ترك كلية الفنون الجميلة لعدم اقتناعه بالدراسة الأكاديمية، وعاش ومات فقيراً إلا أنه لم يتوقف عن ممارسته للإبداع لحظة واحدة، هو الفنان كمال خليفة المصور والنحات، الذي ظهر في فترة الخمسينات، ومات عن عمر يناهز الثانية والأربعين. ولد الفنان كمال خليفة في 29 مارس عام 1926 في طنطا، وكان من أسرة بسيطة، انتقل إلي القاهرة ليدرس في كلية الفنون الجميلة عام 1949، إلا أنه توقف عن الدراسة في السنة الثالثة، حيث قيل عنه إنه ترك الدراسة بسبب عدم اقتناعه بالدراسة الأكاديمية، كا قال البعض إنه تركها لاصابته بمرض صدري جعله يتوقف عن مواصلة الدراسة بالكلية. مر الفنان كمال خليفة في الفترة القصيرة التي عاش فيها بعدة مراحل، سواء في ممارسته لفن النحت أو التصوير، ففي إحدي مراحله اهتم بالمرأة التي ظهرت في عدد من أعماله، أحياناً نراها تعبيرية مجردة ملامحها من أي تفاصيل دقيقة، وأحياناً أخري تكون واقعية في منحوتاته تظهر في شكل بورتريه نصف مهتماً باظهار ملامحها التي تبدو في بعض المنحوتات ملساء ذات ملمس ناعم، وفي منحوتات أخري تحمل بعض الملامس الخشنة، كما تناول جذع المرأة بصياغات متعددة. وفي مرحلة أخري له رسم الطبيعة والورود برؤيته الخاصة في العديد من أعماله، وفي غيرها كانت لوحاته تجريدية، معتمدة علي التكوينات والبقع اللونية التي تتمازج مع بعضها البعض في جو من الألفة، لتكون كتلاً لونية متوافقة ومنسجمة فوق أسطح لوحاته، كما تميزت بعض أعمال تلك المرحلة باستلهامها من الطبيعة، بل وتحويلها إلي مساحات لونية تبدو وكأنها مجسمات تحمل ألواناً واضحة وصريحة وجريئة في ذات الوقت. يخدعك كمال خليفة حينما تري أعماله النحتية الملونة، فتبدو وكأنها بخامات أخري مختلفة، إلا أنها كانت من الجبس لكن خليفة برع في تلوينها كي تعطي الإحساس بأنه نحتها من خامة أخري، وهو يتعامل مع النحت بأسلوب تعبيري حاول فيه إبراز مخاوف الإنسان، كما تناول في أعماله بعض الحيوانات والأسماك والطيور كالحمامة والديك، إلا أنه في عام 1965 توقف عن ممارسة فن النحت بسبب تفاقم حالته المرضية- كان مريضاً بالصدر- واتجه إلي التعبير بالرسم، وإلي الكتابة الأدبية، كما كان له أبحاث في التشكيل حول التمثال ذي البعدين. عاش الفنان كمال خليفة في بيت صغير فوق سطوح بيت قديم في باب اللوق، جمع عدداً من المفكرين والمثقفين والمبدعين كأحمد بهاء الدين، مصطفي محمود، حسن فؤاد، أحمد حجازي، الأبنودي، ويوسف إدريس وغيرهم من المثقفين الذين كانوا يناقشون الحياة بشكل عام في جو من الألفة والسعادة في هذا المكان البسيط الذي غمرته رائحة الألوان. حصل خليفة علي منحة التفرغ عام 1963 حتي وفاته، كما نال الجائزة الثانية في صالون «مختار» عام 1952 وصالون «القاهرة» 1964، وفاز بجائزة أخري في صالون «القاهرة» عام 1967، وحصل أيضاً علي الجائزة الثانية في بينالي الإسكندرية. أقام كمال خليفة في حياته عدداً قليلاً من المعارض الخاصة في أتيليه القاهرة، ومتحف الفن الحديث، وقاعة إخناتون عام 1964، وكان من الملفت للنظر انه يقوم بتقسيط أسعار أعماله تسهيلاً لشرائها، كما أقيمت له بعد وفاته نحو عشرة معارض من بينها معرض في نقابة الصحفيين، وفي عدد من قصور الثقافة كقصر ثقافة الإسكندرية، وقاعة مشربية واكسترا، وكان آخرها في قاعة سفر خان عام 1999، ومنذ ذلك الحين لم يقام له أي معارض خاصة، كما قليلاً ما نري له أعمالاً في معارض جماعية، ولذلك نتمني ألا ينتهي بإبداعاته نفس المطاف، وأن ترحل بعيدة عن أذهان الأجيال اللاحقة، وتقع في جعبة الزمان والنسيان كما توفي كمال خليفة في يوم 10 أكتوبر عام 1968، وحيداً في منزله ففي هذه الأيام يمر اثنان وأربعون عاماً علي ذكري رحيله دون أن يتذكره أحد، أو تحتفي به وزارة الثقافة حتي ولو بمعرض بسيط نتذكر به إبداعاته التي انجزها خلال مشواره الفني العريق.