شرقيّ الأوسط الجديد الجريدة (خاص) – كتبت داليا صلاح الدين نعم، إنه شرقيّ الأوسط الجديد، شرقيّ أنا، لا شرق الست كونداليزا! ها هو يلوح في الأفق، يمر بمرحلة مخاض عصيبة، نعم، و لكني بت على يقين أن غدا فجره الجديد. كانت كونداليزا رايز، وزيرة خارجية الإرهابي جورج بوش، قد أطلت علينا منذ أعوام قليلة، بِطَلتها الماكرة، التي طالما ذكرتني بالثعلب المكّار، في حواديت ميكي و بطوط، و إصرار مساعيه على أكل الخنازير الثلاثة، و رسمت لنا، نحن العرب، أهل العروبة و الإسلام، قلب الشرق الأوسط: خارطة "الشرق الأوسط الجديد". إن حقيبة الخرائط المُحملة بمخطوطات التفكيك، من قِبَل كونداليزا ورفقائها، لم تأت علينا، في ذلك الحين القريب، و البعيد، إلا بالخراب النفسي، و الإنتحار الثقافي، و الدمار الإيديولوجي. و لم نجني من ثمارها إلا مشهد عربي و إسلامي مروع، وفقنا أمامه حزانى مشدوهين: - عراق الرافدين يذوب أما أعيننا، كحبة الفيتامين سي الفوّار، فنحزن صامتين على أمل اكتساب المناعة، و منع الخراب عن ديارنا. - السودان الشقيق يُذبح أما أعيننا، و تُقسم أضلعه، تحت شعارات الإستقلال، فندمع آملين ألا يصيبنا ما أصابه! - ننكمش في قلب غزة المناضلة، و نردد خلف نشطاء حقوق الإنسان من الشرق و الغرب: غزة غزة! و ننسى أو نتناسى القضية الأم: فلسطين! أيها القارئ، ضع سبع خطوط سوداء سميكة تحت كلمة "فلسطين"، كي لا ننسى! و غيره، و غيره... إلى أن فاض بنا الكيل، فإذا بالمارد يهب من غفوته، و ينهض رافعًا لواء الحرية، غير عابئا بأية تفاصيل، أو تضحيات. يا الله! يالها من صحوة! كم انتظرناها؟ كم ابتهلنا من أجلها؟ كم حلمنا بها؟ ها هي تونس الشقيقة تلوح برايات الحرية، فتختطفها مصر، رافعة بها إلى عنان السماء، فيلتفت العالم كله، ليستمع لزئير المارد العربي، الذي طالما خادعه و خادع نفسه بأنه في عداد الأموات! ها هو الوطن العربي تحتضن أضلعه بعضها البعض، رغم المؤمرات، رغم المهاترات، رغم كل الحواجز و السدود. ها هي الشعوب العربية تستلهم ثوراتها الحضارية من الشارع المصري. ها هو الشعب الليبي يهزم حواجز الرهبة و يهب متحدا في وجه زعيم الجرذان. هو هو الشارع اليمني يأتلف ملوحًا في إصرار، أن ارحل أيها الخاسر القاتل. ها هي الدماء العربية تُهدر تُزكي شوارع الحرية في كل ركن من أركان الوطن العربي، و رغم ذلك، يستمر الهُتاف أمام كل طاغية: ارحل! ها هي الفتن تُحاك، الواحدة تلو الأخرى، في كل شارع عربي، و لا يقضي عليها إلا ثبات الشعب العربي على اليقظة. نعم، تحدث بلبلات، و يحتار الناس، و يفكرون و يحللون، و لكن في نهاية الأمر، سريعا ما ينتصرون للوحدة و لأهداف الحق و العزة و الحرية. ها هو الشارع المصري ينتفض أمام تكرار محاولات اشعال الفتنة الطائفية المتكررة، من قبل الثورة و بعدها. ها هي كنيسة القديسين تتفجر في الإسكندرية على يد النظام اللئيم، فيهرع مسلمو مصر للكنائس يحمونها و يشاركون في قداسها. سبحان الله، و لعل فيها الخير! طالما رأيت أن الثورة المصرية، رغم أنها استلهمت شرارة الحرية من الثورة التونسية،إلا أنني أيضا أرى أن الشارع المصري انتفض لحظة أن تنسم رائحة المساس بالوحدة الطائفية. لم يكن أمامنا إلا أن نثور، مسلمين و مسيحيين. ها هي الوقيعة بين الشعوب الحرة تلهث خلف