في ظل هذا التيه نجد البعض ينظر بإعجاب شديد وبدرجة ما من الحسد لما قام به الشعب التونسي الذي أراد الحياة فاستجاب القدر مرغمًا. نعم أنا سلبي ولكن إذا كنت لا أؤمن بالثورة بشكلها التونسي أو الأوكراني ولكني أنادي بالإصلاح السياسي والاحتجاج المستمر في وجه كل من لا يساعد هذه البلد علي أن تكون أقوي وأكثر تقدمًا . قامت ثورة تونس، ومثلها قامت ثورة شعبية زمان بالسودان، وتدخل الجيش السوداني حفاظًا علي أرواح الناس وممتلكاتهم، ووعد الجنرال سوار الذهب بعمل انتخابات نزيهة بعد عام من رئاسته للسودان، وأوفي بوعده خروجًا علي التقاليد السائدة في مثل هذه الأحوال، وخرج الصادق المهدي زعيم حزب الأمة من صندوق الانتخابات ذي السر الباتع، وأصبح رئيسًا للسودان الديمقراطي، ورغم هذه النجاحات المذهلة انتهي الأمر بالسودان إلي ما هو عليه الآن . قامت الثورة البرتقالية في أوكرانيا تحت سمعنا وبصرنا وتمخضت عن حكم ديمقراطي نراه أمام أعيننا الآن حي يرزق ويواصل النمو ولم يحدث ذلك في أوكرانيا فقط بل حدث في رومانيا وغيرها من بلدان شرق أوروبا، والكل تخطي مشاكل الحكم وتفرغ للتنمية واللحاق بقطار المعاصرة . ينجحون هم بينما نري بلد ديمقراطي كلبنان يتحول إلي ما يشبه سيارة بموتورين أحدهما في الأمام والآخر في الخلف ويقودهما سائقان أحدهما في الأمام والآخر في الخلف والمتوران لهما نفس القوة، والسائقان علي نفس الكفاءة والنتيجة المواتير شغالة والسائقان يدوسان علي الإكسلتير والسيارة واقفة، بينما جسمها يتمزق ونفس الشيء يحدث في فلسطين بين فتح وحماس والسؤال لماذا نفشل نحن وينجحون هم؟ لن أجيب عن هذا السؤال لأنه أحيانا يكون طرح السؤال أهم من الإجابة عليه، أو يكون طرح السؤال في حد ذاته يوفي بالغرض . في ظل هذا التيه نجد البعض ينظر بإعجاب شديد وبدرجة ما من الحسد لما قام به الشعب التونسي الذي أراد الحياة فاستجاب القدر مرغمًا، وأنا لم أشذ عن ذلك ولكن للمسألة وجهًا آخر يؤسفني أنه أقل بريقًا وأكثر جهامة، وهو الافتقار إلي البنية الأساسية اللازمة لقيام نظام حكم ديمقراطي مأمون الجانب ووجود فراغ سياسي مرعب، ووجود قوي خارجية لها أجندات مختلفة لن تسمح للربرالية المأمولة أو الحلم أن تقع في يدنا أو تسقط في حجرنا، في جود كثيرين ممن لا يريدون للعرب أن يضعوا أيديهم علي كنوز الديمقراطية فيكفيهم كنوز البترول التي حصلوا عليها بدون مناسبة، كل هذا يجهض أحلامنا ويجعلنا نقول للشابي نحن نريد الحياة ولكن القدر اللعين يريد منّا ما هو أكثر من إرادة الحياة يريد منّا اليقظة، وهذا ما يحولني إلي واحد من عواجيز الفرح يجعل هذه البلد العزيزة علينا جميعًا عرضة لعوامل التعرية، ويعرضها لمخاطر كبيرة، يدفع فاتورتها دائمًا الطبقة الكادحة وبالمناسبة هي التي تدفع دائمًا أما الآخرون فجوازات سفرهم دائمًا تحمل تأشيرة الدخول اللازمة لأي من