تري ويكهام أن هذا التصور الذي يضخم من حجم الجماعة السياسي يجد مبرراته من الخوف من الانتقال إلي نظام إسلامي غير ديمقراطي ومن تاريخ الجماعة نفسها التي انخرطت في أعمال عنف في ظل الاحتلال البريطاني، هذا بالإضافة إلي الخطاب السياسي للجماعة الذي يعتمد علي معاداة الغرب وإسرائيل. خلفية تاريخية البحث الذي نشرته المجلة في عددها الذي صدر في الثالث من فبراير الماضي بعنوان "الإخوان المسلمون بعد مبارك: من هم الإخوان وكيف سيشكلون المستقبل؟" لم ينف عن الجماعة سعيها للبحث عن دور في تشكيل مستقبل مصر السياسي وتشكيل الحكومة الجديدة، غير أن الدراسة تؤكد أنه لا يزال من المبكر الحكم علي نتائج انخراط الجماعة في العمل السياسي والذي سيحظي الآن بشرعية بعد أن كان عملاً أجبر علي العمل من الباطن. وبالنظر إلي تاريخ جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها علي يد حسن البنا عام 1928، تشير كاري ويكهام إلي أنها أكثر حركة إسلامية مصرية معاصرة حظي تواجدها باستمرارية لم تنقطع منذ نشأتها. وبينما كان الهدف المعلن للجماعة عند تأسيسها أنها جماعة دعوية تسعي إلي نشر الدعوة الإسلامية والتقوي وتقديم الخدمات الاجتماعية، قدمت الجماعة نفسها علي أنها تتمتع بالفهم الصحيح للدين الإسلامي وأدانت الانقسامات السياسية الداخلية في مصر كمصدر أساسي لضعف الوطن، وطالبت المصريين بالاتحاد من أجل مجابهة الاستعمار والصهيونية والعمل علي تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية. وعلي الرغم من أن نظام الضباط الأحرار الذي جاء إلي السلطة عام 1952 كان يتبني الكثير من أفكار الإخوان المسلمين، إلا أن جمال عبدالناصر نظر إليهم علي أنهم منافسون سياسيون أقوياء واختلف معهم حول تطبيق الشريعة الإسلامية. وسرعان ما تحولت هذه المنافسة إلي عداء سافر بعد محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في ميدان المنشية علي يد أحد أعضاء الجماعة عام 1954 فما كان منه إلا أن أعلن الحرب عليهم وألقي القبض علي الآلاف منهم بينما أجبر آخرين علي الفرار من مصر والعيش في المنفي أواللجوء إلي العمل السري. هذا العداء قوبل من ناحية الإخوان المسلمين بالتحول إلي مستوي أكبر من الراديكالية والتشدد ومن خلالها ظهرت أفكار سيد قطب التي دعت إلي أن الطريق الوحيد للقضاء علي الأنظمة المستبدة هواعلان الجهاد. وكانت هذه أفكار الجماعة المعلنة في المرحلة التي شهد أفرادها عمليات ترويع واضطهاد واستبعاد قسري، غير أنها سرعان ما خفتت علي يد المرشدين التاليين حسن الهضيبي، الذي دعا إلي الحرص والاعتدال، وعمر التلمساني الذي دعا إلي نبذ العنف الداخلي وتوصل إلي صفقة سياسية مع الرئيس السادات سمحت للإخوان بالنخراط في العمل السياسي. تغيير في توجهات الجماعة وفي عام 1984، بدأ عدد كبير من أعضاء الجماعة في خوض الانتخابات النقابية والبرلمانية بينما رفض آخرون المشاركة السياسية علي أساس أنها فاتحة لتقديم تنازلات ربما تجعل الجماعة تنحرف عن أفكارها الأساسية. وفي المقابل، استمر عمر التلمساني في حث أفراد الجماعة علي المشاركة السياسية كامتداد للمهمة التاريخية للإخوان المسلمين وعارض نقاده الداعين إلي عدم الاشتراك في الانتخابات مؤكداً أن الجماعة لن تتخلي عن دورها الدعوي الذي هوقوامها ولا عن استمرارها في العمل الاجتماعي. وهنا تؤكد كاري ويكهام أن الجماعة التي دخلت النظام السياسي من أجل تغييره انتهي بها الحال بأن طالها التغيير بسبب عملها السياسي. فكوادر الإخوان من المهنيين الذين خاضوا الانتخابات النقابية مثلاً دخلوا بحكم مواقعهم الجديدة في حوار مفتوح مع جميع شرائح المجتمع وجميع التيارات السياسية وعلي رأسها القوميين العرب الذين نموا علاقاتهم مع الإخوان ووجدوا سوياً أرضية مشتركة مبنية علي الدعوة إلي مزيد من الحريات والديمقراطية والإصلاح واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون. وفي بداية التسعينات، طالب العديد داخل الجماعة بالاصلاح الداخلي للحركة ومراجعة ايديولوجيتها ومواقفها تجاه التعددية وحقوق المرأة. وانتقد آخرون سيطرة الكوادر القديمة علي مكتب إرشاد الجماعة مطالبين بقدر أكبر من الشفافية، والمصداقية، والالتزام