اكتفت إسرائيل رسميا بالصمت إزاء كشف مصر عن شبكة التجسس الإسرائيلية والقبض علي الجاسوس طارق عبد الرازق، وتم ايفاد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، عوزي أراد، لزيارة القاهرة - الأحد 26 ديسمبر - بدعوي الترتيب لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الي مصر، مطلع الشهر الجديد، بينما يري البعض ان الهدف الأساسي من الزيارة هو احتواء التوتر الذي نشأ بين الجانبين في أعقاب الكشف عن شبكة التجسس الإسرائيلية بمصر. وحرصت وسائل الإعلام الإسرائيلية علي متابعة كل ما ينشر بوسائل الإعلام المصرية عن أخبار التحقيق في قضية الجاسوسية الأخيرة، ونقلت تصريحات عن مسئولين إسرائيليين - دون الكشف عن هويتهم- قولهم إن إسرائيل اعتادت علي كشف مصر مثل هذه القضايا في اوقات التوتر بين الجانبين، وأن ذلك "أمر محزن". في حين ادعي تقرير اسرائيلي ان السبب الحقيقي يكمن في أن ثمة لقاء سريًا عقد بمبادرة من وزير الخارجية الإسرائيلي افيجدور ليبرمان، يوم الخميس 16 ديسمبر الجاري، بين رئيس لجنة الشئون الخارجية في البرلمان الروسي (الدوما)، ميخائيل مارجيلوف، ومسئولين من جنوب السودان لديهم مكتب إدارة مصالح "غير رسمي" في تل ابيب، مما اثار غضب مصر ودفعها الي الاعلان عن ضبط شبكة التجسس الاسرائيلية التي تم القبض علي الجاسوس المصري فيها منذ شهر اغسطس الماضي. ونقل التقرير عن مصادر استخباراتية قولها إن الكشف عن الشبكة يعد الحلقة الأولي من رد مصري انتقامي متصاعد ضد إسرائيل. وورد في التقرير ان ميخائيل مارجيلوف تم تعيينه عام 2008 في منصبه هذا علي يد الرئيس الروسي السابق، ورئيس الوزراء الحالي، فلاديمير بوتين، ليكون المبعوث الروسي الخاص المسئول عن ملف السودان. واضاف التقرير ان القاهرة تري في اللقاء بين المسئول الروسي ومسئولي جنوب السودان نجاحا لإسرائيل، عبر استغلال الثروة النفطية الموجودة في جنوب السودان لإغراء الروس بالتدخل هناك. وترسخت المخاوف المصرية عندما حصلت القاهرة علي تقارير استخباراتية تؤكد ان الروس بدأوا في نقل اسلحة إلي جنوب السودان، بتنسيق اسرائيلي روسي لدعم رئيس جنوب السودان سلفاكير. وذلك علي الرغم من الاعتراض الروسي "الرسمي" علي استقلال جنوب السودان - حتي الآن- لكن يبدو ان الموقف الروسي يتغير مع اقتراب التاسع من يناير، موعد اجراء الاستفتاء العام حول انفصال جنوب السودان. أشار التقرير إلي أن مارجيلوف نفسه سبق أن قال عدة مرات خلال الشهور الأخيرة ان اقامة دولة مستقلة في جنوب السودان قد تشكل تهديدا للسلام العالمي، وقد يمهد لظهور دولة مثل الصومال هناك، "لكن موسكو تعلم انه بات من المستحيل منع انفصال جنوب السودان عن شماله، ولذلك سارع الروس الي تحسين مواقفهم وعلاقاتهم مع عاصمة الجنوب، جوبا، عن طريق وبمساعدة إسرائيل". وذكر التقرير الإسرائيلي انه بعد 4 ايام فقط من عقد اللقاء السري الروسي مع مسئولي جنوب السودان في تل ابيب، وهو اللقاء الذي كشف عنه موقع إسرائيلي باللغة الروسية اسمه "إزروس"، يديره مقربون من وزير الخارجية الاسرائيلية ليبرمان، بادرت مصر في يوم 20 ديسمبر الي الكشف عن القبض علي الجاسوس طارق عبد الرازق، الذي جنده الموساد. وأطال التقرير في الحديث عن مخاوف مصر من تأثير انفصال جنوب السودان علي حصة القاهرة من مياه النيل، بسبب تزايد المخاوف من اندلاع حرب اهلية في السودان، في ظل مطامع امريكية وإسرائيلية وروسية وصينية وفرنسية في جنوب السودان التي يقول البعض انه يحتوي 85% من ابار النفط السودانية! وتوقع التقرير اندلاع حرب بين مصر واثيوبيا بسبب مياه النيل. أكد