جدران المتاحف ومحتواها كائنات حية.. تتشكل داخلها شبكة مترابطة متواصلة من قصة حياة ثقافة المكان في مجمل محتواه كاشفًا عن هويته.. وخلف أبواب المتحف تتمثل صورة كاملة لحمض نووي DNA ثقافتنا، ولكل نتاج لثقافة في مكان ما لها حتمًا صورتها الكربونية الداخلية مُخزنة في DNA ثقافتها وحياتها العضوية والفكرية والوجدانية. وحين زيارتنا لأي متحف في أي مكان فإن محتوياته تساعدنا علي فهم بعضنا البعض من خلال إدراكنا لسمته وخصائصه المُخزنة داخليًا في أعماله ذات القيمة المخلصة الأداء الحاملة لحمض ثقافة النووي دون أن يحدث اختلاط بين ثقافة وأخري.. وإن كان هناك تأثر لكن يمكننا إدراك السمات الأساسية بوضوح.. لذلك لا يمكن أن يكون أبدًا منتج ثقافي كآخر. وأهمية المتحف المعرفية يمكن أن تساعدنا علي شرح ما نحن عليه تفصيلاً.. وقد ندرك هذا من استعراضنا لأعمال فنية لثقافة معينة من خلال لوحاتها مثلاً علي أزمنة متتابعة بما تحدثه من تشابك خيوط السرد المتواصل بجيناته المتطورة وتتشكل به سمات حياته الفنية دون تغير في خصائص الجينات.. فمثلاً يمكننا إدراك سمات الهيئة المصرية الروحية وقد توارثها الفن من النحت الفرعوني إلي محمود مختار رغم فارق الزمن الهائل الثقافي الفني إلا أن سماته الجينية لم تتغير.. كذلك يمكننا من مجموع أعمال متحف الفن المصري الحديث إدراكنا عقليًا ووجدانيًا لتفاصيل هويتنا الثقافية الاجتماعية الفنية التي تتمثل داخله كخلية ضخمة بداخلها كل الجينات الفطرية البسيطة والأكثر تعقيدًا في تشكل الهوية دون أن تختفي مظاهر ممارستنا لثقافاتنا عبر الزمن التي نحملها داخلنا كحمضنا البيولوجي النووي وليس فقط الثقافي. فخلال فترة تتجاوز المائة عام بقليل نجد هنا سمات خالصة للشخصية المصرية رغم تفاوت المظهر والمعالجة الفنية في اللوحات والمنحوتات وكذلك اختلاف الفنانين إلا أننا نجد نفس جينات الهوية من محمود سعيد إلي راغب عياد إلي محمد ناجي إلي جاذبية سري وإنجي أفلاطون وتحية حليم وحامد ندا والجزار وأحمد عثمان ومحمود مرسي وآدم حنين وعبدالبديع عبدالحي وكثيرين من كبار الفنانين لنجدها تتردد في الأجيال التالية سمة الهوية المصرية أيضًا وهي جيل الشباب رغم التأثر بالحداثة إلا أن الجين الفني كامن داخل الإبداع يتردد صداه بين العلو والخفوت. وحمض ثقافتنا النووي علينا الحفاظ عليه من الشوائب وإن كان هو يحافظ علي نفسه وقد تظهر سماته رغمًا عنا لأنه داخل حاوية من قيمنا ومعتقداتنا في شكل صالح ويتعدل دون فقد سماته ويتم بالوراثة الثقافية تمريره من جيل إلي جيل. ولأنه كائن حي مثلنا فله قوانينه البيولوجية وهو حي يتنفس يعيش نتحرك نحن داخله في نفس وقت حركته داخلنا.. لذلك المتحف يكملنا ويحفظ ذاكرتنا ويقود فكرنا المستقبلي فلا غني للمجتمع عن المتحف لأنه حامل جينه الوراثي وميراثه الثقافي والفني والاجتماعي والأخلاقي وتقاليده وميراثه الروحي. كما أن المتحف يذكرنا بإنسانيتنا المشتركة ورغبة تذوق