بالقوانين التأسيسية المنظمة لاختيار الكوادر وإصدار اللوائح. وفي عام 1996، انشق بعض الاصلاحيين داخل الحركة وطالبوا بالحصول علي ترخيص لإنشاء حزب الوسط الذي عمل أعضاؤه المنتمون سابقاً للإخوان بالإضافة إلي أعضاء إصلاحيين جدد علي تأسيس الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) بين عامي 2004 و2005. وعمل هؤلاء إلي جانب ناشطين منتمين للتيار العلماني الديمقراطي للمطالبة بدستور مدني جديد. وفي الوقت الذي انشق فيه الإصلاحيون، تعرضت جماعة الإخوان المسلمين للكثير من التغيير في توجهها فبدأت العمل علي الانفتاح علي الاصلاح الداخلي وغيرت من توجهها المعادي للنظام إلي السعي للمشاركة في العملية السياسية وهي التي حصلت من خلالها علي التأهيل الانتخابي وإدارة العمليات الانتخابية ووطدت علاقاتها مع العديد من التيارات السياسية وأصبحت أكثر انفتاحاً عليها. وعلي الرغم من هذه الجهود، استمرت الجماعة في كونها حركة متعددة داخلياً، وتشير كاري ويكهام إلي أنه من الممكن التمييز بين ثلاثة قطاعات عامة داخلها. تعددية داخل الجماعة المجموعة الأولي هي مجموعة الدعوة التي تعد القطاع الأكثر محافظة من الناحية الايديولوجية وتتمثل في مكتب الارشاد وفروعه المحلية، وتستمد هذه المجموعة قوتها من السيطرة علي التنظيم الاداري للجماعة وتنظيم الموارد. ونظراً لانخراطها في تعبئة أعضاء جدد، تحظي هذه المجموعة بولاء الأعضاء الشباب لا سيما في المناطق الريفية. أما المجموعة الثانية، فتطلق عليها كاري ويكهام مجموعة المحافظين البراجماتيين وتعد المجموعة الأكبر. ومن الناحية الفكرية، تجمع هذه المجموعة بين التحفظ الديني والإيمان بضرورة المشاركة السياسية والاجتماعية. وينتمي الأعضاء من ذوي الخبرة التشريعية مثل سعد الكتاتني ومحمد مرسي لهذه المجموعة. وأخيراً، تتكون المجموعة الثالثة من الإصلاحيين الذين لم ينشقوا عن الجماعة ويطالبون بتأوييل تقدمي للإسلام ويمثلهم أفراد مثل عبد المنعم أبوالفتوح الذي ألهم الكثيرين من الجيل الجديد من الناشطين الإسلاميين الديمقراطيين داخل وخارج الإخوان المسلمين. ويعد أبوالفتوح هومهندس فكرة أن تلقي الجماعة بثقلها السياسي علي شخص ينتمي لتيار الإصلاح العلماني مثل الدكتور محمد البرادعي. وتظل المجموعة الثالثة هي أضعف المجموعات الثلاث من حيث التأثير الداخلي علي الجماعة وعلي توجهها العام. ويظل التساؤل حول الدور الفعلي للإخوان الإصلاحيين سواء داخل أوخارج الجماعة، غير أنه من المؤكد أن هؤلاء كان لهم دور واضح في الثورة المصرية علي الرغم من أن الإخوان لم ينضموا لها رسمياً حتي يوم جمعة الغضب في الثامن والعشرين من يناير. وتجد كاري ويكهام مغزي كبير لأن يكون المدون الإخواني الإصلاحي مصطفي النجار أحد المتحدثين للائتلاف الوطني للتغيير الذي يتزعمه البرادعي. ذلك يظهر أن جماعة الإخوان المسلمين فضلت تقديم نفسها كداعم للانتفاضة قبل تقديم نفسها كحركة سياسية وهوما رأته ويكهام أنه حرص استراتيجي ونوع من البراجماتية التي تحاول من خلالها الجماعة تفقد الوضع السياسي بحرص وهدوء بدلاً من أن تقدم علي مخاطرات قد تكلفها مصداقيتها السياسية. وتخلص كاري ويكهام إلي أنه لا يزال من المبكر الحكم علي الكيفية التي سيتطور بها عمل جماعة الإخوان المسلمين السياسي، والإجابة عما إذا كانت ستتجاوب مع متطلبات الإصلاح والقبول بدستور جديد ربما لا يحوي المادة الثانية التي تنص علي أن الشريعة الإسلامية هي مصدر القوانين. هذا بالإضافة إلي أنه من المبكر الحكم علي مستقبل التيار الإصلاحي داخل الجماعة المتوقع له أن يلعب دوراً أكبر. غير أن ويكهان تؤكد أنه بالرجوع إلي المسار التاريخي للجماعة يمكن ملاحظة قدرتها علي التطور والتجاوب مع المعطيات السياسية لذلك لابد من تضمينها في العملية السياسية بعد مبارك كضمان أساسي لتقوية التزامها بالتحول الديمقرطي. غير أنه ينبغي علي القوي السياسية الأخري أن تدرك أن التحول الديمقراطي في حقبة ما بعد مبارك لن يكون ناجحاً بدون جماعة الإخوان المسلمين نظراً للمكانة التي احتلتها علي مدار الثلاثين عاماً الماضية والتي أظهرت من خلالها مسئوليتها السياسية ونظراً لقاعدة التأييد الشعبي التي تحظي بها.