سعر سبيكة الذهب وزن 50 جراما اليوم.. اعرف آخر تحديث    حدث ليلا.. مفاجأة مدوية بشأن مكان السنوار وضربة جديدة لنتنياهو    توفيق عبد الحميد يكشف عن حقيقة تدهور حالته الصحية    متى وقت أذكار الصباح والمساء؟.. «الإفتاء» تكشف التفاصيل    درجات الحرارة اليوم الخميس 04- 07- 2024 في مصر    بعد سنة على إطلاقها، ثريدز تسجل 175 مليون مستخدم نشط شهريا    أحمد ياسر ريان: أنا أفضل من كهربا وزيزو    أبرزها دواء الضغط.. زيادة أسعار 3 أدوية في الصيدليات    مواعيد مواجهات ربع نهائي أمم أوروبا يورو 2024 والقنوات الناقلة    اشتباكات وقصف مدفعي إسرائيلي على مخيمي «الشابورة» و«دوار النجمة» في رفح الفلسطينية    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: كريم عبد العزيز ل عمرو أديب أنا أهلاوي مجنون بحضور تركي آل الشيخ .. مفاجأة من وزير التموين للمواطنين بشأن الدعم على البطاقات التموينية    جيش الاحتلال يعلن مقتل ضابط في كتيبة تابعة للواء جفعاتي خلال معارك شمال غزة    موعد إجازة رأس السنة الهجرية واستطلاع هلال شهر المحرم    ناقد رياضي: متفائل بالتشكيل الوزاري وأدعم استمرارية أشرف صبحي في وزارة الرياضة    تراجع سعر الفراخ.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم الخميس 4 يوليو 2024    دراسة: أغلب الأوربيين يساورهم الشك في قدرة أوكرانيا على هزيمة روسيا    وزير السياحة والآثار: نستهدف الوصول ل 30 مليون سائح بحلول 2030    محافظ الدقهلية: العمل الميداني سر نجاح أي مسئول وقيادة.. ونعمل على حل مشاكل المواطنين ومحدوي الدخل    فرنسا تسحب نوع "كوكاكولا" بسبب مخاطر صحية: لا تشربوه    مفاجأة من وزير التموين للمواطنين بشأن الدعم على البطاقات التموينية (فيديو)    مع تصاعد الحرب في غزة ولبنان.. الشرق الأوسط يجلس على برميل بارود    6 نصائح للعناية بالأسنان والحفاظ عليها من التسوس    إصابة طفل وانهيار جزئي لعقار مجاور.. تفاصيل سقوط عقار بالحي القبلي في شبين الكوم    مصرع طفلين شقيقين غرقا في كفر الشيخ    العثور على شاب مصاب بطلقات نارية في ظروف غامضة بقنا    عبدالرحيم علي يهنئ المحافظين الجدد ونوابهم    عمرو أديب الزمالك «نمبر وان».. وكريم عبدالعزيز يرد: أنا اهلاوي مجنون (فيديو)    حظك اليوم برج الجوزاء الخميس 4-7-2024 مهنيا وعاطفيا    قصواء الخلالي: الحكومة الجديدة تضم خبرات دولية ونريد وزراء أصحاب فكر    ميمي جمال: أنا متصالحة مع شكلي وأرفض عمليات التجميل    قصواء الخلالي: افتقدنا للأيادي القوية غير المرتعشة.. والحكومة الجديدة تضم خبرات دولية    التشكيل الوزاري الجديد، مدبولي يعقد اليوم مؤتمرا صحفيا بالعاصمة الإدارية    فولكس ڤاجن تقدم أقوى Golf R فى التاريخ    دعاء استفتاح الصلاة.. «الإفتاء» توضح الحكم والصيغة    أول ظهور لحمادة هلال بعد أزمته الصحية    ملف يلا كورة.. قائمة الأهلي.. تعثر الزمالك.. وموقف بيراميدز من المنتخب الأولمبي    عبد الرحيم علي يشكر الوزراء والمحافظين الذين غادروا مواقعهم    «تاتا» توقف العمل ببريطانيا    أول رد سمي من موردن سبوت بشأن انتقال «نجويم» ل الزمالك    ميدو: المنتخب الأولمبي «بيشحت» لاعبيه من الأندية    "مين