ينظر إلى الانتخابات التونسية على أنها ستكون نموذجا للحركات المتطلعة للديمقراطية في العالم العربي يتوجه الناخبون التونسيون الى صناديق الاقتراع في الثالث والعشرين من أكتوبر الجاري في أول انتخابات عامة تخرج من رحم "ربيع الثورات العربية." وتأتي هذه الانتخابات بعد الإطاحة بالرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن علي، وحزبه "التجمع الدستوري الديمقراطي" في شهر يناير الماضي بعد 23 عاما في الحكم. ومن المقرر أن يختار الناخبون التونسيون ممثليهم في الجمعية التأسيسية الجديدة التي ستصوغ دستورا جديدا وتعين حكومة انتقالية جديدة حتى موعد إجراء انتخابات جديدة تنبثق عنها حكومة دائمة. لماذا تعتبر هذه الانتخابات مهمة؟ تعتبر هذه الانتخابات مهمة في تونس بسبب الصلاحيات غير المحدودة التي ستحظى بها الجمعية التأسيسية في صياغة مستقبل تونس السياسي. كما تحظى هذه الانتخابات باهتمام كبير من قبل المراقبين خارج تونس والبلدان العربية الأخرى التي تتطلع إلى إقامة أنظمة ديمقراطية خاصة بها. وإذا نجحت تونس في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة وتجري في أجواء من الهدوء، فإن من المرجح أن تشجع الحركات المطالبة بالديمقراطية في سورية واليمن والبحرين وأماكن أخرى على المضي قدما في تحقيق تطلعاتها الديمقراطية. كما أن الدول الأخرى ستراقب عن كثب كيفية تشكل المستقبل السياسي لتونس ولاسيما أداء الأحزاب الإسلامية ودورها في صياغة هذا المستقبل. ما الذي ينتظر من الجمعية التأسيسية؟ ستتولى الجمعية التأسيسية صياغة دستور جديد لتونس في غضون سنة كما ستكون لها الحرية الكاملة في تقرير كيفية صياغة الدستور وإذا ما كان سيطرح بعد ذلك على استفاء شعبي أم لا. وطبقا للدستور الأصلي الذي وضع في عام 1959، هناك صلاحيات واسعة للرئيس. وينتظر أن تعين الجمعية التأسيسية أيضا حكومة لإدارة شؤون البلاد خلال مدة انتخابها. كيف ستتم الانتخابات؟ يختار الناخبون التونسيون 217 عضواً في الجمعية التأسيسية إذ يتنافس المرشحون على 199 مقعدا في 27 دائرة انتخابية داخل تونس و18 مقعدا في 6 دوائر للمغتربين التونسيين حول العالم. وطبقا لنظام التمثيل النسبي، حدد كل حزب سياسي مسبقا حجم مشاركته من خلال ترتيب مرشحيه الذين سخوضون الانتخابات في كل دائرة على أن يكون نصف المرشحين في كل قائمة من النساء. ما هي الأحزاب الكبرى المتنافسة؟ سيشارك مراقبون في داخل تونس وخارجها في مراقبة الانتخابات بسبب أهميتها حزب النهضة: وهو حزب إسلامي ينظر إليه على نطاق واسع على أنه يحظى بشبكة دعم واسعة ويتمتع بشعبية كبيرة مقارنة بالأحزاب التونسية الأخرى. ومن المتوقع أن يفوز حزب النهضة بغالبية المقاعد في انتخابات الجمعية التأسيسية. وكان حزب النهضة محظوراً أثناء فترة حكم بن علي وقد عاد زعيم الحزب راشد الغنوشي مؤخرا إلى تونس بعد 20 عاما في المنفى قضاها في بريطانيا. وقد صرح الغنوشي قائلا إن حزبه س "يحترم الديموقراطية والحداثة"، مضيفا أنه يحاول التوصل إلى "مواءمة وتوازن بين الحداثة والإسلام". كما وعد الغنوشي أيضا بأن يتحلى بالتسامح بخصوص "مساواة المرأة بالرجل وتبني مواقف أخلاقية ليبرالية". ويذكر أن تونس من أكثر الدول العربية ليبرالية إذ تشارك فيها المرأة في الحياة العامة والسياسية مشاركة كبيرة. الحزب