الجمال واستيعابه والتحقق من ماضينا وتاريخنا الفني كما أنه بإمكان المتحف أن يجعل التاريخ والثقافة يشكلان طابعًا وطنيا انتمائيًا وهذا أشد ما نحتاج إليه. إنه بمفردات المتحف البصرية يتحدد النمط الظاهري للكائن الحي اللا متكرر من مكان أو زمان لآخر لكنه ينمو مثل بصمات أصابع اليد لا تتغير رغم أن الجسد آخذ في النمو بكامله.. والحماية لمتاحفنا يجب أن تكون موجهة للأخطار مع إدراك أن الخطر دائمًا قائم لكنه متغير.. فداخليًا من جهة عمليات التأمين والصيانة والترميم وطرق التخزين ووسائل العرض بالاستعانة بأحدث الوسائل التكنولوجية.. إلي جانب التغيرات التي حدثت في سوق الفن والقيمة الحالية لبعض المقتنيات جعلت المتاحف هدفًا للعصابات الكبري فضلاً عن صغار المجرمين مما زاد من أخطار السطو والهجوم المسلح والسرقة أثناء أوقات العمل والسرقة من صالات العرض المتحفي أثناء ارتياد الجمهور لها.. ولأن السرقة خطر تغيرت صورته لذلك يجب أن تكون للحماية شكل متغير كتغير الخطر.. فمثلاً يمكن الاستعانة بتجار تداول التحف الفنية في السوق لتحقيق الكفاءة المثلي والفهم الكامل لكل المعلومات المتصلة به كذلك تدريب رجال شرطة لهم سمات خاصة بمساعدة وزارة الثقافة علي أن يكونوا من الجيدين الذين يرون العالم بطريقة مختلفة.. فهم لا يمشون إلي جوار متحف مثلاً دون أن يلاحظوا ويفترضوا كيف يمكن أن يُسرق.. كذلك لهم توقعاتهم لكيفية سرقة متحف ونقاط ضعف أمنه.. فيجب الاستعانة برجال الأمن قبل السرقة وليس بعدها لأن هذا الجانب السلبي في الرؤية يتوقع الخطر الافتراضي يمكن أن يساعد علي وضوح الرؤية الإيجابية خاصة وهذا النوع من التفكير ليس طبيعيا بالنسبة لمعظم الناس وبالطبع ليس طبيعيًا بالنسبة للفنانين ولا لموظفي وأمناء المتحف.. فعقلية الأمن الذكي هو الذي يفكر في نقاط الضعف.. وهو مثل المهاجم الذي عليه أن يجد نقاط الضعف في الشيء وليس القوة.. وهي طريقة خاصة في النظر للعالم بطريقة أمنية ومعظم المجرمين يفكرون علي هذا النحو بالفعل.. ومثلما يُقال عليك أن تفكر مثلما يفكر مجرم لتحاصره.. أما موظفو المتحف فعلينا الاعتماد علي الشخص الموهوب وليس المصنوع.. ولماذا لا تتم إعارة رؤساء هيئات أو جامعات كمجلس مديرين للمتاحف كي تدار بفكر رجل مثقف وأيضًا الاهتمام أن تدار متاحفنا بفكر إدارة الأعمال كضرورة لكفاءة العمل وتحقيق الدخل المطلوب لكفاءة أداء الرسالة.. أخيرًا نطرح أسئلة مهمة لو وجدت إجابات قابلة للتجويد سيكون عملاً مهمًا.. مثلاً: هل أفادت متاحفنا الفن أم الزائر العادي؟.. هل حقق المتحف في مصر وظيفته المزدوجة في تسجيل الأحداث علاوة علي تفسيرها؟.. وهل ابتعد عن أنه أحد أهم المراكز الأساسية للذاكرة ومصادر المعلومات البصرية؟ وهل حافظت المتاحف علي هويتنا الثقافية؟.. وهل أكد المتحف المصري إحساسنا بالزمان والمكان مجدولان معًا؟ هل ساعدت متاحفنا طلاب وتلاميذ المدارس- وهم عقول الزمن القادم- في اكتشاف المعلومات وتحصيلها؟