«مانتاش أخويا يا شهيد.. انت أنا». هذا بيت من قصيدة للشاعر الموهوب أحمد حداد. ما أروع هذا البيت. كم يلخص هذا البيت كل المعانى فى قلوبنا إزاء شهداء كنيسة القديسين وشهداء تونس وكل شهداء الأوطان. ويستكمل الرباعية بقوله: (انا اللى مُت باصلى فى بداية سنة.. وفى الجراح المؤلمة ماانتاش لوحدك.. دى مظلمة وحزينة حياتنا كلنا). ●●● ورغم ظلام وحزن حياتنا كلنا، فإن الشعب المصرى أبدع كعادته عشرات النكات والتعليقات فى لحظة خروج الديكتاتور الهارب زين العابدين بن على من تونس. فقد بدأت أتلقى رسائل قصيرة على الهاتف المحمول وعبر البريد الالكترونى وعبر الصوت الحى وما زال بن على فى طائرته يبحث عن مأوى. فعبر رحلته الجوية من تونس إلى مالطة ثم إلى فرنسا التى ترددت طويلا حتى أعلنت رفضها استقباله، إلى هبوط فى إيطاليا للتزود بالوقود ومنعه من الخروج من الطائرة، ثم رفض قطر استقباله ثم أخيرا هبوطه فى جدة كنت قد تلقيت عشرات النكات والتعليقات. بعضها شديد التلخيص والعبقرية مثل: بسم الله الرحمن الرحيم: الإجابة تونس. وأيضا: تبقى فى بقك، وتقسم لتونس. وجاءت نكات أخرى تسخر من غباء وسطحية ردود الفعل المصرية الرسمية عن مثل هذه النوعية من الأحداث الدولية الخطيرة مثل: بيان عاجل: نفت الحكومة المصرية حدوث ثورة فى تونس، وأرجعت هروب الرئيس التونسى إلى نشوب ماس كهربائى. أو: أفادت تحريات النيابة المصرية أن غالبية الشعب التونسى من المختلين عقليا. أو: برر الأمن المصرى حالات الوفاة الأخيرة فى مظاهرات تونس بابتلاع العديد من هؤلاء المختلين لفافة بانجو تنفيذا لتوجيهات أجنبية حيث ثبت بالدليل القاطع أن كل المتوفين كانوا يعملون بالتجسس لصالح جهات خارجية. ●●● والطريف أن هذه النكات جاءت قبل ردود الفعل الرسمية الهزيلة والتى جاءت مطابقة لتحليل عبقرية النكتة المصرية. فرغم أن العديد من الحكومات فى العالم قامت بالتعليق رسميا على الثورة التونسية وأعلنت مواقف واضحة إلا أن الحكومات العربية بما فيها الحكومة المصرية المرتعدة لم تعلن حتى الآن مواقف صريحة وقاطعة إزاء الثورة فى دولة شقيقة وهو حدث مفصلى وخطير فى تاريخ أمتنا العربية. كما جاءت نكات تسخر من قدرة المصريين على التغيير ومن ركود الحال فى بلدنا وتحط من شأننا مثل: تونس اختارت التغيير واحنا اخترنا شيبسى بالجمبرى. ومثل: الشعب التونسى أراد الحياة فاستجاب القدر، أما الشعب المصرى فقد أراد «الحياة» لقاها على تردد 11255 أفقى. وأيضا: الفرق بين الشعب المصرى والتونسى أن الشعب التونسى تقول له ثور فيثور والشعب المصرى تقول له ثور يقول احلبوه. وأيضا: وبمناسبة التغيير، احنا اكبر تغيير حصل فى بلدنا الفترة اللى فاتت نزول جدو فى آخر ربع ساعة يجيب جون. وأجملهم كانت: ليه شباب تونس بيتظاهروا فى الشوارع هو مفيش عندهم فيس بوك؟ وهى النكتة التى تلخص بعبقرية مراهقة الأداء السياسى للكثير من التيارات السياسية المصرية الشابة فى تعاملها مع قضايا النضال السياسى والتى عبرت عن نفسها أخيرا بنكتة ثورة 25 يناير على الظلم. ●●● ولكن أغلبية النكات السياسية التى تلت الثورة المجيدة فى تونس سخرت بشكل مباشر من الحكومة المصرية وخوفها من انتقال فتيل الثورة إلى مصر مثل: قرار عاجل: سحب السفير التونسى ومنع دخول أى تونسى للأجواء المصرية لمنع انتشار الوباء. وأيضا: الحكومة المصرية تتفاوض لشراء صفقة ضخمة من لقاح «إنفلونزا الثورة التونسية». ومثل: أصدرت الحكومة المصرية أمرا لشركة مصر للطيران أن يكون أسطولها الجوى على أهبة الاستعداد فى حالة رغبة الشعب المصرى فى الرحيل على وجه السرعة إلى أى وجهة يريدها. وغيرها الكثير مما يتعذر نشره. وبعد أن أعلن العديد من المواطنين عن عدم تحملهم قسوة ما يعانونه من صلف وظلم عن طريق الانتحار بحرق أنفسهم وبعد أن مات شاب فى الإسكندرية وتم الإعلان رسميا كالعادة أنه مريض نفسيا بدأت عجلة النكات فى الدوران: تيسيرا على المواطنين تدرس وزارة البترول إطلاق خدمة «احرقنى شكرا» بحيث توفر جركن بنزين وعود ثقاب بأسعار مدعمة للجمهور وتهدف هذه الخدمة إلى حل مشاكل المواطنين نهائيا. ولكن ظل الشعار الذى رددته الأفئدة بأعلى صوت: «يا توانسة لو فاضيين روحوا وحرروا فلسطين» هو الشعار الذى عبر بأعلى صوت من الحسرة عن افتقار الناس لحالة الفعل السياسى الايجابى والتساؤل متى تتحرك بقية الشعوب العربية.