انتهي الموسم السينمائي الصيفي بعرض فيلمي «لا تراجع ولا استسلام» لأحمد مكي، وفيلم «الكبار« لعمرو سعد وخالد الصاوي! وهو موسم قصير وأفلامه قليلة ومع ذلك فقد كان ترجمة واضحة لمشكلة السينما المصرية وتجسيدا لمعظم عيوبها! وفي حين يصرخ بعض المنتجين مؤكدا خسارته الفادحة، فإن الارقام تؤكد أن بعض الأفلام تخطي حاجز العشرين مليونا! ولايزال عرضه مستمرا وسوف يستمر الي عيد الفطر، إذن لم يكن هناك داع للصراخ وادعاء الخسارة، أما العيوب فهي الاستسلام التام لسطوة بعض النجوم، الذين يترنح بهم النجاح، ويعانون سكرة الفشل الاخير، ولا أعرف بأي منطق يمكن ان يثق منتج ما بأن محمد سعد يمكن أن" تقوم له قومه" بعد تكرار فشله في خمسة أفلام سابقه، والأدهي من ذلك أن يترك المنتج له مقاليد الأمور، ويعين له مخرجا لا حول له ولا قوة، لايملك غير الاستسلام التام لرغبات نجم الفيلم الذي يتعامل مثل النمر الجريح الذي يرغب في افتراس الجميع ليثبت أنه لايزال يتمتع بنفس قدراته السابقة، وكانت النتيجة المنطقية فشلا جديدا يضاف لسلسلة طويلة من الأفلام الرديئة! أما فيلم الديلر الذي ساهم أحمد السقا في اغتياله لمجرد شعوره بأن زميله خالد النبوي تفوق عليه في الأداء فهو يجسد مأساة جيل كامل من نجوم هذا العصر الذي لايعترف بروح الفريق، ويتصور ان النجاح مشروع فردي! وأتعجب من اصرار السقا علي أن يصاحب اسمه لقب الفارس، رغم أن سلوكه هذا بعيد كل البعد عن أخلاق الفرسان!! الثلاثة يشتغلونها حاولت ياسمين عبد العزيز أن تمهد لنفسها طريقا مستقلا لاتعتمد فيه علي ظل رجل "نجم سينمائي" وذلك بعد أن ذاقت المرار في تجربتها مع محمد سعد في فيلم «كركر»، ومصطفي قمر في فيلم"حريم كريم"، وخاضت العام الماضي تجربة أول بطولة مطلقة في فيلم "الدادا دودي " ورغم عدم نضج التجربة، إلا أنها حققت نجاحا تجاريا يضمن لياسمين عبد العزيز الاستمرار في المطالبة بأدوار البطولة المطلقة، وكان لها ما أرادت مع فيلم "الثلاثة يشتغلونها" الذي كتب له السيناريو يوسف معاطي وأخرجه علي أدريس، وناقشت من خلاله بأسلوب ساخر يعتمد علي المبالغة في الأداء، وتقديم أكثر من كراكتر، مشاكل التعليم في مصر الذي يعتمد علي التلقين وملء الرأس بمعلومات يصعب الاستفادة منها في الحياة العملية! حقق فيلم «الثلاثة يشتغلونها» بعض النجاح التجاري الذي يضع ياسمين عبد العزيز في منطقة آمنه، تسمح لها بالاستمرار، غير أن المشلكة أنها تسير مثل غيرها من نجوم هذا العصر في طريق يؤدي دائما الي" حارة سد"، حين يتصور النجم أنه وحده القادر علي تحقيق النجاح دون مشاركة غيره من الزملاء، ويبدو هذا واضحا في كل من تجربتي ياسمين عبد العزيز، حيث لم يظهر معها أي نجوم آخرين، وهي تفضل مشاركة الأطفال لأن أحدهم لن يسرق منها الأضواء أو يشاركها في النجاح، ولذلك فلا أتوقع لها الاستمرار أكثر من عام أو اثنين علي الأكثر لو تعاملت بنفس المنطق في أفلامها المقبلة! ويظل تامر حسني حالة فريدة في مجال السينما، فرغم سوء مستوي أفلامه وتفاهة مضمونها وعيوب السيناريو الناتجة عن تدخله في كل التفاصيل، إلا أن أفلامه تحقق نجاحا تجاريا، فهو يرتكن علي قاعدة شعبية، دعامتها جيل من المراهقين المبهورين بما يقدمه من أغان رديئة الكلمات، متشابهة الالحان، وهذا الجيل مستعد للدفاع عنه حتي آخر قطرة في دمائه، وإذا تابعت تعليقات الشباب علي مواقع الإنترنت فسوف تقرأ عجبا، دفاعا مستميتا عن