الكرة الدوارة، في محاولة وقحة للوقيعة بين رفيقيّ الحرية، مصر و تونس، فإذا بالشعب التونسى العظيم، ينتبه لقبح المحاولة، فيتقبل اعتذار الشباب المصري، عن جريمة لم يرتكبها، بل ارتكبها أعداء الحرية، من فلول النظام البائد، المقيم على معاداة كل ما هو حر، سواء إن كان مصريّ أو تونسيّ. فلا يسعني إلا أن أشكر سيادة الفلول، فقد أكدوا لنا أننا و تونس إخوة، و لم ينتج عن أفعالهم إلا أننا أيضا تأكدنا جميعا، أن من رافق صاحبه على درب الحرية، لن يتنازل عنه من أجل كرة مطاطية! هنا يكمن الأمل. هنا أجد شرقيّ الأوسط، أجد حلمي، عروبتي، وطني، أمتي. فلا مكان لخارطة الست كونتاليزا، في شارع عربي، يعانق مسلموه مسيحيوه، يحتضن فيه المصري الليبي، و يلجأ فيه المصري للتونسي، و يستلهم فيه الشارع البيحريني، مفاتيح الثبات، أمام وصم ثورته الطاهرة، بالطائفية، من ثبات اليمن و ليبيا أمام رياح القبلية. نعم، أرى القبائح. أرى تلبيس ثورة الشعب البحريني بطائفية التشيع، و أرى تلبيس ثورة الشارع السوري بعلوية الحاكم أمام هوى الشارع السني. أراها تماما كما رأيت محاولات فلول مبارك المستميتة، و المستمرة حتى لحظة كتابة هذه السطور، في إثارة الوقيعة بين الشعب المصري، و تقسيمه إلى مسلمين و مسيحين، أو شعب و جيش، أو حتى مسلمين و إخوان. أراها كما رأينا كلنا زعيم الجرذان و هو يستنهض القبائل الليبية على بعضها البعض، و كما يسعى خاسر اليمن إلى صبغ الثورة بالقبلية و الإنقسام. و لكن كل هذا لم يعميني عن الأمل. كل هذا لم يحجب عن عينيّ الضوء الساطع الذي أشرق على بلادنا. لقد استيقظ الشارع العربي، و أبدا لن يغفو مرة أخرى. فقد ذاق طعم الحرية، ذلك الذي كان حلما بعيدا، حتى يوم قريب. أما و قد ذقناه، و ياله من مذاق... فسندفع أعمارنا، و نقدم أبناءنا، و ننضحي بدماءنا في سبيل هذا المذاق! إنها مسئوليتنا، نحن المثقفون، أن ننتبه لمخاطر الفرقة، وأن ننشر الوعي، و أن نوقظ كل من يهم بأن يهرع إلى السبات من جديد. علينا أن نهتف على كل المنابر، ليجلل صوتنا عاليا: يا مسيحيو مصر و مسلميها، يا قبائل ليبيا و اليمن، يا سنة البحرين و سوريا و شيعتهما: اتحدوا! كلنا يد واحدة! سأظل مرابطة على الأمل، واضحًا جليًا أمام عيناي. فالشارع العربي لن يستكين بعد أن أفاق، و لن يُخدع بعد أن تنبه، و لن يلين بعد أن تأكد من قوة سلاحه، و أن سلاحه هو الوحدة. الأمل ليس في تغيير سياسة الغرب تجاه الشارع العربي، التي لاحت لنا هذه الأيام في الأفق، عندما غيرنا خطابنا عن أنفسنا. وكذلك، فإن الأمل ليس في حاكم عادل أو متواضع أو حتى ذو دين. الأمل فينا نحن، نعم نحن. الأمل في إجابتنا على سؤال زعيم الجرذان: "من أنتم؟" الأمل في أن نعرف أنفسنا عن حق لنقدم الإجابة الصحيحة: "نحن الأحرار، فلن يُسكتنا خوف بعد اليوم، و لن يستعبدنا حرص الدنيا بعد الآن، و لن يفرقنا ماكر و لا خنيس بعد اليوم." يا له من مخاض! نعم، أعلم والله أنه عصيب. فاليوم صمود للفتن، و انتباه للهدف، بعد أمسٍ كان يائسأ و سُباتًا كان عميقًا. و غداً عمل و ثبات، و إصلاح لما فات، حتى نُقبل على غدٍ أغلى و أحلى: غدٍ نصلي فيه في كنائس القدس و مساجدها، غدٍ نسجد فيه في الحرم الإبراهيمي، و بعد غدٍ نركع فيه و نبتهل في ساحة الأقصى! أيها القراء: بثوا الأمل!