كبر ناو".. شيكو يحتفل بعيد ميلاده    ميسي مهدد بالغياب عن مباراة الأرجنتين ضد الإكوادور في كوبا أمريكا 2024    وزراء خارجية روسيا والصين ومنغوليا يناقشون التعاون في المجالات الاقتصادية    لميس حمدي مديرا لمستشفى طلخا المركزي    أمين الفتوى: لا ترموا كل ما يحدث لكم على السحر والحسد    الكويت تعلن اعتقال مواطنين بتهمة الانضمام لتنظيم محظور    أبرز مشروعات وزير البترول الجديد بالقطاع الحكومي.. تعرف عليها    في أول تصريح صحفي له، محافظ بورسعيد الجديد يوجه رسالة إلى اللواء عادل الغضبان    حدث ليلًا| موعد إجازة رأس السنة الهجرية وحالة طقس الخميس    رئيس مجلس الوزراء يعلن موعد إجازة رأس السنة الهجرية    والدة شاب تعدى عليه بلطجي بالمرج تكشف تفاصيل الحادث    فحص نشاطها الإجرامي.. ليلة سقوط «وردة الوراق» ب كليو «آيس»    مصرع طفل غرقا داخل نهر النيل بقنا    هاني سعيد: نحاول فصل لاعبي بيراميدز عن الأحداث.. وينقصنا عامل الجمهور    اتحاد الصناعات: وزارة الصناعة تحتاج لنوعية كامل الوزير.. واختياره قائم على الكفاءة    عمرو خليل: اختيار الوزراء في الحكومة الجديدة على أساس الكفاءات والقدرة    أستاذ استثمار عن التغيير الوزاري: ليس كل من رحل عن منصبه مقصر أو سيئ    تعيين عبلة الألفي نائبة لوزير الصحة والسكان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رأيتك في المنام.. رواية تقدم حواء بلا قيود
نشر في القاهرة يوم 10 - 08 - 2010

يأخذنا الأديب محمد قطب مبهورين بأحلام اليقظة والنوم، في روايته «رأيتك في المنام» نصحبه في تجربة ثرية داخل النفس البشرية يعرض فيها حواء من الداخل دون قيود، علي فطرتها، مستلهما المواقف والحوارات.
قدم بطلة الرواية ولم يسمها حتي انتهي، فلم نعرف لها اسما، وترك لنا أن نرسم ملامحها، ثم نتابع حوارها لتكتمل صورتها لدينا، ونستمع إلي أحلامها وتمنياتها وتطلعاتها وأشواقها، هي في حياتها وحيدة كل الوقت لا تجد من تفرغ طاقتها لديه إلا الراوي الذي جذبته عبر الأثير ينتظرها متشوقا مع تليفونه الذي يحمل رنات الجوع والحرمان والاشتياق.
تحليل نفسي
يدور الحكي في إطار مدروس بعناية، مع تحليل نفسي للشخصية واظهار الأفعال وردودها، وكذا الدوافع والأسباب والأعراض، والاحباطات، متسقة مع علم النفس الإنساني المنسوج داخل الحكي بحرفية ومهارة، وكان الحوار مثيرا ومشوقا مريحا للقارئ في مواكبة الحدث.
هي امرأة عبرت الخمسين، مات عنها زوجها وزوجت بناتها الأربع، وعاشت وحدها في بيتها تمارس حياتها، قررت استعادة عمرها الفائت من بدايته، تسرده للراوي عبر الهاتف في المساء، كل ليلة تحكي جانبا، فتلهب الفكر الجامح، وتتوقف لتجبره ألا يسترسل في الخيال ويقنع بما حكت في حلمها أو ذكرياتها، ولا يستطيع القارئ أن يحكم علي الحكي أنه حقيقي، أو أنه أحلام تفرغ فيها طاقتها، أو تمنيات السن الحرجة، تقولها لترتاح.
وكل مرة تقنعه أنها صادقة لنكتشف في النهاية أنها كانت كذلك.
المرأة فاضلة طوال الوقت، جامحة بعض الوقت، مفتونة بنفسها باستمرار، تدرك أنها لا تزال تملك أنوثة كاملة واستشراقا عاطفيا قويا، عاشقة لجسدها ورغباته، تعرف قيمة الجمال وتعرف كيف تصفه، وتعني باختيار الكلمة والجملة والمعني.