الديمقراطي التقدمي: وهو أكثر الأحزاب العلمانية تنظيما، وكان ضمن الأحزاب القليلة المعترف بها قانونا في عهد بن علي. ويتولى مؤسس الحزب وزعيمه الروحي "نجيب الشابي" منصب وزير التنمية الجهوية والمحلية في الحكومة الانتقالية بتونس منذ يناير الماضي. وكان الشابي قد منع من الترشح للانتخابات الرئاسية في تونس في 2009 . وهذا الحزب الذي يصف نفسه بأنه حزب ديمقراطي اجتماعي لم يبد حماسا كبيرا لتقاسم السلطة مع حزب النهضة لكنه في الوقت ذاته لم يرفض احتمالات الدخول في ائتلافات بصورة مطلقة. حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات: وهو حزب ديمقراطي اجتماعي بدأ يكسب شعبية في الأسابيع القليلة الماضية وقد صنفته استطلاعات الرأي على أنه أصبح بنفس الشعبية التي يحظى بها الحزب الديمقراطي التقدمي. ويتزعم هذا الحزب مصطفى بن جعفر الذي تولى لفترة وجيزة منصب وزير الصحة. وأنشئ حزب التكتل في عام 1994 لكنه لم يحصل على الاعتراف القانوني به سوى في عام 2002. ويدعو الحزب بشدة في أدبياته السياسية إلى تبني الشفافية والانفتاح، قائلا إنه يرغب في تشكيل ائتلاف مع الأحزاب الديمقراطية الأخرى. كيف غطت وسائل الإعلام الانتخابات؟ الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات: حظرت الهيئة نشر أي "تعليقات أو تحليلات متعلقة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر بالانتخابات" رغم أن التعليقات السياسية لا تزال تظهر في الصحف التونسية. وأضافت الهيئة أن الحظر يعزى إلى "غياب الإطار القانوني الذي ينظم كيفية تنظيم استطلاعات الرأي ذات الطبيعة السياسية". ودفع المجلس الوطني للإعلام وهيئة إصلاح الاعلام و الاتصال الحكومة الانتقالية إلى تمرير مرسومين جديدين قبل موعد الانتخابات لضمان تغطية حرة ونزيهة للحملات الانتخابية. وحظرت السلطات التونسية الإعلانات السياسية منذ تاريخ 12 سبتمبر الماضي. من سيراقب الانتخابات؟ سيشارك مراقبون في داخل تونس وخارجها في مراقبة الانتخابات بسبب أهميتها والاعتقاد الواسع بأن خروقات تخللت العمليات الانتخابية السابقة. وستتولى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مراقبة الانتخابات المقبلة كما أن عددا من جمعيات المجتمع المدني ستشارك في مراقبة الانتخابات. وستشارك بعثة الاتحاد الأوروبي ومركز كارتر والمعهد الجمهوري الأمريكيين في مراقبة الانتخابات. وقال رئيس الهيئة، كمال الجندوبي، إن نحو 5 آلاف مراقب في المجموع منهم نحو ألف مراقب أجنبي سيتولون مراقبة الانتخابات. هل تمر الحملات الانتخابية في أجواء هادئة حتى الآن؟ أُجلت الانتخابات لمدة ثلاثة أشهر بسبب مشكلات متعلقة بتسجيل الناخبين إذ إن نحو 400 ألف ناخب تونسي لم يتمكنوا من تسجيل أنفسهم في القوائم الانتخابية بسبب بطاقات هويتهم المنقضية الصلاحية. ويُذكر أن نسبة المسجلين في القوائم الانتخابية أقل من المتوقع في شهر أكتوبر. وبعد تمديد السلطات لمدة التسجيل، سجل 3,882,727 أنفسهم أي نحو 55 في المئة من الناخبين التونسيين المسموح لهم بالاقتراع. وتوقع رئيس الهيئة أن يشارك في الانتخابات نحو 3100.000 ناخب داخل تونس و300 ألف في الخارج. وقررت السلطات في نهاية المطاف السماح للناخبين المحليين بالإدلاء بأصواتهم شرط إبراز بطاقات الهوية الخاصة بهم يوم الاقتراع.