كتب عمرو حسين جمعتنى الصدفة هذا الأسبوع ببعض الأتراك فى مناسبتين متفرقتين، وأردت إستثمار الفرصة فأجريت تجربة بسيطة. سألت كل شخص على إنفراد سؤالين. أما السؤال الأول فكان عن رأيه الشخصى فى أردوجان و أما الثانى فكان هل إنتخبته فى الإنتخابات الأخيرة أم لا؟ و لم تخلُ الإجابة من مفارقة هامة جداً أردت لفت النظر لها. فمن بين أربعة سألتهم أجاب ثلاثة أنهم يكرهون أردوجان ويرفضون توجهاته الإسلامية إلا أن الثلاثة أقروا أنهم إنتخبوه بإرادتهم الحرة نظراً للنمو الإقتصادى الكبير والسياسي للبلاد فى عهده. الرسالة هنا واضحة، فالمعيار هنا هو الكفاءة التى لا يختلف عليها إثنان. و لكى أكون أكثر وضوحاً فتركيا غير مصر، فهناك 99% من السكان مسلمين إلا أن أغلبيتهم علمانيون وخاصة فى المدن الكبرى كإسطمبول و أنقرة. و فى نفس الوقت لم يمنع ذلك العلمانيين من إنتخاب حكومة إسلامية نظراً لكفاءتها. وفى نفس الوقت أيضاً حرصت الحكومة الإسلامية فى كل قراراتها على إحترام توجهات مختلف طوائف الشعب لتوحيد الصفوف. وذلك بالعمل والإنجاز وتقديم القدوة الحسنة وليس بالخطب والكلام. أرجو ألا ننزلق مرة أخرى فى جدالات جانبية عن الإتجاهات السياسية وخطورة الإخوان والخوف من السلفيين وتصريحات أردوجان وإنزال العلم من فوق السفارة وإحنا آسفين يا ريس، إلى غير ذلك من الجدالات الجانبة التى لا تسمن ولا تغنى من جوع. الطريق الوحيد لتحقيق نجاح ملموس للثورة هو إجراء إنتخابات حرة نزيهة. أتفق مع الكاتب الكبير فهمى هويدى فى وصفه لأردوجان أنه إبن الديمقراطية و ليس العلمانية. و للعلم فقد رفضت رفضاً قاطعاً أن أكتب أي مقال أو حتى أعلق على موضوع أردوجان و تصريحاته فى القاهرة لأن هذا الوقت هو وقت توحيد الصفوف و ليس وقت الفرقة. ما أردت أن أقوله من كل ما سبق أن الديمقراطية تؤمن بالكفاءة و البرامج و ليس الأيديولجيات. أو بمعنى أدق أن تطبيق أيديولوجيا معينة يكون نتيجة تمكن ديمقراطى هو بدوره ثمرة للعمل و الكفاءة و ليس العكس. و لا يجب أن ننسى أن السبب الرئيسى لقيام الثورة كان إنتشار الفساد و تدهور حال البلاد الإقتصادى و السياسى خلال 30 سنة و لم يكن توجه النظام ناحية الإسلاميين أو العلمانيين أو الليبرالييين أو الإشتراكيين...إلخ كل ما سبق ذكرته ليكون مدخلاً للحديث الأهم. بإختصار المطلوب الآن سياسياً التكاتف مرة أخرى للحفاظ على الثورة من الضياع. لنتفق وراء هدف واحد فقط، نريد إنتخابات نزيهة و فى موعدها. أعلم أنى ذكرت ذلك فى مقال سابق بعنوان "لنجعلها نزيهة" و لكن فى نفس الوقت فهذا الحديث هو حديث الساعة. أرجو ألا ننزلق مرة أخرى فى جدالات جانبية عن الإتجاهات السياسية و خطورة الإخوان و الخوف من السلفيين و تصريحات أردوجان و إنزال العلم من فوق السفارة و إحنا آسفين يا ريس إلى غير ذلك من الجدالات الجانبة التى لا تسمن ولا تغنى من جوع. الطريق الوحيد لتحقيق نجاح ملموس للثورة هو إجراء إنتخابات حرة نزيهة. أرى كل القوى السياسية الآن تنظر بعيون متسعة على آخرها نحو المجلس العسكرى. ففى 30 مارس 2011 أقر المجلس الإعلان الدستورى الذى هو الدستور المعمول به حتى الآن و جاء فى المادة 41 منه: "تبدأ إجراءات انتخاب مجلسى الشعب والشورى خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بهذا الإعلان." فحين تنشر هذه المقالة سيكون باقى على نهاية هذه المدة 11 يوم فقط ! لقد تأخر المجلس العسكرى كثيراً فى إصدار القوانين المنظمة للإنتخابات و إنشغل بما يسمى بالمواد فوق الدستورية أو الأطر العامة الحاكمة للدستور نتيجة ضغوط من بعض القوى السياسية أو الخارجية. ما يهمنا الآن أن عدم إقرار هذه القوانين الآن و عدم البدء الفعلى فى إجراءات الإنتخاب سيفتح أبواباً خلفية للطعن بعدم دستورية الإجراءات و الإنتخابات و سيدخل البلاد فى نفق قانونى إن دل على شيئ فهو يدل على سوء إدارة البلاد من قبل المجلس العسكرى. لنفتح عيوننا جيداً من الآن، نحن فى إنتظار القوانين المنظمة للإنتخابات بما فى ذلك الجدول الزمنى الواضح. أمامنا الكثير و الكثير من العمل قبل و أثناء و بعد الإنتخابات. و لنعلم أننا قمنا بثورة حقيقية دفع فيها البعض أرواحهم من أجلها، فأقل ما يمكن أن نقدمه لمصر الآن هو برلمان ديمقراطى نزيه يعبر عن الشعب تعبيراً حقيقياً. إذا تم تجاهل المطالب السياسية و أجريت إنتخابات بالدوائر القديمة و بمرشحين من رجال أعمال الحزب الوطنى أو إذا وجدت الرشاوى الإنتخابية أو حدث أى تزوير فى إرادة الناخبين فقد يعنى ذلك أن المكسب الوحيد الذى سنخرج به من قيام الثورة هو إلغاء البطاقة الإنتخابية و إجراء الإنتخاب بالرقم القومي!