يقول الراوي (راحت أسائل نفسي.. أيمكن أن يتحقق الولع بالوصف والتخيل! أم أن الأمر كله لا يعدو أن يكون صورة متوهمة صنعتها بخيالي)، إنه يقودنا إلي الحيرة كي لا نجزم أن النص هو الواقع.. فربما كان حلم يقظة أو مناما، أو شطحة خيال، والأمر نفسه مع البطلة فيترواح النص بين التصديق، والفانتازيا الصارخة.. والفجور والتقوي في آن، تحكي الماضي كأنه حاضر تمارسه وتعانيه، ويكتشف أنها تحكي ما كان من زمن فتصيبه الدهشة (موقف اكتشاف الحمل والكشف الطبي وتصرفات الطبيب والزوج)، ودائما تحكي، تروم الكلام بلا مقاطعة حتي تتضح التفاصيل الصغيرة، ولا تعيد الحدث نفسه لتزيد من التشويق والابهار، وعندما لا يصدقها تنسحب قائلة لا تحادثني ثانية، وتنهي الموضوع والموقف، لتبدأ موقفا آخر، وعندما تحن للماضي وتشتاق فإنها تنسج القصة لتدلل علي أنها جميلة مرغوبة حتي في وجود زوجها العليل، تثير الطبيب العجوز، في كذبة كبيرة تملأ نفسها خيلاء ورضا، وربما شاركها الراوي بعض هذه الصفات فيرصد الخبر والشوق والرغبة والألم، وهذا جاء في مواقع قليلة أفصحت عن رغباته المكبوتة.
سلاح مواز
اتخذت البطلة من الأحلام سلاحا موازيا، يأتيها زوجها في منامها، فتحكي ما انتابها من مشاعر مستبدة، مستندة إلي الحلم، فتنطلق في القول بعيدا عن قيود الواقع أو العقل أو التقوي في بعض الأحيان، وتعطي نفسها الحق أن تقول وتفعل في حلمها ما تشاء.
ومع الحكي الغريب تتساءل عن أمنيتها أن تغتصب؟ هل تريد ذلك دون أن تقع في الحرام برضاها؟ فتكون مرغمة مستمتعة، وتنسج الكذب بترتيب كأنه الحقيقة، تتمني أن يخدعها اللصوص مرة تالية، متوقعة أن تغيب عن الوعي كما لو كانت جاهزة لتغتصب ثانية فلا ترتكب الحرام..! وكأنما استمرأت، حين تسقط حكمها علي الطبيب فهي تخاف المعصية والموت رجما..؟
تقول صراحة! «ليتني اغتصب.. لا اكتمك أنني تمنيت لو حدث لي ما يحدث للبعض. أن أسير في «هزيع الليل في طريق ناء مطفأ الأنوار، انتظر عربة تقلني.. فيدهمني رجال يقتادونني ويحبسونني ويفعلون.. لن أصرخ.. لن أتذلل لهم.. فقط سأصبر.. حتي ترتوي».
تكذب ودائما تتذكر كذباتها مستمعة، وعبر النص وأحداثه تتداخل الأحلام في موضوع واحد أو شخصية واحدة يثير القارئ ويدفعها متشوقا لا كتشاف الحدث. تقول:
- أكرهكم جميعا.
- ماذا أفعل وفاكهتي حلوة؟
- لن أتزين لأعمي.
- ضعفها القوي.
تلقي له الحديث وتسهب بينما تهدف لشيء آخر، ثم تصرخ في النهاية هل يخفي التأويل؟.. في مكر أنثوي محبب، ثم تتهمه بالتمادي وهي طوال الوقت تتمادي بإمعان وروية في كل شيء، تسقط عليه ضعفها، تعيش نزوة نفسية مستمرة كل يوم علي التليفون تمارسها متلذذة بوضوح، وفجأة يسيطر عليها تيار التقوي، يظهر قبل أن توغل في التمادي إلي منطقة خطرة تتراوح بين الفجور والتقوي كالبندول.. لا تستقر.
