"توأم سيامي " هي أحدث أعمال القاص محمد القصبي صدرت عن الهيئة العامة للكتاب..وتتكون من ثماني قصص قصيرة.. تتسلل الي أكثر من قصة منها خيوط ما يعرف بأدب الاعتراف.. فبطلة القصة الأولي التي منحها المؤلف اسم المجموعة " توأم سيامي " واسمها سميرة المعداوي أديبة نصف موهوبة.. لكنها ثرية.. تحاول أن تبني لنفسها اسما بأموالها.. حيث تسعي لتوظيف جزء منها في تأسيس دار نشر ضخمة.. تستقطب المثقفين.. أحدهم يقترب منها.. صحفي وكاتب مسرحي.. يبدي مخاوفه من فشل المشروع.. تطمئنه بأنها ستخصص أرباح بعض شركاتها في أوروبا لتغطية دار النشر.. فيقول لها ضاحكا : يعني دار أيتام للي زيي !..وعندما تخبره بأن اسم الدار "الثقافة للجميع "يعلن خوفه من أن يتوه الاسم وسط أسماء شبيهة لدور أخري.. ويقترح أن تحمل الدار اسمها هي.. أي سميرة المعداوي.. ! ويناقش محمد القصبي الموضوع نفسه من زاوية أخري في قصته "موت الرواية " وهي بضمير المتكلم.. حيث يحكي فرحه حين أبلغه أستاذه الأديب الكبير بصدور روايته " عراف القصور "..لكنه حين ذهب الي بائع الصحف لشراء نسخ منها يتضح أن لديه مجلة فخمة باسم شبيه وليس روايته..أما الرواية نفسها فبعد البحث في قسم التوزيع بالمؤسسة الصحفية الكبري التي تولت توزيعها فيجد عنها اعلانا صغيرا بالصحيفة اليومية للمؤسسة.. وفي نهاية ساخرة نعرف أن الصفحة التي نشر بها الاعلان هي صفحة الوفيات!.. فهذه القصة فصل آخر من فصول السيرة الذاتية للمبدع العربي يتخذ الشكل القصصي عباءة يتخفي فيها. انتحار المؤلف ويواصل محمد القصبي تنويعاته الأدبية علي الموضوع نفسه في قصته " انتحار المؤلف " مشيرا الي نفسه حين يذكر علي لسان الراوي اسم روايته الأهم كما يصفها عراف السيدة الأولي " التي نشرها نادي القصة عام 2003 وبطلها منذر عبد المهيمن عراف دولة أفريكاسيا العظيم..والذي أحب السيدة الأولي التي يصفها بأنها "غشاء بكارة هذا الوطن " والذي يفزع منه مبدعه أي محمد القصبي حين يتراءي له بطله معاتبا :أما لديك نهاية أفضل لروايتك غير انتحاري ؟ثم يستطرد : ما هي إلا رواية من هذيانك وما أنا الا الشخص الوحيد بين شخوص الرواية ! وهكذا يعيد محمد القصبي مناقشة عمله الابداعي العظيم " عراف السيدة الأولي " مناقشة درامية بينه كمبدع وبين أبطال رواياته.. فهو يناقش هنا أيضا نهاية بطله " صابر عبد الصبور " في روايته المسماة باسمه " عائلة صابر عبد الصبور " والتي فازت بجائزة نادي القصة عام 1996 ونشرها اتحاد الكتاب عام 2000 . . وذلك حين يؤنبه بطله منذر عبد المهيمن بأنه لم يرق لمزاجك الدموي أن يعيش هذا الفلاح المسكين فعدلت النهاية وقتلته.. ثم يستطرد : ألا تلحظ هذا.. ؟! في داخلك يختبئ مسدس إن اشتد الحاحه عليك دفعته الي قبضة أحد أبطال رواياتك.. فلايليق بمؤلف متحضر مثلك أن يقتل " ص 60" وحين يدافع المؤلف عن نفسه بأنهم مجرد شخصيات روائية يكون الاتهام : بل واقع لاتقدر عليه فتعيد تشكيلنا شخوصا في رواياتك لتطلق علينا النار " ص 61" ثم معلنا : دعني أخطط أنا النهاية.. ربما تكون أكثر اثارة من انتحاري "ص61" وفي أسلوب يقطر سخرية ومرارة من وضع الأديب في مجتمعنا المغمور بأميتيه الأبجدية والثقافية يستعرض الراوي رد فعل الوسط الثقافي علي انتحار المؤلف.. ومنها تصريح لأستاذ علم نفس شهير بأن انتحار المؤلف يعبر عن الرغبات الكامنة في اللا شعور الجمعي للمثقفين المصريين وربما العرب.. ومقالة لمحرر ثقافي ذائع الصيت ينفي فيها أن يكون اليأس دافع الأديب للانتحار.. بل الرغبة في الطفو بعد أن أمضي ربع قرن يكتب دون أن يبارح القاع المعتم ! بينما زاد أديب في الثمانين يترقب الموت في نفاد صبر كي يتم تكريمه: أخيرا عرف هذا الأديب المحظوظ أن الجثث وحدها هي التي تطفو ! لعلها لمحة تفاؤل من محمد القصبي ذلك أن قصصه تقطر مرارة من وضع الأديب في مجتمع أمي القراءة والثقافة ! أحلام الموتي وهناك قصة "أحلام الموتي " وهي فانتازيا ترتدي قناعا تراثيا.. وتحكي قصة كاتب مسيحي يجري القبض عليه في المطار من قبل أجهزة أمن الدولة وهو يستعد للسفرالي عاصمة عربية.. لكنه يفقد الذاكرة ويري ما حوله بذاكرة شخصية أخري.. أبو الفضل التميمي قاضي قضاة بغداد الذي يأمر الخليفة العباسي سيافه بقتله بتهمة التآمر مع القرامطة ضد الخلافة.. وكأن المؤلف يريد أن يقول لنا مستخدما فكرة حلول الأرواح أن المثقف العربي دائما مستهدف سواء كان مسلما أو مسيحيا.. في زمن الخلافة أو الجمهوريات المعاصرة . وقصة " جن سات " تنويعة أخري علي الطابع العام الذي يسود مجموعتنا.. فصاحب ضمير المتكلم الذي يروي قصته الفانتازيا الرمزية يعلننا : نزت الرأس حشرجة أفجعتني بالحقيقة..المخ تعرض لانفجار هائل " ص 75".. ويدور حوار بين أكثر من مخيخ بينما يعلن المخيخ الأكبر تصريحه الرمزي :كنا من قبل كيانا واحدا صلبا.. الي أن تمكن الأعداء أم مكننا نحن الأعداء ؟ من تمزيقنا.. وها نحن أصبحنا مجموعة من المخيخات العاجزة " ص79 " ويواصل محمد سخريته حين يقترح مخيخ صغير جدا طرح مشروع الوحدة الاندماجية في مناقصة عالمية.. وتنتهي القصة بهذه العبارة : سنشكل لجنة لبحث الموضوع ! " ص82 "... ان محمد القصبي يداوي تشاؤمه بالسخرية من أوضاع مجتمعه..بل مما يبدعه هو نفسه !