كل سخافات تامر حسني، حتي مساوئه الواضحة يعتبرونها حسنات، إنه عراب هذا الجيل الفارغ الذي لم يقرأ كتابا أو صحيفة ولايعرف رموز هذا الوطن في مجالات الآداب والفنون والسياسة، هذا الجيل الذي يعتقد أن تاريخ البشرية بدأ مع ميلاد تامر حسني وقبله كان العالم فراغا كاملا! لكن بالطبع سوف يكبر هذا الجيل بعد سنوات قليله وتعصره التجربة، ويأتي جيل بعده يجد أن تامر حسني مطرب عجوز لا يعبر عن أحلامه وثقافته التي لايعلم إلا الله وحده مصدرها! نغمة نشاز وسط هذا العبث الواضح كان منطقيا أن يبدو فيلم «بنيتن من مصر» نغمة نشاز، رغم أنه بلاجدال أقوي أفلام هذا الموسم وأكثرها نضجا ومنطقية ولكن من يبحث عن المنطق بين جمهور تعود علي القبح والهيافة وأفلام يتبادل فيها الابطال الصفعات والضرب علي القفا! انتزع فيلم «بنتين من مصر» إعجاب النقاد وحفنة من الجمهور مازال يؤمن بالفن الجميل، الهادف، وحقق الفيلم لأبطاله ماكانوا يصبون إليه فليس بينهم من يراهن علي شباك التذاكر، أو يطمح في تحقيق الملايين، كل ماكان يرجوه محمد أمين مخرج الفيلم ومؤلفه أن تصل رسالته للناس، وقد وصلت عبر مقالات النقاد، وبعض اللقاءات التليفزيونية التي ظهر فيها مع فريق العمل، والأهم من ذلك أن الفيلم يعود بنا الي زمن سيطرة المخرج علي مقاليد الأمور، واختياره للممثل الجيد دون الالتفات لمستوي نجوميته، أو مكانته لدي شركات الإنتاج، ومع ذلك فإن فيلم «بنتين من مصر» منح زينه فرصة لإثبات قدرتها علي الأداء المتزن، ومنح صبا مبارك فرصة لتطل علي الجمهور المصري، من خلال دور لن يبرح الذاكرة، أما أحمد وفيق فهو المستفيد الأكبر من فيلم «بنتين من مصر» الذي يعد بمثابة إعادة اكتشاف لقدراته ومواهبه التمثيلية التي لا يمكن تجاهلها! عسل إسود أما فيلم «عسل إسود» الذي حقق أعلي أيرادات شهدها الموسم الصيفي حتي الآن، فهو يعتمد علي ثقة الجمهور بأحمد حلمي، الذي اعتاد التنقل بين أدوار وموضوعات مختلفة، لا تعتمد علي الإضحاك فقط، لكن تؤكد أنه يمتلك مخزونا لم ينضب بعد، وهو من القلائل الذين يملكون ما يدهشون به الجمهور مع كل فيلم يقدمونه، ورغم اعتراضي علي مستوي السيناريو وضعفه بالمقارنه لما قدمه أحمد حلمي في السنوات الأخيرة، إلا أن اسلوب أدائه لشخصية المصري العائد لوطنه بعد سنوات طوال عاشها في الخارج، وصدامه مع المتغيرات الجسيمة التي طرأت علي طبيعة الشعب المصري، تغفر للفيلم بعض عيوبه وثغراته! أما فيلم "الكبار" فهو أحد مفاجآت هذا الموسم، ويعود من خلاله السيناريست الكبير بشير الديك للأضواء ليحتضن تجربة المخرج الشاب محمد العدل في أول تجاربه السينمائية، والفيلم لا يعتمد علي أي من نجوم الشباك الذين تراهن عليهم شركات الانتاج، ومع ذلك فهو يمنح البطولة لعمرو سعد ليؤكد أنه يمكن أن يلعب أدوارًا مختلفة عن تلك التي اعتاد تقديمها في أفلام خالد يوسف الأخيرة، وقضية تصلح لكل عصر، فيلم محترم، ولكنه لن يجد فرصة مع جمهور الصيف الذي يبحث عن المرح والبهجة بعد عناء الامتحانات وإحباطات الحياة المتكررة! ومع نهاية الموسم بدأ عرض فيلم أحمد مكي الذي أزاح محمد سعد من الطريق وسحب جمهوره، وقفل الفرصة علي غيره من المضحكين أمثال هنيدي وهاني رمزي وطبعا أحمد رزق ومن شابهه، فهو يلعب في سكة مختلفة ويفاجئ جمهوره "الشباب الروش " بتقديم شخصيات متنوعة وموضوعات تلاقي قبولا وتبعث علي الضحك والبهجة في زمن شحت فيه البهجة وعزت الضحكات!