حال المرأة
استطاع الأديب محمد قطب في روايته «رأيتك في المنام» أن يحكي علي لسان البطلة حال المرأة بكل خلجاتها، في صدق واقعي، ومعرفة بالأشياء دون مواراة أو خجل، وبلا تدن في الحوار أو الوصف، واختار شخصية حادة، محددة الملامح، صعبة المراس، قوية فاهمة، لا تستحي من الواقع الفعلي، اعتمادا علي أنها غير مرئية للراوي، فتفضي بالحديث كما تحب، وكما يحدث في جلسات العلاج النفسي فإنها تريح ضميرها وعواطفها وارتعاشاتها بأقصي درجة من الصراحة والوضوح في أدب كامل، واستطاع «قطب» بما يملكه من حس واع بالمواقف والأحاسيس أن يضمن في النص المعني واضحا وبليغا (كان - هو - يقف علي الضفة الأخري ساكنا.. وهادئا).
ندرك من البداية أن الراوي يدير الحديث ويوجهه في عبارة تحمل الرأي والفكرة والحكمة والمغزي، يحاور الذات في أسلوب بعيد عن المباشرة أو التعالي، ولا يغفل صوت العقل الواعي في جدله وحواره بداية من الصفحة الأولي وحتي الأخيرة، وحتي لا يشطح الخيال إلي ما لا يريده الكاتب يقول (لزمت صمتا مقصودا - أحسست أنها تنوء تحت ضغط نفسي - الكلمات التي تنتقيها في الحديث تنم عن دراية بفنون القول - بدا لي حرصها علي تحديد الموضوع - نصيب الروح - أدان الحس) فهو إلي جانب العقل لجأ للتحليل النفسي في الحوار والسرد حتي يضع القارئ في المكان الذي يراه مناسبا.
يرصد الكاتب الجانب الورع من البطلة، فيجاريها بذكاء ليسبر روحها القلقة والواعية بأمور دينها ودنياها، وتفاصيلها الواقعية المليئة بالمتناقضات، فتقتصر الانحرافات علي الرؤي والتمنيات، ولا تنزلق إلي الواقع، وتصدها النفس الواعية بالحلال والحرام، ولم يأت التوجيه الفعلي مباشرا أو فجا، بل أورده الكاتب في حوارته كرأي خاص في موقف، ليدع القارئ يفهم ويستوعب تلقائيا، ومن ثم يشكل وجدان القارئ في سلاسة ويسر، ويستدرجه إلي أسئلة فلسفية تاركا له أن يجيب بنفسه.
تقول البطلة «إني استعد لعمرة مولد النبي» ويظهر خط الوعي والإدراك ليضع الفاصل، وليتراجع الجميع عن الخيال الجامح لتبرز الفضيلة والتقوي ويتراجع فجور الكلام والأحلام مؤقتا.
«تتحسس الكعبة وترقب حمامات الحمي رانية أن تجاور المحبين في البقيع» وتقابل زميلا قديما أرملا فتبتسم وتدعو ثم تهرع للمرآة تباشر وجهها وجسدها وتقول إنه امتحان من الله وأن إبليس لن يعبر علي جسدها» مضيفة أنها مازالت مرغوبة.
في الرواية يدخل الكاتب إلي العمق مباشرة دون مقدمات وبلا انقطاع أو توقف ويدع القارئ يكتشف بنفسه الأبطال والأماكن في حرفية ويربطه بحدث جديد فيقوده بمهارة في دهاليز الرواية المعتمة والمثيرة معا، وينهج نفس المنوال مع البطلة فيوحي أنها تنسج قصة وهمية تثير محدثها ليتحرك ويرسمها في خياله، و،يرضيها أن يراها كما يحب أن يتخيلها فتسعد بينما يتركنا نعتقد أن الحكي حقيقي فنسكر بنشوة الفن في الرواية.
ولقد اعتني الكاتب برسم الشخصية من خلال الحكي والحركة والفكر والأداء ورسم الهيئة واهتم بصياغة اللفظ والمعني معا، واستدعي من قاموس الفصحي كلمات مهجورة دفع بها عبر الحوار ليحييها فصنع صورة جميلة يتعايش معها القارئ منبهرا بالنص والخيال معا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.