولة بتعويضهم أولا عن الأضرار المادية التي نالتهم نظير عدم إقامة معرض القاهرة الدولي في موعد. ويضاف ذلك الي انتقادات سابقة وجهها الناشرون العرب تتعلق بأسعار حجز المساحات التي يرونها مبالغا فيها ..وتعرضهم للخسائر.. مما يجعل المشاركة في المعرض غير مجدية اقتصاديا.. وكما نري.. تبدو كل الطرق متمترسة بالعوائق أمام تنظيم معرض القاهرة للكتاب هذا العام. المعرض في سبتمبر الا أنه علي ما يبدو ثمة اتجاه لاقامة المعرض في شهر سبتمبر المقبل .. خلال الأسبوع الأخير من العطلة الصيفية ..وفي مكانه السابق بأرض المعارض علي ان يتخذ شكل سوق للكتب .. وهو توقيت يبدو ملائما جدا من حيث الظروف المحلية ..فالمناخ في ذلك الوقت يتسم بقدر من الاعتدال ..حيث نكون علي عتبات فصل الخريف.. المهم أولا حل قضية التعويضات التي يطالب بها الناشرون .. وثمة اتصالات يجريها الناشرون بوزير المالية في هذا الشأن ..وأيضا يتلاءم توقيت سبتمبر مع أجندة المعارض العربية والدولية مما يشجع الناشرين العرب والأجانب علي المشاركة ..الا أنني أري أن تتاح الفرصة خلال المعرض ولو بشكل ضيق للنشاط الثقافي ..حيث تشهد الفترة الحالية حالة من الوهج الابداعي مع اشتعال الثورة وأيضا التنظيري ..وسوف تشهد الشهور المقبلة صدور العشرات من الأعمال الشعرية وربما السردية .. بالاضافة إلي مؤلفات فكرية ينبغي ان تناقش خلال المعرض ..! لكن هل يمكن العودة الي اقتراح الأشقاء العرب بتنظيم المعرض في ميدان التحرير .. خاصة أن الأمور ستنزع خلال الفترة المقبلة الي الهدوء.. ولن تكون ثمة عوائق أمنية تحول دون استضافة الميدان لهذا الحدث الثقافي المهم في أحد صباحات الأسبوع الماضي وجدت أحدهم يسأل علي الفيس بوك : ما رأيكم في الدكتور عماد أبو غازي وزيرا للثقافة ..؟ وكانت تلك إجابتي: شخصية جميلة وهادئة ..وعميقة .. .كما انه يتميز بتشجيع وتحفيز روح المبادرة فيمن حوله.. وأظنه جديرا بأن يكون وزيرا للثقافة أيضا في أي حكومة تلي حكومة تسيير الأعمال .. وكنت أري ومن واقع معرفتي بالصديق الدكتور محمد صابر عرب ..وهي معرفة تمتد الي أكثر من ربع قرن .. أري أنه أيضا يتمتع بذات الصفات ..لذا كنت أتوقع أن يشكلا ثنائيا فريدا سينعكس ايجابا علي مستقبل معرض القاهرة الدولي للكتاب ..ليكون بإذن الله في صدارة التظاهرات الثقافية الدولية خلال السنوات القليلة المقبلة .. ولا أظن أن ثمة تغييرا في توقعاتي مع تسكين دكتور مجاهد رئيسا للهيئة ..فهو أيضا يتمتع بنفس الروح ..ويوظف كل وسيلة للتواصل مع جمهور المثقفين - بما في ذلك الفيس بوك ..منصتا جيدا لآرائهم ومبادراتهم .. وليس من الانصاف اغلاق أبواب الهيئة العامة للكتاب في وجهه قبل منحه فرصة عادلة لاطلاق طاقاته الإدارية والتنظيمية للنهوض بالهيئة .. فإن لم يوفق فلقد دشن المصريون بثورتهم زمن المحاسبة الذي لن يستثني أحدًا منه.. كبيرا أو صغيرا ..ان أحسن كوفئ وان أفسد عوقب !