التقرير ان إسرائيل متداخلة في جنوب السودان بقوة، لان رئيس جنوب السودان سلفاكير يرتبط بعلاقات وطيدة مع تل أبيب، وله مكتب سري لإدارة المصالح هناك، وهناك علاقات سياسية وعسكرية واستخباراتية قوية بين إسرائيل وجنوب السودان. وأشار التقرير إلي تقديرات مصرية وغربية بان اسرائيل تنقل السلاح الي جنوب السودان عبر وسيط ثالث. وربط التقرير بين توتر العلاقات مؤخرا بين مصر واثيوبيا والعلاقات الوطيدة التي تربط إسرائيل برئيس الوزراء الاثيوبي ميليس زيناوي، الذي وصفه التقرير بأنه "صديق لإسرائيل"، فضلا عن العلاقات العسكرية والاستخباراتية القوية بين إسرائيل وإثيوبيا. وجري الحديث عن غضب مصري من الموقف الذي فوجئت به القاهرة حيث يوجد لإسرائيل تأثير قوي في عواصم أفريقية، مما يمثل تهديدا استراتيجيا علي مصر. من جانبها كشفت القناة العاشرة بالتليفزيون الإسرائيلي في تقرير لها بثته علي موقعها الإلكتروني صباح السبت الماضي، النقاب عن أن السفير الإسرائيلي لدي القاهرة غادر مصر علي الفور بعد الكشف عن شبكة التجسس الإسرائيلية لصالح الموساد تحسبا لاستدعائه من جانب السلطات المصرية. وأضافت القناة الإسرائيلية أن يتسحاق ليفانون غادر القاهرة الأسبوع الماضي برفقة عائلته ولم يقدم تفسيرات لرحيله المفاجئ وغير المتوقع، مشيرة إلي أن وزارة الخارجية الإسرائيلية بررت رحيله بأنه طلب إجازة عادية للاستجمام. وذكرت القناة الإسرائيلية أن الأمور في إسرائيل الآن غير واضحة بالنسبة لمصير ليفانون، حيث لم يعرف حتي تلك اللحظة هل سيعود مرة أخري للقاهرة أم أنه سيبقي لفترة طويلة نسبىًا بتل أبيب. وقالت القناة العاشرة خلال التقرير الذي أعده ،جوناثان جونين، المحرر بالقناة، إن إسحاق ليفانون، الذي يبلغ من العمر 65 عامًا غادر مصر مع زوجته وثلاث حقائب كبيرة للغاية، مما أكد الشبهات حول عدم عودته للقاهرة في الوقت القريب. وكان ليفانون، المولود في لبنان قد أثار جدلاً كبيراً عند اختياره سفيرًا لتل أبيب لدي القاهرة، خاصة أن والدته، شولا كوهين كيشيك، التي تبلغ حالياً 93 عاماً والمولودة في الأرجنتين عام 1920، سبق الحكم عليها بالإعدام من قبل السلطات اللبنانية عام 1961 بتهمة التجسس طوال 14 عاماً لمصلحة إسرائيل، قبل أن تستأنف الجاسوسة السابقة الحكم الذي خفف إلي السجن، إلي أن أفرج عنها في صفقة لتبادل الأسري بعد حرب يونيو 1967، وهي تعيش حالياً في القدسالمحتلة وتم تكريمها رسمياً قبل 3 أعوام لمساهمتها في حماية أمن إسرائيل. أما علي مستوي الشارع الاسرائيلي فقد تفاوتت تعليقات الإسرائيليين بين حزن علي تراجع مستوي الموساد الاسرائيلي وفشل عملياته الاخيرة، واندهاش من قدرة مصر علي كشف شبكات التجسس الاسرائيلية. وقال احدهم: من المثير ان ينجح المصريون في القبض علي جواسيس لنا كل مرة، ومن المثير ايضا اننا لا ننجح ابدا في القبض علي جواسيس مصريين لدينا، الا يتجسسون علينا بسبب السلام؟!". وقال إسرائيلي آخر إن علي المصريين ان يبحثوا عن العلاقة بين شبكة التجسس الإسرائيلية واسماك القرش التي قالوا إن الموساد إرسلها الي شرم الشيخ، للقضاء علي السياحة، وأضاف: "علي المصريين ان يمسكوا باسماك القرش ويعذبوها حتي تعترف احداها وترشدهم عن الإسرائيليين الهاربين المتورطين بشبكة التجسس!" واطلق آخر علي نفسه اسم "قرش الموساد" وقال: "كم هو مضحك ان يعيش 80 مليون مصر في فيلم عربي!". وقال آخرون ان مصر نسقت الامر مع لبنان خلال زيارة وزير الخارجية احمد ابو الغيط الاخيرة الي لبنان، متهمين مصر بأنها وراء تأليب بريطانيا علي إسرائيل، وانطلاق دعوات المقاطعة هناك بحق تل أبيب.