بلدان العالم المتقدم وحساباتهم في البنوك ممتلئة حتي حافتها . سيناريو غير متشائم لست متشائمًا أو من دعاة التشاؤم ولكني لا أحب الرقص في الزفة ، ولكن في حلبة مخصصة للرقص وفي الوقت المقرر . يقولون إن الشعب المصري لا يفعلها لأنه سلبي ولا يريد الحياة وبالتالي لن يستجيب القدر وللحقيقة وللتاريخ أنا وضعت نفسي مكان الشعب المصري السلبي هذا وقلت ماذا لو قامت ثورة كثورة الشعب التونسي. فلعبت دور السينارست وقلت أكتب سيناريو الوقت نهار علي صوت هتافات مدوية أخرج إلي شرفة منزلي الكائن في ميدان الجيزة خلق لا يحصيهم إلا الله يتقدمهم الإسلاميون من ذوي اللحي والجلاليب القصار معظمهم من شباب الأزهر والجامعات الغضب يستبد بهم هتافاتهم تبلغ عنان السماء حفنة من النخب السياسية المعارضة الذين يظنون كما ظن علي ماهر أن جاءهم الفرج وسقطت الثمرة في حجرهم ويبدأون في إظهار أجنداتهم السياسية الرائعة التي بذلوا فيها ما بذلوا من طاقة بلا غية يظنون أنهم يمكنهم أن ينافسوا غيرهم بها ويفاجأون أنه لا يوجد من عنده استعداد لسماعهم، حشد من المثاليين الذين يريدون أن يروا بلدهم في الصورة التي في خيالهم، خلفهم وحولهم شباب وطني مخلص لبلده ولكن بلا خبرة أو تجربة لم يقرأ بالقدر الكافي ولم يجد معلمًا يشرح له التاريخ شرحًا أمينًا، ثم مالا حصر لهم من العاطلين والمهمشين واللصوص والانتهازيين، بعضهم يقذف الشرف بالحجارة ويحرق السيارات وينهب المتاجر. يري الإسلاميون أن واحدًا من أهم ما يحقق لهم شعبية سريعة هو المناداة الفورية بإلغاء معاهدة كامب ديفيد والهتاف الموت لإسرائيل والحياة لأبناء غزة . في صباح اليوم التالي يحتل الجيش الإسرائيلي سيناء المنزوعة السلاح والمحمية بوثيقة من ورق وقعها ثلاثة أطراف هم إسرائيل مصر أمريكا، في ظهيرة نفس اليوم يذهب الجنود إلي شواطئ شرم الشيخ التي طال شوقهم إليها . الإسلاميون ينادون بتطبيق الشريعة الإسلامية، الأقباط يعترضون، الغرب يتدخل . العجز التام عن تشكيل حكومة وطنية نظرًا لتدفق السلاح من الخارج علي الميلشيات التي بدأت تتكون . البكاء مستمر علي وطن كان مليئا السمع والبصر أفراح وليال ملاح تنتشر في إسرائيل بعد تفكك أكبر بلد علي حدودها . نياشين وأنواط توزع علي رجال مخابراتها الذين نجحوا فيما لم ينجح فيه جيش الدفاع الإسرائيلي وهو كسر هذه البلد . أموال تدفع وأسلحة يدفع بها وصفقات تحت الطاولة تعقد لتحول بين هذه البلد وبين أن تعود دولة مرة أخري. الوقت ليل قطع علي وجه الشعب وهو ينسحب من الشرفة ومعه السيناريو المكتوب لا يفوته أن يغلق الشرفة ليحصل علي الهدوء اللازم للبحث عن بديل يكون أكثر أمنًا . نعم أنا سلبي ولكن إذا كنت لا أؤمن بالثورة بشكلها التونسي أو الأوكراني ولكني أنادي بالإصلاح السياسي والإحتجاج المستمر في وجه كل من لا يساعد هذه البلد علي أن تكون أقوي وأكثر تقدمًا .